مقدمة المترجم : بمناسبة التقارب الجزائري الفيتنامي ، وعلى اثر الزيارات المتبادلة للوفود الرسمية ، يبدو لي أن الجزائر ستعزز التعاون مع هذا البلد الذي اكتّفى ذاتيا من الناحية الغذائية وتطّور صناعيا، بيد أن الكثير من أصحاب الذهنيات البالية في وطننا المفدى ، يعتقد أن كل سبل التنمية والتطور في كل بلد له علاقة بعامل اللغة والعقيدة، والحقيقة أن الأيام لاتزال تكذّب هذه المفاهيم والمعتقدات التي هي الملجأ الأخير للفاشلين ممن أساؤا للبلاد والعباد عبر عقود من الزمن. فنحن أصحاب عقيدة العمل كعبادة ، والإتقان كبرهان على الصدق والأمانة ، لا زلنا نراوغ ونتملص من مسؤولياتنا، فقد قال أشباه العلماء في الاقتصاد ، أن سبب تأخر وترنح المنظومة المصرفية في بلدنا هو لغة التعامل وفكرة التعريب، لكن هاهي مصارفنا تتصدر المصارف الأكثر تخلفا في العالم رغم أنها تستعمل اللغة الفرنسية فقط ، وهذا دليل دامغ على التحجج الواهي بقضية اللغة، إذا ما علمنا أن دول الخليج والمشرق العربي تستعمل اللغة العربية والانغليزية وهي من الأوائل في الجانب المصرفي، لأن الذهنيات تواكب التحولات عكس ما هو متواجد بالجزائر، بلد التشدق بالمنجزات والمراتب الأولى حتى في نسبة الأمية في الوطن العربي ، انه مجرد مثال بسيط على ما يثبت أن العقيدة والّلغة لا علاقة لهما بالتطور ، ولدينا كذلك العملاق الصيني كمثال والذي اكتسح أروبا وافريقيا ، وهو ما يؤكده التحقيق التالي.
ترجمة التحقيق : إن الكثير من الملاحظين يتفقون على القول بأنه يجب أن نعّول اقتصاديا على الفيتنام مستقبلا، هذا البلد الذي يفوق عدد سكانه 83 مليون نسمة و أن التنمية الخارقة التي تشهدها الصين تعطي حدثا آخر لا يقل أهمية وهو تموقع الفيتنام في الصف الجديد لتنين المستقبل . هناك إحصاءات تظهر أن الفيتنام يتجاوز الصين إذا ما قمنا بتحليل التقدم بالنسبة لكل نسمة من السكان ،إذ أن الاستثمار المباشر الخارجي لكل ساكن هو متفوق على ماهو في الصين و الهند. فبالنسبة لهذا البلد الذي شهد حربين متتاليتين ضد الاستعمار الفرنسي و ضد التدخل الأمريكي حيث كان حجم الخسائر كبيرا ، فهذا التدخل وحده (1964-1975) خلف 03 ملايين قتيل من بين السكان مقابل 58000 قتيل في الجانب الأمريكي، فقد صرحت السلطات الفيتنامية رسميا في التسعينيات بان عدد المحاربين الشيوعيين قدر بمليون محارب إلى جانب 04 ملايين قتيل مدني لقوا حتفهم خلال الحرب . وتبعا لتقرير جديد أعدته مصالح البحث للكونغرس ( CRS ) فإن الحرب في الفيتنام قد كلفت الولاياتالمتحدةالأمريكية ما يقارب 550 مليار دولار إذا ما أخذنا في الحسبان مصاريف التضخم. فمن بين الرسميين الذين أشادوا بالإنجازات في الفيتنام خلال زيارة رسمية في جوان 2006 ، كان وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد وهو الذي حيّا التقدم الاقتصادي الفيتنامي الذي وصل إلى حد لا يصدق في زمن قياسي . وبالنظر إلى عامل الزمن ، فإن الفيتنام والولاياتالمتحدة كانا بالأمس في حرب سجلت على أنها الأشد ضراوة وذات الحصيلة الكبيرة من جانب الضحايا بالنسبة للقرن الأخير، هما الآن يتفاوضان في مجال التعاون العسكري ، إذ تبادل وزيرا البلدين للدفاع الزيارات تخللتها رسّو البوارج الأمريكية بالفيتنام ولقاءات بين مسئولين في أعلى مستوى . فخلال زيارة رامسفيلد للعاصمة الفيتنامية (هانوي) ، أُستقبل استقبالا رسميا عسكريا ، أكد هذا الأخير على ارتباط الولاياتالمتحدة بالعلاقات العسكرية مع الفيتنام في حين كذّب خبر رغبة واشنطن في إقامة قاعدة عسكرية بالفيتنام حيث قال ' إن علاقاتنا العسكرية في تطور وأن الفيتنام هو بلد مهم '. فمنذ سنوات، والفيتنام والولاياتالمتحدة يسعيان لتطوير علاقات طبيعية لا يؤثر فيها ما جرى على خلفيات أكبر حرب في القرن العشرين وما يترجم الذهاب إلى علاقات طبيعية بينهما ، هو زيارة رئيس وزراء الفيتنام للولايات المتحدةالأمريكية يوم 21 جوان 2005 ، وبعد أن التقى الرئيس بوش في المكتب البيضاوي للبيت الأبيض، صرح رئيس الوزراء الفيتنامي ' فان فان كاي ' أن زيارته أظهرت أن العلاقات بين الفيتنام والولاياتالمتحدة قد دخلت في مرحلة جديدة للتنمية .
التأشيرة إلى المنظمة العالمية للتجارة: في31 ماي من سنة 2007 ، وقّّع الفيتنام مع الولاياتالمتحدةالأمريكية اتفاقية تجارية هدفها تسهيل انضمام الفيتنام إلى المنظمة العالمية للتجارة،هذه الاتفاقية التي وقعت في مدينة (هوشي منه) ستسمح بتعجيل الصادرات الفيتنامية باتجاه السوق الأمريكية وتسهل دخول الشركات الأمريكية الدخول إلى الاقتصاد الفيتنامي. و من أجل قياس أهمية التقارب بين البلدين ، يجب أن يكون في أذهاننا مدى أهمية السوق الأمريكية للمنتجات الفيتنامية و إمكانات الاستثمار التي ستعرض على الشركات الأمريكية، استثمارات ستكون مفيدة للاقتصاد الفيتنامي ، إلى جانب أن وزن و مكانة الولاياتالمتحدة في قرارات الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة معروف و حسب العديد من الملاحظين ، فإن هذا الاتفاق سيكون أحسن تأشيرة لانضمام الفيتنام إلى المنظمة ، لأن الفيتنام يبحث عن هذا الانضمام لتوسيع صادراته والاستفادة من الامتيازات ومن وراءها يذهب إلى المرحلة الأخرى و هي الحصول على الصفة لدائمة للدولة ذات الأولوية الكبيرة التي يمنحها الكونغرس الأمريكي ، هذا الاهتمام للفيتنام يرجع إلى الإصلاحات التي أقدم عليها منذ20 سنة ، والتي تؤكدها الأرقام فحسب البنك الآسيوي للتنمية ، فإن الفيتنام كان البلد الأول في جنوب شرق أسيا الذي عرّف أكبر نمو في سنة 2006، ففي سنة 2005عرفت نسبة النمو 8.4 % ، هذا المستوى بقى مقبولا حتى سنة 2007 استنادا إلى البنك المذكور آنفا. من جانب آخر، نجد أن30 بنكا أجنبيا قد دخل الفيتنام بما فيها البنك البريطاني(HSBC )، والتقدير الذي يقرّ به السفير الأمريكي الأسبق في الفيتنام السيد: ريموند بيرغهارت(2001حتى 2004) يعتبر شهادة من الواقع حيث صرح قائلا: 'على الفيتنام أن يفخر بالتقدم الذي حققه'. فمن بلد مستورد للأرز منذ 20 سنة إلى 25 سنة خلت، إلى بلد مٌصدّر. المرتبة الثانية بعد الصين: إذا كانت نسبة النمو للناتج المحلي الخام قد كانت 8،4 بالمائة في سنة 2005، فإن الاستثمارات الخارجية المباشرة قٌدّرت ب5,8 مليار دولار أي بارتفاع نسبته 25 % ، وبالنسبة لنفس السنة فإن قيمة التبادلات التجارية وصلت إلى 32 مليار دولار أي بارتفاع نسبته 24 % مقارنة بسنة 2004 ، وكمعدل فإن نسبة النمو للناتج المحلي الخام كان7،5 % بالنسبة للخمس سنوات الأخير، والدخل المتوسط وصل إلى 640 دولار حاليا وسيبلغ 1100 دولار مع سنة 2010 بالنظر إلى توقعات النمو في السنوات القادمة، هذا الدخل الذي كان 200 دولار سنة 1990 ؟ وبالنسبة لنسبة الفقر فقد انخفضت إلى 20 % عند السكان مقابل 50 % في سنوات التسعينيات حسب تقديرات رسمية. حاليا الفيتنام هو أول مصدر عالمي للفلفل ، وثاني مٌصدّر للأرز وثالث مٌصدّر للقهوة، هي الصادرات نفسها التي تعتبر القوة المركزية للنمو الاقتصادي من طرف السلطات الفيتنامية. فحسب حصيلة رسمية، فإن سنوات الإصلاحات المقدرة ب20 سنة جعلت من الصادرات هي القوة المركزية للتنمية، ففي سنة 2004 وحسب وزير التجارة، فإن الفيتنام قد أجرى معاملات تجارية مع 224 سوق لبلدان مختلفة ووقع87 اتفاقية تجارية ثنائية بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية، ووصل رقم أعمال التصدير إلى أكثر من 50 % من الناتج المحلي الخام للسنوات الأخيرة ، وقد عرّفت نشاطات التصدير تنمية خارقة وعجيبة. هذا البلد الذي كان يحتوي على 37 مصدر وطني في سنة 1986، أصبح يحتوي الآن على 35700 مصدر. إلى جانب أن مداخيل الصادرات قد بلغت 31,5 مليار دولار في سنة 2005 بينما كانت تبلغ 2,4 مليار دولار. وبكثير من التفصيل فإن الصادرات متنوعة وتشمل 40 مجموعة مواد، 6 صادرات حققت تحصيل أكثر من واحد مليار دولار وعلى رأسها البترول الخام الذي جلب 7 مليار دولار، أما المنتجات البحرية فهي تحتل المرتبة الرابعة ب 2,5 مليار دولار، أي بارتفاع نسبته 14 بالمائة مقارنة بسنة 2004 . وبالنسبة للأرز فقد حطم الرقم القياسي ب 5,2 مليون طن وبمد خول قدر ب 1,4 مليار دولار وعن صادرات مواد الخشب فقد تجاوز الهدف المخطط له من طرف السلطات بأكثر من 1,5 مليار دولار أي بارتفاع نسبته 33 بالمائة ، مقارنة بسنة 2004، وقد حققت صادرات المواد المطاطية 772 مليون دولار والقهوة 718 مليون دولار، بيد أن صادرات المواد الإلكترونية ولواحق أجهزة الحاسوب قد حققت 1,5 مليار دولار . وفي ما يخص هذا المجال ، فإن رجل الأعمال الشهير بيل قيتس صاحب برامج مايكروسوفت قد تنقل في أواخر سنة 2007 لمدينة هانوي بالفيتنام ، إلى جانب مجموعة ( انتال) قد قررت استثمار 105 مليون دولار في بناء مصنع للإلكترونيات المعقدة في مدينة ( هوشي منه) وهذا ما يشجع المستثمرين الآخرين من العالم للقدوم . إن عدد المؤسسات العمومية المدعمة من طرف الدولة 100% ، قد وصل من 12084، سنة 1990 إلى 2980 ، سنة 2005 ، وبمنظور الفعالية فهذه المؤسسات تمثل 5،38 من الناتج المحلي الخام ونصف ميزانية الدولة . أما عن القطاع الخاص حاليا فهو يساهم نسبيا ب46 % من الناتج المحلي الخام وبالنسبة لقطاع المساهمة الأجنبية فهو يساهم حاليا ب15,5% من الناتج المحلي الخام وأكثر من 7,5% في ميزانية الدولة و23% من قيمة الصادرات المتعلقة بالبترول الخام. إن هيكلة الاقتصاد في الفيتنام قد تغيرت ، فالفلاحة تمثل 20% من الناتج المحلي الخام والصناعة والبناء 41% وقطاع الخدمات بنسبة 38,1% .
نظرية عامل التجديد أو الإشتراكية المراجعة: خلال سنة 2006 حصد الفيتنام ثمار عشرين سنة من الإصلاحات أو كما يحلو لهم أن يسموها رسميا ب ' 20سنة من التجديد' إذ أن خلف هذه الإصلاحات يوجد هناك قرار السلطات الذي اتخذوه سنة 1986 ، وهو تصحيح الخط بالنظر إلى الوضع المزري والفقر الذي كان يعيشه البلد ، هذا التصحيح بادر به الحزب الشيوعي الفيتنامي ، الحزب الواحد للفيتنام .فالفلسفة التي جلبت هذه الإصلاحات تسمى 'عمل التجديد' (Doi Moi) بالفيتنامية ، فرسميا تم الشروع في(دوا موا) وفيما بعد تم تسييره من طرف الحزب الشيوعي الفيتنامي منذ مؤتمره سنة 1986 ، ومن الجانب التطبيقي فالتجديد يرتكز على معالجة الأزمة الاقتصادية جذريا في كل الميادين (الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي والدفاعي والأمني والعلاقات الخارجية ...الخ ) من أجل إخراج الفيتنام من حالة التأخر التنموي وجعله بلدا صناعيا يمكن له الانجاز مع الدول الأخرى. أما عن الجانب النظري، فإن التجديد يرتكز على توضيح تصاميم الاشتراكية والطريق إلى الاشتراكية في الفيتنام مع الهدف المشترك لترسيخ الاستقلال و الوحدة ، و تشييد الاشتراكية بنجاح من أجل فيتنام قوي و شعب غني ومجتمع تسوده المساواة ديمقراطي وعصري . ففي 1986 ، بدأت السلطات في إعادة تنظيم الاقتصاد بالاعتماد على مبدأ تطوير القطاع الخاص و الدعوة إلى الرأسمال الأجنبي ، وفي هذا الصدد تم توقيع مرسوم بتاريخ 26نوفمبر 1986 يسمح بإنشاء المؤسسات الخاصة في قطاعات الفلاحة وتربية الأنعام والصناعات التقليدية والصناعات الصغيرة والخدمات . فالمؤسسات العمومية التي كانت تخضع لشروط معينة ، منح لها الحق بالبيع في السوق الحرة إلى جانب إنشاء المؤسسات المختلطة وتشجيعها ابتداء من 1987، بما فيها المساهمة الخارجية التي تصل حتى 100% للرأسمال، لكن كما هو الحال في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية، فإن الفيتنام يجب أن يواجه التحديات الكبرى ومنها الخطيرة ألا وهي الرشوة ، إذ أن المؤسسات الدولية أرجعوا التأخير من جانب الشفافية وبيئة الأعمال ، مما يعتبر مشكلات لها علاقة بالرشوة خاصة عندما تكون منظمة بداخل أجهزة الدولة . وبشأن موضوع الرشوة فإن الأشغال التي ميزت مؤتمر للحزب الشيوعي الفيتنامي الحاكم الذي انعقد من 18إلى 25أفريل من سنة 2006، حيث أنه و في جلسة الاختتام ، صرح الأمين العام للحزب بأنه يجب ترقية أساليب محاربة الرشوة و البيروقراطية ومحاربة الآفات الاجتماعية. وصرح قائلا: 'نحن ملزمون بإخراج البلد من حالة التأخر التنموي والتقدم بصرامة في طريق التصنيع والعصرنة ' وما عدا ظاهرة الرشوة فإننا لا نرى ما سيمنع الفيتنام من أن يصبح قوة صناعية بحلول 2020، كما جاء في مخطط التنمية والإصلاحات، (انتهت ترجمة التحقيق). ومن خلال هذا التحقيق ، الذي أعدّه الصحفي بجريدة الوطن الاقتصادي ، يتضح جليّا كيف أن للإرادة والانضباط أن يحولا بلدا من التخلف إلى التطور في جميع المجالات ، فهل سيتبع وطننا المفدّى خطى الفيتنام لمواكبة التطور، أم أنه سوف يبقى في تجريب الخطط الإنمائية وانتظار أن ترضى علينا فرنسا التي ما تنفك من توجيه الاهانات تلو الأخرى ، والتي تطرقت لها في موضوع سابق عن السيادة المستهدفة ، وآخر هذه الاهانات هي المساواة بين شهدائنا الأبرار وضحاياهم في حربهم مع الألمان ، ونحن لا يحرك لنا ساكن ، وكان الأمر لا يعنينا حيث أن فرنسا مطمئنة علينا مادام أتباعها محافظين على الأمانة ولم يتخلصوا من عُقّدهم؟