انتقل المجاهد الكبير والأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني، عبد الحميد مهري، إلى جوار ربه، صبيحة اليوم الاثنين 30 جانفي، بمستشفى عين النعجة العسكري بالجزائر العاصمة عن عمر يناهز 86 سنة... ولد عبد الحميد مهري يوم 3 أفريل 1926 بالخروب بولاية قسنطينة ليتربى في منطقة واد الزناتي بولاية قالمة، أين درس القرآن على يد الشيخ عيسى بن مهيدي وهو أحد أعمام العربي بن مهيدي الذي كان قاضيا بقرية وادي الزناتي آنذاك، ثم انتقل مهري إلى تونس وانتسابه إلى جامعة الزيتونة ثم انخرط في الحركة الوطنية من خلال حزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وبعد اندلاع الثورة التحريرية اعتقلته الإدارة الاستعمارية في نوفمبر 1954 وبقي في السجن إلى غاية أفريل 1955 وبعد خروجه من السجن عين عضو ضمن وفد جبهة التحرير الوطني بالقاهرة بعد اتصالاته بالمسؤولين الكبار للثورة مثل كريم بلقاسم وعبان رمضان ومحمد خيدر، ومن القاهرة انتقل لتمثيل جبهة التحرير في عدة عواصم عربية وهي سوريا، لبنان، الأردن والعراق. وبعدها التحق الرجل رحمه الله، بلجنة التنسيق والتنفيذ، وعند تشكيل الحكومة المؤقتة شغل منصب وزير شؤون شمال إفريقيا في أول حكومة مؤقتة، ومنصب وزير الشؤون الاجتماعية والثقافية في الحكومة المؤقتة الثانية، وقدم بعدها مشروع يعرف باسم "مشروع مهري" للرد على مشروع شارل ديغول المعروف بمشروع قسنطينة الهادف لتحييد المجاهدين من خلال سياسة المحتشدات التي طبقها ديغول لتجفيف منابع الثورة وعزل المجاهدين.
في سنة 1958 عيّن الراحل، كوزير في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، من قبل فرحات عباس وزيرا للشؤون المغاربية ثم وزيرا للشؤون الاجتماعية والثقافية، وكتب التاريخ أن المشروع الذي قدمته جبهة التحرير ردا على مشروع ديغول، حمل اسم "مشروع مهري". بعد الاستقلال في العام 1962 عُين عبد الحميد مهري أمينا عاما لوزارة التعليم الثانوي 1965- 1976، ثم وزيرا للإعلام والثقافة في مارس 1979 ثم سفير للجزائر في العاصمة باريس في الفترة 1984-1988 ثم سفير للجزائر بالمملكة المغربية إلى غاية استدعائه إلى الجزائر وتوليه منصب الأمانة الدائمة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، بعدها تولى منصب الأمين العام للحزب بعد إقالة محمد الشريف مساعدية بعد أحداث أكتوبر 1988 وإقرار تعديلات دستورية تفتح المجال أمام التعديدية مع دستور 1989. ويعتبر مهري أول مسؤول لحزب جبهة التحرير الوطني عمل منذ الاستقلال على تحويل جبهة التحرير الوطني من جهاز لخدمة النظام القائم إلى حزب بأتم معنى الكلمة على الرغم من المقاومة الشديدة الذي واجهه بها النظام، وهو ما دفعه سنة 1989 إلى تسجيل تحفظات قوية على وثيقة الدستور التي قدمها الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، واقترح عليه صراحة أن لا يقوم بالإصلاحات منفردا، مطالبا منه بفتح نقاش وطني واسع والمرور عبر مجلس منتخب وهو الموقف الذي لم يكن يعرفه الكثير من المتابعين حتى رجال السياسة منهم، وهذا بحسب تصريحات للراحل مهري، وهو موقف متقدم جدا بمقاييس المرحلة تلك على الرغم من أن دستور فيفري 1989 كان يشكل انفتاحا حقيقيا، وهو نفس الموقف الذي قدمه للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة في رسالة وجهها له في شهر جويلية 2011، حيث خاطب الرئيس بوتفليقة مباشرة قائلا: "لا تقم وحدك بإصلاح يمس بنية الدولة ! قم بذلك مع الآخرين"، مضيفا "إن الإصلاح الحقيقي الجدير بهذا الاسم، من أجل تغيير النظام، يتطلب ندوة وطنية من دون إقصاء سياسي وأرضية توافقية تحدد الأهداف المنشودة والمراحل ووسائل التنفيذ. وعند ذلك يمكن أن نبدأ العمل متضامنين لتطبيق هذا الإصلاح". وشارك عبد الحميد مهري في ندوة "سانت ايجيدو" بروما لبحث مخرج للأزمة الجزائرية سنة 1994 بمشاركة كل من الزعيم التاريخي حسين أيت احمد وزعيمة حزب العمال لويزة حنون وممثلين عن حزب جبهة الإنقاد المحل وعبد الله جاب الله ومحفوظ نحناح الذي أعلن انسحابه في اللقاء الثاني. وقال مهري مخاطبا الرئيس بوتفليقة "كانت هناك محاولة لفرض الأمر الواقع فهذا ليس إصلاحا، بل هو استمرارية" وهي المواقف التي عبر عنها برسائل عديدة للرئيس بوتفليقة آخرها في نوفمبر الماضي، مطالبا فيها الرئيس بإصلاحات حقيقية منتقدا النظرة الضيقة للنظام الحالي، واصفا إياه بأنه نظام عاجز على وضع البلاد على السكة لأنه نظام غير ناضج، يقول مهري.