حين زيارتك لمقر مديرية الثقافة تكتشف للوهلة الأولى أن هذا المقر لا يمت بصلة لمعنى الثقافة بل تجده يعبر حقيقة عن ما آلت إليه العقلية الثقافية لهذه المدينة التي رسمت لتاريخها ألوانا من روائح عطرها البريِّ، واستسقت بيدِ المارينَ زمانها القادم، مدينة عُرفت بالعلم والعلماء من "سيدي نايل" إلى عامر بن المبروك محفوظي إلى ثلة رائعة خدمت الثقافة العربية والدينية بكل حب وافتنان من أمثال الشيخ بلكحل بن علي بن امحمد المولود حوالي سنة 1775م، وأبو الأرباح بن المحفوظ ومحمد بن عياش والشريف بن الأحرش إلى عبد القادر الشطي –رحمهم الله- وغيرهم، كما عرفت تاريخا ثقافيا مهما قديما وحتى في الآونة الأخيرة من مبدعين ومثقفين وباحثين نفضوا الغبار عن حركة ثقافية إبداعية جديرة بالاهتمام، لكن في منحنيات هذا التاريخ ومنذ أن عادت لوزارة الثقافة الحياة المادية من خلال ميزانيات مهمة بقت ثقافة مدينة الجلفة في "العمارة" لم تبرح مكانها رغم تغير الهياكل حولها وهي التي تقود بشكل مباشر كل المنشآت الجديدة والتابعة لها. رواق يؤدي إلى مكتب المدير مقر مديرية الثقافة في وسط المدينة لا يخضع لأي إطار تنموي أو رؤية توازي (الخدمة المقدمة) – الخدمة الثقافة- فهي تتواجد في إحدى طوابق (عمارة) بساحة "بوضياف" بوسط المدينة (لا توجد لافتة تدل عليها)، وقد اتسمت هذه العمارة بخصوصية "الأوساخ" والجدران المهترئة، كما أن العابر لا يلاحظ أي شيء يمت بشيء (لمعنى الثقافة)، أما في داخل المديرية فمكاتب (عارية) ولا أثر لوجود أي تحضر مادي إداري، مكاتب لرؤساء مصالح لا تشير حتى لمكتب أصغر موظف بها، حتى أن صالة الانتظار عبارة عن غرفة "مطبخ" قديم أكل عليه الدهر وشرب تقابله شرفة تتكدس بها "النفايات" أحيانا. سلالم العمارة وحالتها المزرية إن المتابع لحركة الثقافة في المدينة يجد أنها تتخبط في مشاريع ونشاطات لا تشكل الرؤية الحقيقية للفضاء الثقافي المتسع في المدينة نتيجة لبرامج المناسبات والتي بدورها لم تستطع هذه الهياكل أن تتبنى بشكل فاعل حقيقة هذه المناسبات وتفعيلها بالشكل الصحيح، وبغض النظر عن جملة الهياكل المتوفرة الأخرى ماديا لهذا القطاع فإن الاستثمار البشري لا بد أن تكون له لجنته الإحصائية الخاصة، فالثقافة بلا مثقف هي منتوج بلا ريب لرؤية سطحية غير مؤهلة لقيادة البنية الثقافية في المدينة والتي تزخر كما هو معلوم بكتل ثقافية قد تكون مشتتة نتيجة لظهور خلافات لا تنم عن الرؤية الحقة لمفهوم الثقافة في المدينة.