[image] إن الشعوب المتقدمة تهتم بالحفاظ على تراثها و إقامة المتاحف التي تحفظ آثارها من التلف أو الضياع، و تبذل الحكومات جهودًا كبيرة في نشر الوعي بأهمية زيارة المتاحف حتى يلمّ الشباب بتاريخ بلادهم و يظلّ متمسكا بجذوره. فهل انتم ممن يعشقون التراث و يحبُون التطلع لماضي زمننا العريق ..؟؟؟ إذن تعالوا معنا عبر "الجلفة إنفو" نرشدكم في زيارة لمتحفنا البلدي بالولاية كي تطَّلعوا على محفوظات أثرية و مُعدات كان يستخدمها الأجداد في حياتهم اليومية. والتي تمثل كافة أنواع النشاط البشري الاجتماعي والسياسي والعسكري والثقافي. في أحد الشوارع و على بُعد كيلومترات من ساحة محمد بوضياف يتراءى لك مبنى المتحف البلدي الذي لا يوحي خارجه بما يحتويه الداخل من عظمة البناء و الطراز المعماري الذي يمتد على مساحة شاسعة. و بمجرد دخول الفناء المخصص للمتحف و الضغط على زر الإنارة حتى تدِّب الحياة في المكان و تهرب بك عيناك في كل مكان. للوقوف عند مظاهر الحضارة النائلية بالمنطقة من خلال هذه المؤسسة المتحفية، هذا المتحف الذي تضم زواياه مجموعة من المنتوجات و العناصر الابداعية التي تعكس مستويات الابداع الحرفي النائلي في مختلف المجالات و عبر التاريخ. فعلى الجهة اليمنى نجد بالتتابع قعدة تحت الخيمة النايلية و بداخلها نسوة بالزّي التقليدي يتربعن أمام موقد النار و أمامهم مائدة تتزاحم فيها المأكولات التقليدية الخاصة بالمنطقة ك”الرفيس” و”المسمن" و " الكعبوش" ...، و ما يميز الجهة الأخرى من الخيمة هي الحيوية التي ازدانت بوقفة شكَّلها فارس يشدُّ لجام خيله وباروده فوق كتفه و بالقرب منه عدد من الماعز التي زادت المكان رونقا وجمال . بينما نجد في الجهة المقابلة معرض للألبسة التقليدية أو بالأحرى أهم ما يميز ألبسة المرأة النائلية مثل الحايك والملحفة و الحولي. كذلك البرنوس الجلفاوي المصنوع من الوبر الخالص الذي يعد اللباس المفضل والمعبر عن عراقة سكان المنطقة، ورائها الزرابي المميزة بألوانها الفاقعة التي تحاكي حرارة المنطقة. و بجانبها حُجرة مخصصة للإسكافي بطاولته المليئة بلوازم الملاخة بطاولته المليئة بلوازم الإسكافي مخصصة. و هناك حاويات زجاجية تضم تشكيلة من المجوهرات و الحُلي التقليدية مختزلة اشكالا ًثقافية و تراثية أصيلة و بعض المواد التجميلية كوظيفة جمالية تتزين بها المرأة النائلية منذ القديم. بالإضافة الى طاولة مخصصة للألعاب التقليدية المتوارثة عن الأجداد باعتبارها وسيلة للتسلية والترفيه، فهي تشكل مناسبة للإلتقاء بين السكان، ما يعمّق مظاهر التضامن ويحمي الرسالة الاجتماعية التي يرمز إليها هذا الموروث من خلال إعادة إحياء و بعث الكثير منها في أوساط الشباب، لأجل المحافظة عليها وإبرازها كرصيد ثقافي تزخر به هذه المنطقة ونجد من بينها " السيق" و " الخربقة".. وتخطو خطوتين أين يستقبلك الحداد بآلاته و جمَاراته المشتعلة وأدوات مخصصة للحدادة وكل لوازم تلجيم الأحصنة التي تمثل الاستعمال الحرفي و الاقتصادي. و بعض الأواني التقليدية فنجد " الرونية" و "الخرج " و خابية مخصصة للقطران و منتوج الحلفاء و تقابلها زاوية مخصصة للتعريف بالنسيج التقليدي و آدواته و مختلف الأعشاب الطبية التي كان يستعملها الأجداد للتطبيب التقليدي. و تعرض اجنحة المتحف البلدي كذلك مختلف اوجه و اشكال الحضارة الجلفاوية التي تكونت منذ آلاف السنين من بقايا الأثريات و الحفريات التي تمّ تجسيدها من قبل فنانين من أهل المنطقة في صورتها الحقيقة وتقريبها لمن لا يستطيع رؤيتها في مكان تواجدها الحقيقي والمنتشرة في نواحي المنطقة من عمورة و زكار و عين الناقة و غيرها ... و هذا ما هو إلا دليل على عراقتها وشاهد على احتضانها لمحطات إنسانية فتحت بها صفحات مشرقة على دروب الحضارة والتمدن، وأضافت للتاريخ تراثا حضاريا وكنوزا أثرية أضحت من أكبر المعاني التي تزخر بها الولاية، و في زاوية أخرى من المتحف نقف عند مجموعة من المغارات والكهوف التي استعملها الإنسان الحجري ،فهناك حجرة تُرجع الوجود الانساني في منطقة الجلفة إلى العهد الحجري القديم ، مثل ما دلّت عليه الشواهد والأحجار المنحوتة من الحصى الصلب و نقوشا صخرية لفيلة و أبقار و نعامات و أرانب ورسما لإنسان من العصر الحجري. و في حجرة أخرى مقابلة لها نجدها بدورها عبارة عن حجرات متقابلة في شكل دائرة،واحدة لبقايا الحيوانات المتحجرة (الأحافير) والنباتات والثديات والطيور والزواحف والحيوانات اللافقارية و أخرى للحشرات ، و حجرة فيها كتلة من حجر الملح للتعريف بجبل يقع على بعد 3 كيلومترات عن مدينة عين معبد. كذلك نجد حجرة لآثار الديناصورات لمنطقة عمورة من خلال الحقبات الخمس منذ 200 مليون سنة. ونخطو خطوات في الجهة الأخرى بين مرافق هذه المؤسسة بمصاحبة الأضواء التي أنارت ربوع المكان لنقف عند تجليات ورموز ساهمت في صياغة رصيد حضاري و ثقافي يعكس تطورها يقودنا التسلسل التاريخي فيها الى الحقبات التي عرفتها الولاية من الحقبة العثمانية الى الحقبة البربرية الزناتية و الحقبة الرومانية وصولا الى الحقبة العربية الإسلامية بإعطاء معلومات عنها و أشياء ميَّزتها . وفي آخر الرواق نجد كوخ تقليدي مجهز بأدوات تقليدية كانت ولازالت تستخدم لدى سكان الجلفة بروافدها المختلفة ما يمثل غنى و تنوع الثقافة النايلية. و قبل إنهاء جولتنا القصيرة كان لابد لنا من التحدث مع مدير المتحف السيد " قشام. م " عن أهمية وقيمة هذا الصرح و جرى الحديث التالي: يقول: " إنّ هذه المؤسسة الثقافية التي انشئت و يشرف عليها المجلس الشعبي البلدي لمدينة الجلفة منذ تحديثها سنة 2005 تمثل محطة للتعريف بمكونات الثقافة النائلية بمختلف مناطقها، هذه الأخيرة التي تتميز بالتنوع و الاختلاف و ابراز هذا التنوع و الاختلاف هو ما يرمي إليه هذا المتحف بالإضافة إلى ابراز معالمها و التعريف بها ، و يضيف أنه و باعتبار أن البلدية هي الخلية الأولى في المجتمع فقد جمعت كل الأفكار و الوسائل بمساعدة المواطنين و حاولت تقريبها من المواطن الجلفاوي و التعريف بها للزوار من المناطق المختلفة، هذا و يوجه السيد المدير من خلال هذا المنبر " الجلفة إنفو " الى كل سكان الولاية و أي شخص لديه مقتنيات أو أفكار أو معلومات خاصة بتاريخ ولاية الجلفة أن يتقدم بها ليتعزز بها المتحف . وبدورنا في الأخير نرجوا أن تتحول المتاحف في بلادنا الى خلايا حيّة تنبض بالحركة و الحياة بتكاتف كل الأجهزة المسئولة عن الثقافة و الإعلام لغرس الوعي بقيمة زيارة المتاحف و توضيح أهمية الحفاظ على تلك المقتنيات التي لا تقدر بمال. و حينئذ تصبح متاحفنا و تراثنا ذات قيمة عظيمة و ليست مجرد قصور رائعة لا يزورها أحد.