بمناسبة ذكرى مرور خمس سنوات على تأسيس اذاعة الجلفة بتاريخ التاسع سبتمبر من عام 2007 هذه الأخيرة التي تعززت بها الولاية و التي بدأت ببث برامجها عبر أمواج " الأف. أم " بمجموعة قليلة من الصحفيين و التقنيين توظف اليوم أكثر من 40 موظف من صحافيين، منشطين ، تقنيين و إداريين خطت خطوة كبيرة نحو الاحترافية بفضل طاقمها الساهر على تقديم أطباق متنوعة في مستوى تطلعات و أذواق مستمعيها في كل مكان وعبر مختلف أمواجها ، كما قفز توقيت بثها منذ جانفي 2009 ليصبح من الساعة 6.40 صباحا و إلى غاية 8 مساءا ، مع العلم أن اذاعة صوت الجزائر من الجلفة تدخل ضمن سلسلة الإذاعات المحلية التي افتتحت عبر التراب الوطني في إطار سياسة رئيس الجمهورية الرامية إلى تمكين كل ولاية من اذاعتها لتقديم خدمة عمومية و إعلام جواري فعّال كانت آخرها محطة بومرداس بتصنيف 48 أطلقت إشارة بثها رسميا في التاسع من الشهر الفارط . و لعلّ الفضل في إنطلاق هذه الإذاعات منذ عهد الإستقلال و إلى غاية يومنا هذا يعود لتلك الأسماء التي صنعت مجد الجزائر من خلال " صوت الجزائر" الذي مرّ بثلاث مراحل، مرحلة كاد يغيب فيها الإعلام الوطني ماعدا ما كان يبثه صوت العرب بالقاهرة، و هي مرحلة تمتد تقريبا من فاتح نوفمبر 1954 إلى ديسمبر 1956 أما المرحلة الثانية تأتي بعد مؤتمر الصومام و هي تنقسم إلى جهد عربي و آخر وطني بدأ نهاية 1956 بإنشاء " صوت جبهة و جيش التحرير" الذي كان ينطلق من " الإذاعة الوطنية السرية " و المرحلة الثالثة فقد بدأت بافتتاح " صوت الجزائر" في الإذاعات العربية. صوت الجزائر عبر أثير صوت العرب بانطلاق بيان أول نوفمبر1954 مؤكدا انتماء الجزائر عربيا و اسلاميا حتى انطلقت جموح الطلبة في عموم المشرق العربي مبشرة برسالة نوفمبر الجديدة، رسالة الحرية للعالم العربي كلٌّ في موقعه دون انتظار التعليمات من أجل تبليغ صوت الثورة الجزائرية إلى العالمين العربي و الإسلامي بكل أمانة و صدق خصوصا أنه و مع بداية الثورة كانت الجزائر العربية المسلمة مجهولة لدى كافة المستويات في الوطن العربي، هذا ما صعّب من مهمة توصيل الرسالة حول كيفية تناول المواضيع و الوسيلة المطلوبة في التعبير عن متطلبات المرحلة الجديدة في مسار الثورة الجزائرية و كذا حول اللهجة التي ستستعمل، و لكنّ الإشكال قد حلّ باستعمال الفصحى و الاعتراض الذي كان واردا بأن اللغة العربية غير مفهومة في الجزائر بصورة خاصة و المغرب العربي بصورة عامة قد تلاشى تماما كما أثبتت الأيام أنّ الفصحى لها مكانتها و لها تأثيرها و سيطرتها على المستمع العربي و بذلك سقطت كلّ الافتراضات و الاعتراضات و التحمت الجماهير العربية بالثورة الجزائرية و آمنت بها حتى صار كلّ عربي يؤمن بها و يعتبرها ثورته بكل فخر و اعتزاز. و من جهة أخرى لم تكن إدارة صوت العرب بالقاهرة تملك معلومات دقيقة عن الجزائر حتى تتمكن من توجيه الخطاب إلى شعبها اسلاميا أم قوميا لذلك تمّ تكوين لجان لدراسة الموضوع كان "طه حسين " أحد أعضائها حيث جمَع كلّ ما كتبه المستشرقون عن شمال إفريقيا. حينها بدأ التوجه الى الجزائر بتكوين جهاز خاص تدرّب عليه المرحوم "عيسى مسعودي" و كانت البداية بركن "المغرب العربي بصوت العرب" هذا الركن الذي تغيّر إسمه عدّة مرات إلى أن استقر تحت عنوان " صوت الجمهورية الجزائرية " و كان يبثّ باللغة العربية و الفرنسية تولى تعاليقه السياسية و إذاعتها كوكبة من الأسماء.، و قد كان هذا الركن نافذة واسعة مفتوحة أمام شباب الجزائر للتعريف ببلدهم و ثورتها، الذي أعطى نفسا جديدا للثورة الجزائرية من الناحية الإعلامية و استطاع أن يعمّق وجودها في نفوس الجماهير العربية و من الشخصيات البارزة آنذاك الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي بادر في تأييد الثورة دون انتظار التفاصيل عمّا يجري في الوطن بصبّ جام غضبه على المستعمرين عبر تصريحاته الاذاعية. غزا صوت العرب كل البيوت خاصة الجزائرية منها و استحوذ على القلوب و العقول يستجبون لنداءاته و يعملون بتوجيهاته، كان صوتا للحرية، كان صوتا للكرامة الإنسانية، كان هذا الصوت ينبعث من قلب ارض الكنانة مدوّيا مزلزلا لأركان الإستعمار برجاله الذين يعطون للكلمة معناها الحقيقي. صوت جبهة و جيش التحرير " الإذاعة السرية" كانت الانطلاقة الأولى لأجهزة اعلامية مسموعة ناطقة بإسم جبهة التحرير الوطني عَقب مؤتمر الصومام أي في آواخر سنة 1956 و في هذه السنة أنشأ قادة جبهة التحرير أركانا إذاعية في معظم الاقطار العربية حيث كانت الإذاعة في ذلك الوقت في الوطن العربي الوسيلة القوّية و الفعالة و قد تزامن ذلك مع توسيع شبكة البث الإذاعي و التلفزيوني في الجزائر الذي كان ناطقا بإسم غلاة المستعمرين و المرسل من الإذاعة الجهوية الفرنسية بالجزائر التابعة مباشرة للإذاعة المركزية بباريس، كما تزامنت هذه الحركة الإعلامية الناطقة بالعربية بإسم جبهة التحرير الوطني مع تدشين أول بث تلفزيوني بالجزائر تابع هو كذلك للمستعمر و التي كان يحاول من خلالها التأثير على الرأي العام الجزائري في مواجهة المعركة الإعلامية الجديدة التي فتحتها جبهة التحرير الوطني آلا و هي " الإذاعة الجزائرية السرية" أول اذاعة في تاريخ الجزائر. بدأت المرحلة الاولى لهذه الإذاعة بجهاز إرسال محمول فوق شاحنة من نوع G.M.C أخرجت من القاعدة الأمريكية بالقنيطرة عام 1956، تكونت من أجهزة بسيطة يمكن وصفها بالبدائية و بإمكانيات جدّ محدودة و قد تعرض القائمون عليها للخطر لأكثر من مرة و مع ذلك فقط كانت تشكّل تحديا صارخا للنظام الإستعماري وهي تجوب الأحراش و الغابات في شاحنة لا تعرف التوقف حتى لا يكتشفها العدو . كانت تبث برامجها عبر ثلاثة موجات قصار 25 متر، 31 متر و 49 متر فيما كانت مدة البث 6 ساعات يوميا: من الساعة 5 إلى 7 صباحا و من 12 إلى 14 زوالا و السهرة من 21 الى 23 ليلا و احيانا يطول البرنامج حسب المادة الإعلامية. و تولى التعاليق و البث المباشر و الجوانب التقنية بهذه الإذاعة كل من الآتية أسمائهم: عبد المجيد مزيان،عبد السلام بلعيد، مدني الحواس، رشيد النجار، الهاشمي التجاني، عبد الرحمن لغواطي ، موسى صدار، عيسى قوار، لوصيف بوغرارة المدعو " محمد القوردو" ، يوغورطا، خالد التيجيني، الشيخ رضا بن الشيخ الحسين المدعو " ميمون" . هؤلاء و غيرهم بعد تجربة قاسية تعلموا خبرة و حملوا معداتهم و أدواتهم و انتقلوا الى داخل الحدود المغربية في 16 ديسمبر 1956 و نصبوا محطاتهم داخل الريف المغربي و ابقوا على الإسم و هو ( صوت جبهة و جيش التحرير ) الذي كان لحنه المميز " هنا الجزائر الحرّة المكافحة... صوت جبهة و جيش التحرير يخاطبكم من قلب الجزائر " هذا و قد تنقلت هذه المحطات عبر بعض مدن المغرب من تيطوان الى طنجة و أخيرا في الرباط بطاقم له إرادة و إستعداد لبث رسالة الثورة و اكتساب جمهور السامعين بتقديم التعاليق السياسية و الأخبار العسكرية بالعربية و الفصحى و الدارجة. الإذاعات العربية و دورها في إعلام الثورة لقد كانت الشعوب العربية تعيش الثورة الجزائرية بكل جوارحها و تشارك ماديا و معنويا في دعم مسيرتها و التعرف عن تفاصيلها بعد ان كانت الجزائر مغيبة عن حقيقتها العربية و الإسلامية نتيجة السياسة الاستعمارية القائمة على أنها جزء لا يتجزأ من فرنسا. الى جانب صوت العرب الذي لم ينقطع منذ الفاتح نوفمبر من العام 1954 كان أيضا صوت الجزائر من اذاعة تونس سنة 1956 التي إكتست أهمية خاصة تكمن في صوت "عيسى مسعودي" رحمه الله و قد كان و بعضوية العديد من الأساتذة تُستقى منها المعلومات عن الكفاح المسلح في وقت وصلت فيها الثورة الجزائرية الى مرحلة حاسمة سنة 1961 و كانت اذاعة القاهرة تسميها " رسالة تونس" فتسجلها و منها تحرر الأخبار و التعاليق السياسية بالإضافة الى المصادر الأخرى ، و في نفس السنة أيضا شهد انطلاق اذاعة تيطوان بالمغرب و كان الإعداد و التقديم للشيخ "علي مرحوم" المدعو "سي مراد "بمساعدة "زهير احدادن" المدعو "سي مبارك" و "علي عسول" المدعو "عبد الرزا ق" و من الرباط عبر خلية الإعلام تحت اشراف "سي الدراجي" و عام 1958 شهد إنطلاق صوت الجزائر من إذاعة طرابلس تولى التحرير و التعاليق السياسية فيها "حمد الصالح الصديق" و كان يساعده في الأخبار العسكرية "حسن يامي" من أجل مدّ الشعب الليبي الشقيق بأخبار الثورة الجزائرية و في نفس السنة أيضا إنطلق الصوت من دمشق و قد كانت هذه الإذاعة تابعة مباشرة لمكتب جبهة التحرير الوطني و ليس للإذاعة السورية عليها أية رقابة او تدخل او توجيه و قد كان فريق هذه الإذاعة يتكون من مجموعة من الطلبة الذين يدرسون بالجامعات السورية و هم الذين يتولون مهمة الإعداد و التعاليق السياسية و الإشراف على جميع فقرات البرنامج ، أما بالنسبة للكويت فقد طلب السيد "عثمان سعدي" سنة 1958 من وزارة الإعلام الكويتية أن تسمح بفتح ركن للجزائر بإذاعة الكويت و بالفعل تمّ ذلك و كان "عثمان سعدي" مع المذيع "موسى الدجاني" يشرفان على ذلك بتحرير برامج و تمثيليات عن الثورة التي كان لها صدى كبير بالخليج العربي ، و في العراق و في نفس السنة فتح باب الإذاعة للثورة الجزائرية ترأسها المرحوم "أحمد بودا "الذي كان رئيس البعثة الجزائرية بالعراق آنذاك و في سنة 1959 أنشئ فرع إذاعي في بنغازي تحت رغبة الشعب الليبي من أجل تعميم الثورة الجزائرية على كامل القطر الليبي. و بهذا كانت الكلمة واحدة و الهدف واحد لأنها ثورة الوطن الواحد ثورة الجزائر و هي محطات خالدة لا تقل أهمية عمّا كان يصنعه أبطال جيش التحرير في الأوراس و جرجرة و الونشريس و بوكحيل و الجرف و الصحراء و في كل بقعة كانت تقاوم من أجل تحرير هذا الوطن. * للموضوع مصادر.