انتشرت مؤخرا بولاية الجلفة ظاهرة التداوي بالأعشاب الطبيعية لكافة الأمراض وأصبح لها سوق رائجة و زبائن من كل أطياف المجتمع يدفعهم الضعف أمام حالة مرض مستعص يبحثون له عن أي علاج و عند أي كان... الجلفة إنفو" حققت في الموضوع و حاولت الإمساك بخيوط الظاهرة بالاتصال بمجموعة من الأساتذة و الأطباء و كذا مفتي الولاية الذين أجمعوا على ضرورة الحذر مما يروّج له من القدرة على علاج الأمراض المستعصية مثل داء السكري و مختلف أمراض السرطان خصوصا من بعض من يتظاهرون باستخدام الرقية الشرعية. الدكتور حميدة عمر: "عشوائية استخدام الأعشاب خطر داهم علي حياة المرضي و أقوى السموم ذات أصل نباتي" يقول الدكتور "حميدة عمر" اختصاصي في علم الصيدلة أن الأعشاب الطبية تشكّل جزءا أساسيّا في صناعة و تحضير الأدوية في العالم وعلى مر التاريخ، غير أن العلاج بالأعشاب لا يحظى باهتمام كبير في الدول الغربية المتقدمة. و أشار ذات المتحدث إلى أن العلاج بالأعشاب بصفة عامة له تأثيرات مفيدة جداً مثلما له بنفس الدرجة تأثيرات ضارة وأحياناً سامة جداً، حيث يرى الدكتور حميدة أن أقوى السموم ذات مصدر نباتي. و أضاف الدكتور حميدة أن الأدوية التي نشتريها من الصيدليات مجرّبة و الدليل هو أننا اذا فتحنا علبة الدواء نجد بداخلها قائمة المحاذير التي يجب مراعاتها عند استعمال هذا الدواء وكذلك المضاعفات التي قد تنشأ عن ذلك و التفاعلات الممكنة عند تناول أدوية أخرى. أما الأعشاب، يضيف الدكتور حميدة، فنجد أن البائع يصفها لمجرّد أن يستمع الى مجرد شكوانا. وهنا تكمن الخطورة لأن بائع الأعشاب، حسب ذات المتحدث، قد يكون جاهلاً أو مستجداً على هذه الحرفة وليس لديه الخبرة الكافية. و على سبيل المثال قد يأتيه من يشكو من الصداع ويصف عشبة عادية تعالج أعراض الصداع و لكنها قد ترفع من ضغط الدم بينما قد يكون سبب الصداع هو ارتفاع ضغط الدم فينتهى الأمر بالمريض إلى الشلل أو الوفاة. و وصف الدكتور حميدة الكثير من بائعي المستحضرات الطبية التقليدية بأنهم لا يتحلّون بصفة الأمانة و لا تحكمهم أخلاقيات المهنة مثلما لا يملكون تكوينا علميّا متخصّصا. الدكتور عزي بوعلام: "فوضى الأعشاب قد تؤدي إلى فشل كلوى أو أمراض سرطانية و أمراض أخرى" من جهته يرى الدكتور"عزي بوعلام"، طبيب عام متحصل على شهادة جامعية بكلية الطب بباريس، أن اللجوء الى العلاج بالأعشاب هو نوع من الهروب في مواجهة الواقع. وأن العلاج بالطب البديل ليس متفقاً عليه، فلكل طريقته في التشخيص وهذا أحد المخاطر لأنها تجعل امكانية التحقق من صحة ما يقال أمراً صعباً لانعدام الوسائل المتفق عليها. وفي رأيي - يقول خرّيج جامعة باريس- أن الوقت قد حان للارتقاء بالمجتمع نحو الإيجابية بعيداً عن الدجل و الشعوذة. أما بشأن الشائعة المنتشرة و التي مفادها أن "الأعشاب إن لم تنفع فلن تضر"، فيرى الدكتور عزي بوعلام أن هذا المعتقد قد ساهم في انتشار تجارتها على الأرصفة في أكياس مختلفة كل منها يعالج مرضا معيّنا، بالإضافة الى اقتحام تلك الوصفات لبعض الصيدليات. ومن ضمن الفوضى التي لا توجد رقابة عليها، يقول ذات الطبيب، قيام بعض الوافدين من مالي ببيع أدوية غير مأمونة الجانب و منها مثلا "Dexamethasone-corticoides" الذي يوصف لعلاج أمراض الجهاز التنفسي في حين نجد أن أولئك المهاجرين الأفارقة قد غيروا في العلبة لتباع للفتيات اللواتي يرغبن في اكتساب السمنة و زيادة الوزن بمبالغ خيالية تصل الى 6.000.00 دج بينما ثمنها الأصلي 200 دج وهذا بالإضافة للأعراض الجانبية الخطيرة التي يمكن أن يسببها الدواء من حدوث تقرحات في الحنجرة كما يمكن ان يسبب هشاشة العظام وضعف العضلات ومن الأعراض أيضا التي يمكن ان يسببها دواء "Dexamethasone " ارتفاع نسبة السكر في الدم، كما أنها قد تكون سببا مباشرا في قصور كلوي أو اصابة بإحدى أنواع مرض السرطان. و نبّه الدكتور عزّي الى الدور السلبي الذي تلعبه بعض الفضائيات التلفزيونية في الإعلان عن أدوية و مستحضرات تعالج بعض الأمراض المزمنة مما يترتب عليه الإسراع إلى الشراء دون معرفة فعاليته من جهة و ارتفاع سعره من جهة أخرى. و في سؤالنا بخصوص إمكانية علاج مرض السكري بخلطة الأعشاب الطبيعية، في ظل انتشار بعض من يدعون ذلك في بلديات ولاية الجلفة، أجاب الدكتور عزي بأن علاج الداء السكري غير ممكن لأن الجسم في حالة الداء السكري لا يمكنه الاستفادة من الأنسولين أو لا يفرز الأنسولين بسبب تكسر خلايا "لانغرهانس" في البنكرياس و هو أمر لا يتم علاجه الا بزراعة هذه الخلايا مجدّداً وهذا مستحيل في أيامنا. أما فيما يتعلق بادعاء راق من جنوب ولاية الجلفة بقدرته على علاج بعض حالات السرطان، فقد أشار ذات المتحدث إلى أن الأبحاث ما تزال متواصلة للمساهمة في تطوير علاجات جديدة لمقاومة الأورام السرطانية، و الفرضية القائمة حاليا للعلاج تتم عن طريق إعاقة الخلايا السرطانية والتحكم في نمو الورم وانتشاره .و في ذات السياق صرح الدكتور عزي قائلا "أتحدى كل من يدعي العلاج بالأعشاب الطبيعية في علاج الأمراض المزمنة و أن يقابلني بحجة يتقبلها إنسان عاقل" مضيفا "لابد من حل لهذه المشكلة بالتوعية الدائمة وبالأسلوب المبسط للمواطنين، وخطورة العلاج بالأعشاب دون سؤال الطبيب". مفتي الولاية الشيخ الأمين قويسم " يجب العلاج بالأعشاب عند جهات مجازة و مرخّصة لأن أرواح الناس سنحاسب عليها" وفي إتصال هاتفي مع الشيخ الأمين قويسم مفتي الولاية سألناه حول حكم العلاج بالأعشاب الطبية و الرقية الشرعية، فكان ردّه "يجب أن يكون العلاج بالأعشاب الطبية على أسس علمية وعلى أن يكون المعالج حاصلا على إجازة وترخيصا، ولا يجوز البتة استعمال تلك الأعشاب من قبل المرضى باعتبار أنها غير مأمونة الجانب، خاصة إن لم يتم إعدادها من قبل متخصصين في هذا المجال، وطب الأعشاب علم قائم بذاته له معادلاته وتركيباته النسبية الدقيقة، وأي إخلال بتلك النسب يؤثر تأثيرا سلبيا على خواص تلك الأعشاب، وقد يعرض ذلك حياة المرضى للخطر الشديد ، وأحيانا قد يؤدي للوفاة ، ويستثنى من ذلك المعالِج الذي يملك إجازة رسمية علمية في مزاولة وممارسة طب الأعشاب من جهات مجازة ومرخصة و مشهودا لها بالكفاءة و الصدق لأن أرواح الناس سنحاسب عليها، مضيفا أن للرقية شروطا ومواصفات ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم يجب الالتزام بها. الأستاذ عزوز محمد: " الناس يلجؤون الى الطب التقليدي كبديل في حالة اليأس و الطب الحديث هو الأساس" بما أن ظاهرة التداوي بالأعشاب الطبيعية ظاهرة اجتماعية، كان لابد من الاقتراب من المجتمع وأهل العلم فيه فالتقينا بالأخصائي في علم الاجتماع السيد "عزوز محمد" أستاذ جامعي وباحث في تغير المجتمع، حيث يرى هذا الأخير أن المجتمع الجزائري يؤمن بقوّة بالطب البديل ولا شك في ذلك بدليل لجوء كل طبقات المجتمع بما فيها الطبقة المثقفة إلى الطب البديل. و أضاف ذات المتحدث أنه عند ظهور قناة الحكمة و الحقيقة و غيرها رأينا تهافتا منقطع النظير على المنتجات من الأعشاب الطبيعية و اللجوء إلى الرقية من بعض الدجالين. كما صرنا نرى لجوء حتى النخب المثقفة في المجتمع إلى"الطب البديل" فكم من طبيبة رأيناها تعالج عند "عشاب" مع أنها لا تنصح مرضاها بذلك لأن ذلك يدخل ضمن أخلاقيات مهنة الطب التي تمنع ذلك. ويرى الأستاذ "عزوز محمد" أنه يجب استعمال تسمية "الطب التقليدي" مكان "الطب البديل" لأن الأصل في منشأ الطب و التداوي هو الأعشاب والعلاج الذي نستعمله اليوم تحت مسمى الطب البديل. ونحن نرى اليوم بأن الحجامة التي هي من الطب النبوي و هي من الطب البديل، قد اعترفت بها المجتمعات الغربية و لم تعد ترى فيها طابو أو طريقة غريبة للتداوي بل أسست لها معاهد دولية في الصين و اليمن والسعودية و حتى أنها تدرس في الجامعات الأردنية و الأمريكية، ما دام أنه قد ثبتت فعاليتها. و يضيف ذات المتحدث أنه الإيمان بإمكانية العلاج بالطب التقليدي يجب أن يكون في حدود المعقول و بعيدا عن الجهل و الشعوذة والدجل. فكم من مرض لا يعرف له دواء إلا بالأعشاب الطبية أو الطب الشعبي التقليدي - فهل استطاع أطباء اليوم اكتشاف دواء لالتهاب المفاصل أو ما يعرف بالروماتيزم؟ عبر مضادات الالتهاب السيرودية التي تعرف بالكورتيزونات و التي لها أعراض جانبية خطيرة، في بالمقابل نجد أن الطب البديل قد توصّل الى العلاج بالرمل الساخن و الحمامات المعدنية او ما نعرفه ب "الطلاسوتيرابي" كمركز سيدي فرج للتداوي بمياه البحر الساخنة أو العلاج بالإبر الصينية. و هي كلها طرق تقليدية حافظت عليها المجتمعات بل و انتقلت إلى مجتمعات أخرى مثل العلاج بالإبر الصينية، أو العلاج في الحمامات المعدنية أو بالرمل الساخن الذي مازال متوارثا بولاية الجلفة. و لاحظ الأستاذ "عزوز" أن الأعشاب الطبية قد أصبحت موضة فمثلا ظهرت موضة "الحبة السوداء" و أصبح الجميع يصفها لعلاج أي مرض، فما لبث أن ظهرت بعد ذلك موضة "الزنجبيل" كعلاج كان منسيّا وأصبح اليوم فعالا لكل الأمراض و موجودا في كل المقاهي. والآن، يضيف ذات المختص، نحن أمام موضة "الحجامة" و "الفطر الهندي" أو ما يسمى ب "الكيفر" فكل بيوت الجلفة لا تخلو من هاته الأعشاب. و في الأخير يشير الأستاذ " عزوز محمد" لابد أن نقتنع أن ما أنزل الله داء إلا وأنزل معه دواء، تتعدد أسباب الشفاء من شرطة محجم الى شربة عسل الى كية نار الى شرب لبن او زنجبيل الى غيرها من الأسباب، غير أنه يجب توعية الجميع اجتماعيا وثقافيا أن الدواء لا يصلح للجميع دون تشخيص جيد فما هو نافع لشخص ما قد يكون ضارا أو قاتلا لآخر بسبب التقليد، على حد تعبير ذات المتحدث الذي لفت الانتباه أيضا الى أن بعض المعالجين يعرفون بعض المصطلحات الطبية من الأنترنيت ويدعون علاج المستحيل ويستغلون الناس مادياً.