الأرض أجدبت وجفّت مياه الغدير ، ماتت الأعشاب، و انتحرت شجيرات الشيح، كلحت المراعي، حزن الشيخ الرّاعي ذلك البدوي الفقير ، كم يعذّبه و هو يرى شويهاته الهزيلة تلملم أطراف الوادي متمدّدة تجتر ُّ بقايا الحلفاء اليابسة حالمة بأكوام التبن و الشعير، فيعود كل مساء ليرمي بهيكله المتعب إزاء خيمته البالية، يرقب الأنواء و القمم العالية، علَّه يرى سحابة كخيمته في السَّواد تتهادى و تنساب قطراتها وتسري في كلِّ الأرجاء، تروي الثرى وتملأ المصبّات ماء غدير ، تبلّلُ بقايا عشب يشكو لفحة الهجير ، وخلسة لفَّ السّواد كلَّ الفضاء في شغف، أبرقت السَّماء و سبَّح الرّعد بحمد ربه، الشيخ يبتهج لزخّات المطر و يهرع للشياه قبل أن تتحول القطرات إلى شلال، يسوقها و يهشُّ عليها بالعصا يدخلها على غير عادتها في لمح البصر، ينقذها من المطر، لكن لم يكن في مقدوره إنقاذ وحيده من الصَّاعقة التي لا تلبث أن تسقط من السَّماء صحبة رعد شديد بعدما سئمت الاعتناق خلف مزنة بريئة ناقمة من طفل لا ذنب له، فأصابت مبتغاها حين صدمته و هو محتم بشجيرة السِّدرة المجاورة و ببراءة يُشاطر الأرض عرسها بالمطر فدسَّته بركام رمادها ! وبعد الفاجعة حبس المطر و لكنّ دموع الفقير ظلت منهمرة و هو يخرج مصابه بمفرده جثة هامدة بل أشلاء تشمئزُّ لها النفوس و هو يلملمها بحسرة و أسى متمنّيا من خالقه لو أجَّل الغيث إلى حين ... !! (*) قاص وروائي جزائري- وسارة