الدكتور بولرباح عسالي أثناء محاضرته الإفتتاحية أسفر الملتقى الوطني الأول حول دور الجامعة الجزائرية في الاستجابة لمتطلبات سوق الشغل المقام منتصف هذا الشهر بكلية العلوم الاقتصادية و العلوم التجارية وعلوم التسيير بجامعة الجلفة التوصيات الهامّة التالية: 1- تحفيز الطلبة على مسايرة التطورات الحاصلة في المجتمع من خلال الانفتاح على عالم اللغات والإعلام الآلي ومختلف تقنيات الاتصال " تفعيل الجانب التدريبي العملي الذي يحتاجه عالم الشغل. 2- إعادة بعث دينامكية جديدة تهتم بالتطوير المستمر لمقررات المناهج التدريسية من حيث " التخصصات، تحسين البرامج، تكوين المكونين، الإدارة الرشيدة، اللغات ..."وذلك بما يخدم سوق العمل المحلي. 3- ضرورة تفعيل مراكز ومخابر البحث الجامعية وذلك من اجل ترقية أنشطتها بما يخدم احتياجات سوق العمل، والبحث عن صيغ التعاون الممكنة مع جميع الفاعلين في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي. 4- التأكيد على المضي في الإصلاحات وخاصة نظام ل.م.د وضرورة توفير متطلبات نجاحه. 5- تعميم عملية عقد الاتفاقيات الثنائية بين الجامعة وسوق العمل لتدريب الطلاب. 6- ضرورة إنشاء جمعيات قدماء الطلبة في كل جامعة لضمان التواصل وتبادل الخبرات . 7- ضرورة الاهتمام بعنصر الجودة إن على مستوى الأستاذ أو على مستوى الطالب و هذا من اجل خلق تنافسية فعالة على المستوى الوطني والعالمي . 8- ضرورة إنشاء قاعدة بيانات تكون بمثابة المرجع للطالب في عالم الشغل ومواصلة الدراسة والتكوين. 9- ضرورة الاستفادة من التجارب العالمية والعربية فيما يخص ربط مخرجات الجامعة بقطاع العمل المحلي. 10- ضرورة الاهتمام بالأستاذ الجامعي ماديا ومعنويا، ذلك لأنه لا يمكن إن تكون هناك جودة في مخرجات الجامعة ما لم يتم التكفل بهذه الفئة. و نزولا عند رغبة قراء موقع "الجلفة إنفو"، نضع بين أيدي الجميع المحاضرة الافتتاحية التي ألقاها الدكتور بولرباح عسالي رئيس الملتقى و التي يمكن تحميلها أسفل المقال... و فيما يلي ملخص عن المحاضرة القيّمة: تناولت المحاضرة شقين هامين؛ أولهما: هوية الجامعة، وثانيهما جامعة الهوية...حيث تناول الدكتور عسالي في الأول الإطار المفاهيمي على أن اعتبار الهوية أحد أهم الثوابت الصلبة للأمة، لا يمنعها من الحركة الدائبة ضمن دائرة الثبات، بغرض التجديد والتفعيل والتفاعل مع الواقع المتغير. ثم الهوية أشبه ما تكون بجهاز المناعة في الجسم الذي يحول دون فتك الأوبئة به؛ وكأن فقدان الهوية هو بمثابة "الإيدز" للوجود الإنساني، فالهويات القوية والفاعلة تاريخيا يكون اقترابها من الآخر أقل حرجا وخوفًا، على خلاف الهويات الضعيفة والغائبة حضاريًا، التي تفضّل الالتصاق بنفسها بينما يشتد شعورها بالخوف، بل إنّ هناك حالة من التنافي الحاصلة داخل الذات نفسها، وهو ما وصفه البعض ب "سرطان الهوية" حينما تحاول الخلايا الورمة السيطرة على الخلايا الحية العفية لتحوّلها إلى خلايا سرطانية فتاكة هي الأخرى . ثم انتقل المحاضر للحديث عن بعض مشاهد الهوية الحالية : الطالب "مشروع بطال"، الأستاذ "مشروع مهاجر"، بين "الحرم الجامعي" و "القصعة الجامعية"، واقع "الكتاب الجامعي"، العلاقة: أستاذ – طالب، الانفصام بين مجالات الاهتمام ونتائج البحث، وكان كل مشهد مدعم بأمثلة من واقع الجامعة المعاش. وتطرق المتدخل بعد ذلك إلى عناصر تشابك مشاهد تلك الهوية، مثل تأثير المرحلة قبل الجامعية، رغم أنّ ما يسمى "إنضاج الهوية" لا يكون إلاّ في المرحلة الأخيرة، إما بالإيجاب على اعتبار الدور التراكمي للجامعة في ترسيخ الهوية، وإما بالسلب حينما تصدر عنها ممارسات عفوية كانت أو مقصودة بما يصادم الهوية، أو قد يكون التأثير بالسكوت والقعود عن القيام بالدور والتواطؤ إزاء ما يحدث خارج أسوار الجامعة بل داخلها. وعرج الدكتور على عنصر آخر عنونه بأغلوطة ”اللحاق بالركب“، حيث اعتبر أن المشكلة تكمن لدينا في جودة المعايير لا في تطبيق معايير الجودة، وكأن المناهج والطرائق المستوردة تفقد فاعليتها في الطريق بمجرد انفصالها عن بيئتها الاجتماعية، مثلما تفقد أي شتيلة بريقها حينما تنقل إلى أرض لا تلائم مقومات نجاحها, وتساءل بعد ذلك هل معنى ذلك أن ندين كل اقتباس؟ ليجيب نقلا عن بن نبي حين يفرق بين "الصحة" و"الصلاحية" و"الفعالية”. وفي الشق الثاني تطرق المتدخل إلى جامعة الهوية المبتغاة؛ فتطرق إلى شبكة العلاقات الجامعية، حينما تتآزر عوالم الأشخاص والأفكار والأشياء مشكّلة عملا مشتركًا منسجمًا ضمن عالم رابع ضروري ندعوه – على وجه الاقتداء – بشبكة العلاقات الجامعية، بحيث يقاس غنى أي جامعة بما تملكه من أشياء، ولكن بمقدار ما فيها من أفكار. حينما يرتخي نسيج خيوط تلك الشبكة (وهن بيت العنكبوت) تنصرف الجامعة إلى أدوار أخرى (الجامعة السوق، الجامعة القصعة، ...). وفي سياق آخر طرح فكرة مفادها أن التغيير من الداخل (إعادة إختراع الجامعة)، على غرار أفكار كل من Ted Gaebler و David Osborne التي يقوم عليها إعادة اختراع الحكومة، يمكن اقتراح جملة معالم تحدد إعادة اختراع الجامعة: - الانتقال من مرحلة التجديف (تقديم الخدمة) إلى مرحلة القيادة (توجيه الدفة)، من قيامها بمهمة التعليم فقط إلى اضطلاعها بالدور الريادي للمجتمع؛ - الانتقال من مرحلة خدمة العملاء (الطلبة) إلى مرحلة تمكينهم؛ ابتداء من اختيار المعارف والمهارات التي تتناسب ومواهبهم ورغباتهم، ووصولا إلى مشاركتهم في كل ما يهمهم من قرارات تخططا وتنفيذا؛ - القيادة بالأهداف بدل القيادة من خلال القوانين واللوائح، والمرونة في الاستجابة لمتطلبات البيئة المحيطة، والتركيز على رضاء العملاء، مما يجنب الجامعة مخاطر فقدان الدور ويعرضها لأزمة الانكماش؛ - التركيز على مخرجات النظام الجامعي بدل التركيز على مدخلاته؛ - التركيز على الجانب الوقائي بدلا من العلاجي في التكوين الجامعي، حيث لا يمكن تدارك العيوب في جانب مهم من مخرجاتها بعد تشكّل المعارف والقيم، نظرا لندرة الموارد البشرية والمادية المتاحة للجامعة. ويتعلق الأمر بالأداء الصحيح ومنذ المرة الأولى؛ - الانتقال من النسق البيروقراطي في العمل إلى نسق المشاركة وفرق العمل، المناخ الطبيعي والخصب للعمل الأكاديمي والعلمي؛ - التغيير من خلال التركيز على سوق العمل، حيث تظهر طبيعة الطلب المجتمعي على مخرجات الجامعة ونوع العروض المتاحة منها؛ - إطلاق ممارسات الشفافية في اتخاذ القرارات واعتبارها قرينة للنزاهة، وتفعيل آلية المسائلة لضمان تطبيقهما، وهو ما يتسق وجوهر الممارسات الأكاديمية الرصينة. ولضمان أداء الجامعة لدورها الحضاري، ركّز المحاضر على ضرورة وجود حرية أكاديمية، هاته الأخيرة التي عرّفتها دائرة المعارف العالمية للعلوم الاجتماعية بأنها: « السعي لتوفير المناخ لكل من: * الأساتذة: للكتابة والحديث عن الحقيقة كما يرونها بلا قيود، وبخاصة يد إنهاء الخدمة أو الوظيفة من قبل الإدارة العليا في الجامعة، أو من قبل السلطة السياسية في البلاد، بالإضافة إلى حق الأستاذ في توفير الحماية له من الضغوط في داخل الجامعة أو خارجها حينما يمارس حقه في الإفصاح عن الآراء والحقائق التي يتوصل إليها في بحثه. *الجامعة: من أجل ممارسة دورها بشكل من أشكال الاستقلالية في وضع وتحديد ممارسة السياسات الخاصة بها من دون تدخل أو كبح من قبل أي مؤسسة أو وكالة خارجية”. واختتم المحاضرة باستشراف بعض المعالم لجامعة الهوية المبتغاة؛ حيث عبّر عن ذلك بالقول: إننا نتوق إلى جامعات تؤسس لمشروعات حضارية كبرى، مثلما فعلت ”جامعة باريس“ خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، حينما استشرفت المفاهيم الأولى لمشروع الوحدة الأوربية، ومثلما فعلت وتفعل ”الجامعة العبرية“ في القدس، التي سبق إنشاؤها الدولة الإسرائيلية بأكثر من عشرين سنة، بينما توارت جامعاتنا الإسلامية التي لعبت دورا حضاريا متميزا في فترات سابقة كالأزهر والقيروان. وذيل موضوعه بمقطع من الخطاب الذي ألقاه Magnes أول رئيس للجامعة العبرية في كلمته الافتتاحية التي ألقاها بمناسبة افتتاح الجامعة، حيث قال: «... إنّ هدف الجامعة أن تحلل التطور الاجتماعي للقرن الماضي وليس خلق أو تدعيم التشابه مع الشعوب، هدفنا استيعاب الكنوز المعنوية للعالم في دائرة القيم اليهودية، نحن نريد بمساعدة البحث العلمي أن ننظر إلى الإنسانية عبر عيوننا ومدركاتنا، دون أن نقيّد أنفسنا بحضارة تبدو وكأن قد حُكم عليها بالفناء بسبب ارتباطها بقيمها ومنجزاتها المادية...» لتحميل المحاضرة الإفتتاحية للدكتور بولرباح عسالي - من هنا