خرجت مظاهرة جديدة في جرادة المغربية، بالتزامن مع تنظيم الحكومة اجتماعا تفاوضيا مع قادة حراك المدينة الواقعة بشمال شرق المملكة، ورفع المحتجون لافتات تشكك في وعود السلطات وتصر على المطالب التنموية. واحتشد ما بين 4 و5 الاف متظاهر، مساء السبت، في الساحة المحاذية لبلدية الإقليم ونددوا بتماطل الحكومة في تنفيذ وعودها، وشارك في المسيرة نساء وأطفال ومواطنين من مختلف الشرائح العمرية. وشارك في الاحتجاج المنظم بالتزامن مع جلسة حوار قادها ممثل عن الحكومة مع قادة حراك المدينة، متظاهرون جاؤوا من مناطق مجاورة، ورفعوا شعارات بارزة مشككة في نية السلطات الرسمية وقالوا “الحوار كله مغشوش”. وهتف المتظاهرون “نريد وفدا رسميا” ملوحين بأعلام المغرب في ساحة جرادة المركزية. وقال مصطفى وهو شاب يبلغ السابعة والعشرين من العمر “الشعب يريد بديلا اقتصاديا”. والجمعة احتشد أيضا جمع من المتظاهرين في ساحة جرادة المركزية في الوقت الذي كان فيه وزير الفلاحة المغربي عزيز أخنوش يجتمع في المدينة بالمسؤولين المحليين وآخرين نقابيين وبوفد من المتظاهرين الشباب. وأكدت مصادر إعلامية، أن الوزير عرض مشاريع وآفاقا واعدة كحصيلة للمشاريع الفلاحية الحالية في المنطقة، لكن ذلك لم يقنع المحتجين الذين عبروا عن عدم رضاهم عن المحادثات. وقبل الاجتماع مع الوزير قال أحد الناشطين الشباب يدعى عزيز إنه “لم تتم الاستجابة لمطالب الحراك والدولة لم تقدّم حلا، لم يكن هناك تحرك ملموس”، والجمعة أغلقت جميع المتاجر والمصارف والمقاهي أبوابها في يوم إضراب عام. وكان المتظاهرون قد احتشدوا بعد بالساحة المركزية بجرادة حاملين أعلام المغرب ولافتات، وكانت أعدادهم اقل بقليل مقارنة بالأيام الأولى للاحتجاجات لكن صفوفهم كانت متراصة. وقال محمد وهو ثلاثيني عاطل عن العمل “اليوم مر 27 يوما منذ المأساة، لسنا راضين، لم يتم اتخاذ أي إجراء”. وكانت المدينة شهدت تظاهرات إثر وفاة شقيقين في حادث نهاية ديسمبر 2017 عندما كانا يحاولان استخراج الفحم من منجم مهجور. وتابع محمد “كما أننا منذ العام 1998 ننتظر تطوير المنطقة. سكان جرادة لا خيار أمامهم سوى العمل في مناجم سرية مخاطرين بحياتهم”. وكانت السلطات المغربية قد أعلنت عن خطة طارئة للاستجابة لمطالب سكان جرادة، المدينة المنجمية سابقا والتي كانت شهدت احتجاجات اجتماعية نهاية 2017. وكان تم إرسال وفد وزاري للمدينة بداية جانفي 2018 لتهدئة التوتر لكن دون التوصل إلى إقناع المحتجين الذين واصلوا المطالبة ب«مشاريع تنمية ملموسة” ونظموا عددا من المسيرات، وهددوا بمسيرة مليونية اتجاه العاصمة الرباط. جرادة .. مدينة الفقر و الغضب جرادة مدينة مغربية اشتهرت بمناجم الفحم الحجري، ويبلغ عدد سكانها نحو 43 ألفا نسمة، وعند إيقاف العمل بالمناجم انهار اقتصادها فحاولت الحكومة إيجاد بدائل، لكن السكان يؤكدون استمرار الأزمة، مما تسبب في اندلاع احتجاجات عارمة منذ بداية 2018. تقع مدينة جرادة شرق المغرب بالقرب من الحدود مع الجزائر، وتبعد عن محافظة وجدة -التي توصف بعاصمة الشرق- بنحو ستين كيلومترا. قبل اكتشاف الفحم الحجري، اعتمدت القبائل القاطنة بمنطقة جرادة على النشاط الرعوي،دون الفلاحي بسبب عدم انتظام سقوط الأمطار. وفي 1927، اكتشف المحتل الفرنسي الفحم الحجري بها، وهو من نوع “الأنتراسيت” ويعد من أجود أنواع الفحم الحجري في العالم. ومع مرور الأعوام، بدأت طبقة اليد العاملة تتسع، وكبرت المدينة، حيث شكلت مناجم جرادة فرصة للعمل بالنسبة لعشرات آلاف العمال من مختلف مناطق المغرب. لكن كل شيء تغير مع قرار الحكومة المغربية إغلاق تلك المناجم عام 2001، بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج، وتعهدت بتوفير بدائل اقتصادية لسكان المدينة، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، علما بأن المناجم كانت العمود الفقري لاقتصاد المدينة، ومع انهياره انهار كل شيء. مطالب بفك العزلة وتوفير بدائل اقتصادية بسبب ذلك تعاني جرادة من نسبة بطالة مرتفعة، وذلك ما دفع الشباب للخروج منها بحثا عن العمل داخل المغرب وخارجه، ومن اضطر للبقاء لم يجد ما يقتاته. كما لجأ بعض الشباب أيضا للبحث عن الفحم الحجري بطرق غير نظامية، عبر حفر آبار تقليدية في ضواحي المدينة، يطلق عليها محليا اسم “الساندريات”، وهي التي تسببت في اندلاع الاحتجاجات التي تشهدها جرادة حاليا. فالعمل “بالساندريات” كان دوما محفوفا بالمخاطر، إذ إن الشباب العاطل المنحدر من عائلات تعاني من فقر مدقع يلجأون لحفر آبار بطرق بدائية، يتراوح عمقها بين خمسين وثمانين مترا، ثم عند الوصول لطبقة الفحم يبدأون الحفر بشكل عرضي متتبعين خطوط الفحم، وهو ما يتطلب منهم محاولة “تثبيت” طبقات الأرض المحفورة بجذوع الأشجار التي يقطعونها من الغابة المجاورة، أما الإضاءة فيلجأون للشموع التي تحرق ما تبقى من أوكسجين داخل أعماق الأرض المظلمة. وبسبب كل ذلك، لقي عاملون “بالساندريات” مصرعهم في حوادث مؤلمة على مدى سنوات طويلة، بينها انهيار طبقات الأرض عليهم، أو تفجر المياه الجوفية، بالإضافة إلى الأمراض التنفسية العديدة التي سببها استنشاق الغازات السامة بباطن الأرض، وغبار الفحم الحجري، ما يجعل نسبة من ينجح في الوصول لسن التقاعد وهو على قيد الحياة من العاملين بانتظام في المناجم قليلة جدا، ولهذا السبب يصف السكان جرادة بأنها “مدينة الأيتام والأرامل”. وفي 22 ديسمبر 2017، اندلعت احتجاجات كبيرة بالمدينة إثر وفاة أخوين غرقا داخل إحدى “الساندريات”، وظلا داخلها ساعات طويلة قبل أن ينجح رفاقهما في انتشال جثتيهما. وتستمر الاحتجاجات منذ ذلك الحين، حيث قدم المحتجون عدة مطالب؛ بينها ضمان بدائل اقتصادية لتشغيل الشباب، وتنفيذ ما تعهدت به الدولة عقب إغلاق المناجم عام 2001، إلى جانب فك العزلة عن المدينة عبر فتح طرق، ومراجعة فواتير الماء والكهرباء، وإنشاء مدارس وملحقة جامعية، ودعم الفلاحين الصغار بالمحافظة، وتعزيز البنية التحتية، وتحسين المرافق الخدمية.