في السادس نوفمبر 1975 الذي عادت ذكراه الخامسة والثلاثون قبل أيام أعطى الملك المغربي الراحل «الحسن الثاني» إشارة انطلاق ما يسمى ب «المسيرة الحضراء» قصد الاستيلاء على الاقليم الصحراوي وإجبار اسبانيا على الانسحاب منه لضمه عنوة، رغم أن الاقليم وشعبه كان حرا قبل أن يقع تحت وطأة الاحتلال الأوروربي ككل بلاء المغرب العربي وافريقيا. شارك في هذه المسيرة التي اعتبرها العرش المغربي خطوة لاستعادة سلطته على ما كان ولايزال يصفه بأرضه المغتصبة، ثلاثمائة وخمسون ألفا من المغاربة، بالاضافة إلى مشاركة سفراء كل من المملكة العربية السعودية والأردن وقطر والإمارات العربية وعمان والغابون ووفد من السنغال والأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي. لقد سارع الملك المغربي إلى حشد مسيرة الاحتلال هذه لاجهاض المفاوضات التي كانت قد انطلقت قبل شهر أي في أكتوبر 1975 بين المحتل الاسباني وجبهة البوليزاريو ليتنازل الأول عن الأرض والسلطة للشعب الصحراوي. وطبعا وجد العرش ما يبرر به هذه المسيرة وذلك انطلاقا من قراءته الخاطئة لقرار محكمة العدل الدولية، فالمحكمة التي بثت في هذه القضية التي أحالها إليها المغرب ليثبت احقيته في الاقليم، أقرت بوجود روابط تاريخية وقانونية تشهد بولاءعدد من القبائل الصحراوية لسلطات المغرب، لكن هذه الروابط كما أضافت المحكمة لا تدل على السيادة الاقليمية بين الصحراء الغربية وبين المغرب وموريتانيا التي كانت ترغب هي الأخرى في الحصول على قطعة من الكعكعة الصحراوية. إذن المغرب قرأ من قرار المحكمة الجزء الذي يرغبه ويخدمه وهو «وجود روابط تاريخية تشهد بولاء عدد من القبائل الصحراوية لسلطان المغرب». وتجاهل تماما الجزء الذي ينفي قطعيا سيادته على الاقليم، كما تجاهل ما انتهى إليه القرار الذي نص على أن السكان الاصليين أي الصحراويين هم مالكو الأرض وبالتالي فإنهم يتمتعون بحق تقرير المصير والخيار بين ضم الاقليم إلى اسبانيا أو إلى المغرب أو إلى موريتانيا أو تقسيمه فيما بينهم أو حصوله على الاستقلال التام. هكذا وفي غضون ساعات من صدور حكم محكمة العدل الدولية، حرك العرش المغربي مسيرة الاحتلال لضم الصحراء إلى الوطن الأم كما قال وقد استنكر العالم هذه الخطوة التي ترهن مستقبل شعب إلى الآن، وأول المستنكرين إسبانيا نفسها التي كانت لازالت تحتل الاقليم وكانت تستعد لتنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي خلال الستة أشهر الأولى من سنة 1975 وأجرت لذلك إحصاء لسكان الاقليم في عام 1974 وهو الاحصاء الذي أصبح مرجعية في الثمانينات والتسعينات بالنسبة للأمم المتحدة. وسارع الاحتلال الاسباني يطالب مجلس الأمن الدولي بالانعقاد ويشكك في سلمية المسيرة ويعتبرها زحفا عسكريا مسلحا، لكن بعد أن توغلت الحشود المحتلة لمسافة 15 كلم في عمق الصحراء الغربية تغير موقف اسبانيا جذريا. لقد تملكت اسبانيا المخاوف من أن يؤدي تصادمها مع المغرب إلى نشوب حرب ستكون وبالا عليها، خاصة وأن حكومة مدريد كانت تعيش آنذاك حالة من الفوضى حيث كان الحكم «فرانكو» يحتضر ولم يكن ذلك الوضع يسمح لها بإثارة أية مشكلات داخل مستعمراتها، كما خشيت أن يحصل لها ما حصل للبرتغال فقبل عام واحد تمت الإطاحة بالحكومة البرتغالية بعد تورطها في حروب استعمارية في كل من انغولا وموزمبيق. كما أن اسبانيا التي كانت تحضر الأجواء لتتخلى عن الإقليم للشعب الصحراوي، خلصت بدهاء ومكر إلى أنها يجب أن تستغل الوضع لصالحها وتتخلص من هذا العبء لكن ليس بدون مقابل. لهذا دخلت في مفاوضات مباشرة مع المغرب ومع موريتانيا، التي كانت لها مطالب احتلالية هي الأخرى، وتم التوقيع على اتفاقية مدريد التي تعتبر بمثابة صفقة باعت من خلالها اسبانيا «حقوق الاحتلال» للمغرب وموريتانيا، والمقابل تمثل في استفادتها من 35٪ من مناجم الفوسفات في منطقة بوكراع وبقاء اسطول صيدها البحري في المياه الاقليمية الصحراوية وضمات قاعدتين عسكريتين لها قبالة جزر الكناري، وما بقي سرا هو التزام المغرب بعدم فتح ملف الاحتلال الاسباني لسبتة ومليلية وللعديد من الجزر التابعة للمملكة. صحيح أن المغرب استطاع أن يغتصب الشرعية الدولية ويقفز على قراراتها ليسير بشعبه جنوبا وينتهك حق شعب هجر بعضه واستعبد من تشبت بذرات رمل وطنه، لكن مالم يستطيع العرش تحقيقه رغم مرور ما يقارب أربعة عقود من الاحتلال هو طمس قضية الصحراء الغربية وإرغام شعبها على الاستسلام لمبادرة الحكم الذاتي المفصلة على مقاسه... ولا يمكن وصف التصعيد الهستيري الذي تشهده مخيمات الصحراويين والهجمة الدموية التي تطالهم إلا بتخبط الاحتلال كالذبيح الذي قربت نهايته، فهو عجز عن فرض مبادرته التي رفضها العالم أجمع كما أخفق في اسكات الصوت الصحراوي المدوي بصيحته الثانية «الحق في تقرير المصير والاستقلال». @ فضيلة دفوس