بدأت قضية الصحراء الغربية مع المغرب قبل استقلال الجزائر وتطورت بصورة خاصة عندما منحت فرنسا الاستقلال لدولة موريتانيا عام 1960 وطالب المغرب آنذاك بتبعية موريتانيا إليه، فضلا عن الصحراء الغربية التي طالبت بها موريتانيا أيضا.. ولكن الجنرال فرانكو في إسبانيا رفض الطرح المغربي، ورفض أيضا الطرح الموريتاني. وفي بداية الستينيات وقبل استقلال الجزائر، حاول المغرب أن يقايض الثوار الجزائريين مسألة الحدود المغربية مع الجزائر بالموقف من الصحراء الغربية، ولكن الثوار رفضوا ذلك رغم ما يدعيه المغرب من أن الثوار أعطوه وعودا بمراجعة الحدود وليس الصحراء فقط ! وحتى وإن حدث ذلك، كما يقول المغرب، فإنه لم يكن سوى تكتيكا من الثوار الذين دخلوا في مفاوضات عسيرة مع ديغول.. أساسها الوحدة الترابية للوطن.. وبذلك لا يريدون تعرية ظهورهم في هذه المفاوضات قبل الأوان. في سنة 1963 شن المغرب حربا على الجزائر انطلاقا من خلفية تعديل الحدود الموروثة عن الاستعمار.. وأن تندوف وبشار من الأراضي المغربي.. ولكن النتيجة كانت أن المغرب خسر العالم كله في هذه القضية واعترف على مضض بالحدود الموروثة عن الاستعمار. وشن المغرب حربه ضد الجزائر سنة 1963 ولم يشنها ضد موريتانيا لأن الإسبان في عهد فرانكو كانوا يفصلون بين المغرب وموريتانيا بواسطة الصحراء الغربية.. ولذلك أراد الملك الحسن الثاني البحث عن منقذ لموريتانيا عبر تندوف الجزائرية. في سنة 1969 اعترف المغرب رسميا بالحدود الجزائرية الموروثة عن الإستعمار.. وذلك في مؤتمر قمة عربي عقد في الدارالبيضاء وحضره الراحل بومدين.. وقيل فيه وقتها العبارة الشهيرة "سطرنا الحدود لمحو الحدود"! كدلالة على البداية الجدية لبناء المغرب العربي.. لكن المغرب ربط الموافقة على رسم الحدود من طرف برلمانه بموقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية.. والتي كانت الجزائر بشأنها يقترب موقفها من موقف الجنرال فرانكو، حاكم إسبانيا آنذاك.. وهو الذهاب إلى تقرير المصير للإقليم الصحراوي، وهو ما لم يعجب المغرب في الموقف الجزائري، وعندما مات الجنرال فرانكو في منتصف السبعينيات، رأى المغرب أن الوقت حان كي يأخذ الصحراء من عودة الملكية إلى إسبانيا.. فالعروش يمكن أن يتفقوا بشأن هذا الموضوع على حساب مبدأ تقرير المصير.. وفي هذه الأثناء أحيت موريتانيا مطالبها في الصحراء الغربية وقالت: إن الصحراء جزء لا يتجزأ من موريتانيا، وفهم المغرب أن الأمر يتعلق بتحريشة جزائرية لنظام ولد دادة الذي حكم موريتانيا آنذاك. فسعى المغرب إلى ما يسميه سحب البساط من تحت أرجل الجزائر بالاتفاق مع موريتانيا على اقتسام الصحراء مناصفة، وإبعاد ما يسميه بأطماع الجزائر في السباحة في مياه المحيط. ولكن الصحراويين رفعوا السلاح في وجه الإسبان يطالبون برحيل المستعمر وتقرير مصيرهم.. وقررت إسبانيا الإنسحاب.. فسير الملك الحسن الثاني ما يسميه بالمسيرة الخضراء لاحتلال الصحراء وفرض الأمر الواقع على الشعب الصحراوي وعلى الجيران وعلى إسبانيا أيضا وعلى المجتمع الدولي، رفضت الجزائر الأمر الواقع المغربي ووصفت ما حدث بأنه احتلال جديد لأراضي الغير. وفي سنة 1976 انسحبت موريتانيا من فكرة التقسيم وقالت إنها ليست لها مطالب ترابية في إقليم الصحراء الغربية. ومنذ ذلك التاريخ، انحصر الصراع بين المغاربة والصحراويين .. وطرحت بقوة فكرة تقرير المصير التي رفضها المغرب لأنه يدرك بأن الصحراويين ليسوا مغاربة .. وتقرير المصير لابد أن يؤدي إلى الاستقلال. ورفع الصحراويون قضيتهم في المحافل الدولية ومنها منظمة الوحدة الإفريقية، التي اعترفت بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره .. وقامت المغرب بقطع علاقاتها مع هذه المنظمة والإنسحاب منها، ثم أعلنت جبهة البوليساريو عن ميلاد الجمهورية العربية الصحراوية في الأراضي المحررة التي انسحبت موريتانيا من جزء منها. وعندما توفي الراحل هواري بومدين العام 1978 قال المغاربة إن قضية الصحراء ستجد الحل .. لأنهم كانوا يعتقدون أن القضية لها علاقة بموقف خاص من بومدين نحو الحسن الثاني، وأن القضية هي جزائرية-مغربية وليست صحراوية-مغربية. وفي سنة 1982 نجح الملك فهد رحمه الله في جمع الحسن الثاني والرئيس الشاذلي في منطقة "زوج بغال" على الحدود الجزائرية-المغربية ، ونجح فهد والحسن الثاني في إقناع الشاذلي بفصل ملف الصحراء الغربية عن العلاقات الثنائية .. وهو ما أدى فيما بعد إلى إعادة العلاقات وفتح الحدود، ثم الالتفاف المغربي على قضية الصحراء والإنفراد بها .. ولكن الصحراويين قاوموا بالاعتماد على قوى أخرى دولية وجهوية. وقام المغرب والجزائر بالدفع نحو تكوين اتحاد المغرب العربي إثر لقاء زرالدة الشهير وبعده لقاء مراكش .. والتوقيع على معاهدة اتحاد المغرب العربي. وفي بداية التسعينيات أصاب الجزائر ما أصابها من مشاكل داخلية، اقتصادية وأمنية وسياسية فتحت شهية المغرب إلى الالتفاف على قضية الصحراء وتصفيتها. وفي سنة 1993 تنكرت المغرب لفكرة فصل ملف العلاقات الجزائرية- المغربية عن ملف الصحراء، وقالت إن اتحاد المغرب العربي لا يمكن أن يشيد وتعمل مؤسساته إلا إذا قامت الجزائر بالضغط على البوليساريو للتخلي عن حقها في تقرير المصير. وتطبيقا لذلك، جمد المغرب المشاركة في مؤسسات الإتحاد المغاربي وفرض التأشيرة على الجزائريين ، وردت الجزائر بفرض التأشيرة وغلق الحدود .. ولم يتطور الأمر إلى سحب السفراء. وبعد مدة فهم المغاربة أنهم ارتكبوا خطأ كبيرا في استخدام ملف العلاقات الثنائية للضغط على الجزائر فعادوا إلى فكرة فصل الملفين عن بعضهما البعض ، لكن الجزائر قالت إن ذلك غير مجد ولا من حل مسألة الصحراء قبل الحديث عن علاقات ثنائية أو مغاربية جادة.. والتجربة بينت ذلك.. لكن المغاربة منذ ذلك الحين وهم يجرمون فعل الجزائر بغلق الحدود والواقع أن المغاربة هم الذين دفعوا إلى هذا الموقف. ولذلك يمارس المغاربة بمناسبة وبغير مناسبة الهجوم على الجزائر واتهامها بأنها تعطل بناء المغرب العربي وبأنها تعطل الحل في الصحراء من أجل ذلك. والواقع أن المغرب هو الذي يعطل فعل ذلك بتجميد مؤسسات الإتحاد المغاربي وفعل ذلك بالإنفاق على اتفاق بوسطن الخاص بالمفاوضات المباشرة مع البوليساريو وتطبيق تقرير المصير.. وبالاتفاق على قرارات منظمة الوحدة الإفريقية. واليوم، بتصريح الملك المغربي محمد السادس، يتضح أن المغرب يتجه نحو العودة بالملف إلى الثنائية الجزائرية - المغربية.. والحال أن الأمر يتعلق بثنائية مغربية - صحراوية ! فهل عودة المغرب بالملف الصحراوي إلى حدود 30 سنة يمكن أن يفيد المغرب في تجاوز ما هو فيه.. لا نعتقد ذلك.