تجاوزت بعض الصحف كل أخلاقيات المهنة من خلال تناولها للاحتجاجات على زيادة أسعار السكر والزيت بشكل تحريضي حيث بدأت تشحن الرأي العام من خلال عناوين وصور مثيرة للمشاعر في الصفحات الأولى محرضة على العصيان والتمرد. وما يزيد من غرابة بعض الصحف هو دعوتها في أعداد أمس إلى وقف أعمال التخريب وكأن كلمة واحدة كافية لإيقاف مشاغبين جهلة لا يعرفون القراءة و الكتابة. ويظهر أنهم قد تأثروا بالصور المعروضة والمنشورة لأن إقناع جموع بشرية هائجة بهذا العنفوان بالكلمة أمر يثير الضحك والتقزز في آن واحد. أعتقد بأنه كان على بعض المؤسسات الإعلامية مواصلة الحشد والتحريض بدلا من دعوتها للتهدئة لأنها ستقول في أعداد اليوم بأنها هي التي أوقفت الشغب والاحتجاج وغيرها من العبارات النرجسية التي تعكس مدى الأنانية والبحث عن البيع والربح التجاري مستغلة سذاجة القراء والتأثير السحري لوسائل الإعلام التي يجب أن تتحمل المسؤولية تجاه كل شيء تنشره بالنظر للحرية المطلقة التي باتت تعمل بها. نتحدث عن هذا الأمر دون نسيان توجيه اللوم لبعض القطاعات الوزارية وخاصة التجارة التي لم تتفاعل مع مئات المقالات والتحقيقات والروبورتاجات التي نشرتها وسائل الإعلام منذ التفتح الاقتصادي. وكانت هذه الكتابات منبهة للفوضى التجارية ونفوذ البارونات وممارسات مافيوية. لم تتوقف الكتابات الصحفية عن التحذير من عواقب استغلال القطاع التجاري لإثارة الفوضى والبلبلة. وما يزيد في التساؤل حول تسيير المجال التجاري بالجزائر وقضية الأسعار هو التحول 180 درجة في وقت سريع، فمن رفع الأسعار بنسب جهنمية قرر المتعاملون إرجاء رفع الأسعار بعد أن تكبدت الدولة خسائر بالملايير جراء تخريب الممتلكات ومقرات المؤسسات. الإشكالية المطروحة هل كان متعاملو الزيت والسكر سيرجئون خفض الأسعار لو لم تفرض عليهم الظروف والسلطات المعنية العودة إلى احترام دفتر الشروط وعدم الإقرار بأي زيادة انفراديا من اجل الربح فقط، الأكيد أن الإجابة ستكون بلا. وعليه فالمتعاملون يكونون قد أدانوا أنفسهم قبل إدانة المواطنين لهم ووضعهم في قفص الاتهام. ويمكن استغلال اعترافهم في متابعات قضائية صارمة تكون قدوة لكل من يعبث بالأسعار ويفرض منطق الاحتكار وعدم مراعاة الوضع العام للبلاد وما قد ينجر عنه من عواقب. وخلفت الاحتجاجات رأيا عما وطنيا منددا بالأعمال الاجرامية والمافوين التي قا بها أفراد استغلوا مراهقين لإثارة الشغب والتخريب . وتصدى العديد من المواطنين للأعمال التخريبية وقاوموا الشباب المشاغب الذي حول الاحتجاج إلى فرصة للصوصية والنهب. وتصدوا لهم مثلما حدث بحي الدوزي بباب الزوار عندما هموا بمهاجمة بعض المتاجر. ويعكس السلوك الإجرامي تفشي السلوك العدواني العنفي في المجتمع وهو ما يدعو للوقوف عند هذا الملف الذي يحاول خلافة الإرهاب وبث الرعب والهلع في المجتمع وإفساد كل محاولات تصحيح الاختلالات. وهي اختلالات يروج لها دعاة اللااستقرار المحرضون على العنف وإشعال فتيل الفتنة والتحامل على الجزائر التي دفعت أكثر من 25 مليار دولار خسائر مادية وأكثر من 200 ألف قتيل ومآسي لن نستطيع إخمادها بسهولة. ومهما كانت سلبية الأعمال التخريبية فستكون هامة مستقبلا للتعامل بجدية مع مختلف المسائل والقضايا والملفات مع تحديد رزنامة واحترامها لإرجاع الثقة.