وقد يكبر الإنسان عشرة أعوام في ظرف شهرين من الزمن أو أقل، لا لشيء، إلا لأنه أدرك فجأة أن هراء «أثر الفراشة» لم يعد ينطلي عليه، وأن ما كان يراه إنجازات عظيمة يحسد عليها ليس إلا أعمالا بسيطة وممارسات أكثر ما يمكن أن يقال عنها أنها «عادية»، آه كم تبدوهذه الكلمة جارحة ومحبطة! ينضج الإنسان حين يرى لا مجهريته مقابل التراكم المعرفي البشري الهائل ويصحو فجأة على وقع صفعة مدوية، مفادها أنه كبر لدرجة أن محاولاته لم تعد إنجازات إلا إذا كانت محاولات ناجحة مبدعة، وأن السن البيولوجي وانعدام الخبرة لم يعودا ذريعتين لتعظيم سفاسف قررغيره ذات يوم ودون وجه حق أن يدعوها إنجازات. حينها فقط، يجد المرء نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما الاستسلام والاكتفاء باتباع قطيع يعيش كل فرد من أفراده على الهامش، فقط ليبدو الجمع كتلة واحدة مهمة؛ متخليا عما اعتبر ذات يوم تفردا، بدعوى أن الاختلافات مهما كانت طاغية فإنها ستذوب وسيتوحّد أصحابها كلما اتسعت وارتفعت زاوية النظر إليها. وإما تحدي الواقع وخلق «ذرائع» جديدة تجعله متفردا بحق، لتشمله فئة متميزة من هذا القطيع البشري الضخم، فئة قائدة لا مقودة، فئة أعفت نفسها من الذوبان؛ بتفردها الحقيقي لا بما سماه الغير - لاعتبارات مؤقتة زائفة - تفردا. فما أعظمها من صفات ومن أعمال تلك التي تلفت الجموع الغفيرة إلى نجمة مضيئة واحدة - دون سواها - في سماء ليلة تعج بالأجرام والأنوار.