خبر قد يبدو غريبا عندما تطلع على أن أما وابنها يتبادلان اللكمات والشتائم، أو تقرأ في الصحف عن ابن يقتل أمه أو العكس. هي ظاهرة برغم محدوديتها إلا أنها موجودة، وكثير من السلوكيات التي تحدث داخل البيوت تخفى عن الآخرين أو كما يقولون «للبيوت أسرار». نعم هناك أم تكره ابنها، وهناك ابن يكره أمه، ولكن لابد من الخوض في هذه الظاهرة وتداعياتها التي يرجعها الطب النفسي إلى موقف أو حدث يظل حاجزا بين أقرب طرفين في الوجود في بادئ الأمر، ثم يتحول الأمر بتلاشي أي مساحة من الاحترام، ومنها يتراجع الحب بالرغم وجود تلك الغريزة الإلهية والمزروعة في وجدان الطرفين. والغريب أن مثل هذه الظاهرة تبرز بشكل كبير في أوساط المجتمعات الراقية أكثر من المناطق الشعبية، حيث يلعب المال والسلطة دورا مهما في كسر الحواجز وبروز المشكلات في أوساطهم نتيجة تدليلهم للطفل؛ مما يجعله ينشأ أنانيا؛ حيث يمنحوه كل شيء ويصبح بعدها لا يعرف إلا نفسه ولا يرضى أن يكون للآخرين أي شيء أو حتى بعضه، وبعدها يعجز الأبوان، خاصة الأم عن السيطرة على مطالبه أو تصرفاته، وبالضغط عليه تبدأ معركة يمكن أن يستعمل فيها كل شيء. «...أكره أمّي؟!» ''سامي''، شاب في الثلاثين من عمره، يشير أنه يكره والدته بالفعل ويقول: «منذ أن كان عمري 8 سنوات تصاعدت الخلافات بينها وبين والدي، فكانت كل يوم تطلب الطلاق ويرفض والدي ذلك من أجلي أنا وشقيقتي. كنت أفهم كل شيء، والدي حنون وأمي لا تهتم إلا بالجمعيات وبسيارتها الفارهة، فلم تسألنا يوما عن دروسنا. وكانت تكرهنا بسبب خلافاتها مع والدنا وارتباطنا الشديد به، وأذكر أن والدي جاء ذات ليلة وكنت وقتها في الثالثة عشرة من عمري، ونشب خلاف بينهما وسمعتها تقول له: «أولادك لو كنت تريدهم خذهم هم مصيبتي في الدنيا، لأنهم ربطوني بك أنا لا أريدهم». يضيف ''سامي'': خرج أبي غاضبا وركب سيارته ولم تمضِ ساعة إلا وجرس الهاتف يرن، بأن والدي تعرض لحادث ومات وفقدنا كل ما كنا نجده من حنان. ولم تمضِ أربعة أشهر حتى كان هناك رجل آخر في منزلنا فكرهت أمي؛ لأنها السبب في موت والدي ولأنها لا ترعانا، ولكننا والحمد للّه نجحنا، ورغم ذلك لم تفرح يوما بنجاحنا، فعندما تخرجنا في الجامعة لم تهتم ولم تحضر حفل التخرج لأيّ منا. وعندما بلغت الثانية والعشرين طلبت نصيبي ونصيب شقيقتي، فوجدتها تحاول إقناعنا بعدم الخوض في هذا الموضوع، لكنني رفضت وأسمعتها ما لم تسمعه من قبل. والآن نحن في خلاف دائم، كل يوم في مشكلة معها، تمدّ يدها أمدّ يدي، تشتم أشتم، رغم أنها أمي ولكنها لم تحزن على أبي ولم تحزن لحزننا، هي ليست أما، لأن الأم هي التي تربي». ابن عاق ''حواء''، امرأة في بداية الأربعين، وجدناها تقف أمام إحدى المحاكم للفصل في قضية رفعها ابنها ضدها يطالب بميراثه عن أبيه المتوفى. قالت: «حاولت أن أقومه بعد وفاة والده، ولكنه عنيد كان يتحدث عن حقوقه وهو في 16سنة وبطريقة غير لائقة، رغم أنه الولد الوحيد ولدي أيضا بنتان، ثم بدأ في الثامنة عشرة يتطاول ويشرب الخمر، وله أصدقاء يكبرونه في السن، نصحته فأسمعني ما كنت أخشى أن أسمعه وقال إنه يكرهني؛ لأن والده كان يعطيه كل شيء وأنا لا أعطيه أي شيء، وأول مرة ضربني لم أرد عليه، نظرت إليه طويلا وهو يشتمني ودخلت غرفتي، ولكنّه كرّرها في اليوم الثاني عندما طلب مبلغا ليس منطقيا، لم أسكت رددت عليه وبدأ في تكسير الأواني وكل ما يقع تحت يديه حتى تدخل الجيران». تستطرد ''حواء'': «ثروة والده كبيرة ولديه شركة أديرها أنا، حرّضوه ضدّي ليرفع قضية ولدي ما يثبت أنه غير مؤهل أو أمين على هذه الثروة، خاصة حقوق البنتين، كما أنه ولد وله جزء كبير من الميراث قد يبدده إن أعطيته حقه، وكل يوم يضربني ويطلب الآلاف مني وأرفض، وأخيرا ذهبت إلى الشرطة وطالبت بإجباره على التوقيع على عدم الاعتداء عليّ فوقع، وهو يهدّدني الآن بالمحكمة وأنا معي مستندات عن سوء سلوكه، وعليه قضيتان إحداهما إحراز مخدرات والأخرى التحرش بفتاة قاصر هو واثنان من أصدقائه وحصلت على وثائق أخرى خطيرة عن تصرفاته، ولن أعطيه شيئا حتى يصبح ابنا يحافظ على أختيه وثروتهما». غياب الأب يقول ''عبد العزيز ت''، أستاذ علم الاجتماع، «إنّ أغلب هذه الأحداث التي تنتج عنها كراهية بين الابن أو البنت وبين الأم تحدث في غياب الأب، إما بسبب السفر أو الطلاق أو لضعف شخصيته أمام زوجته، فإذا تزوّجت الأم مثلا من رجل غريب عن أبنائها وأعطته اهتماما أكثر من أولادها أو على حساب أولادها أو كانت تضربهم بسببه أو تعاملهم بشكل سيئ وتوافق على سلوكه، فهذا يمكن أن يخلق تباعدا في المشاعر بين الطرفين الأم والأبناء وقد يتطور، أو أن يكون سلوك الأم خاطئًا أو سمعتها غير جيدة ويدرك ذلك الأبناء من نظرات الناس بينما تكون هي غير عابئة بكلام الناس في ظل أب ضعيف أمامها لا يستطيع مواجهتها، أو أن تكون الأم قد أجبرت على الزواج من زوجها وهي لا تحبه وكانت وما زالت تحب غيره وبعد أن أنجبت أحست أن هؤلاء الأولاد ظهروا قبل التخلص من الزوج وأصبحوا حاجزا بينها وبين حبيبها، كلها عوامل يمكن أن تجعل هناك تباعدا أو كراهية بين الأم وأبنائها». التمييز في المعاملة ولكن ''هاجر''، قالت إنها فتحت عينيها على أمها ولم تحس تجاهها بأيّ مشاعر، فهي منذ الصغر تعاملها أسوأ معاملة، بينما تعامل شقيقتها بحنان وحب شديد. «حاولت بعد دخول المدرسة الابتدائية أن تمنعني من الذهاب للمدرسة؛ لأساعدها في المنزل رغم أنني كنت متفوّقة على أختي التي تكبرني بعام واحد، لكن تدخل والدي وسمحت لي بالاستمرار على مضض. وبعد المرحلة الأساسية أصرت أمي على إخراجي من المدرسة فتوسلت لوالدي بأنني متفوقة جدا، ولكنها نهرته فتراجع وتركها تفعل بي ما تشاء». تواصل ''هاجر'': «أصبحت خادمة المنزل، يأكل جميع من في البيت ألذّ الطعام وأنا آكل ما هو موجود في المنزل، تناديني باسمي وتقول لشقيقتي دائما يا بنتي، عرفت بعدها أن والدتي توفيت وأنا عمري 4 أشهر وتزوج والدي فورا من أجلي وتربيت في ظل هذه السيدة، ولكن بعد أن بلغت السابعة عشرة من عمري عرضت عليّ عريسا كانت قد رفضته لأختي التي تكبرني بعام واحد، فرفضت وحاولت أن أعرف لماذا رفضته لأختي ووافقت على زواجي منه بهذه السرعة، ولكنها لم تصدّق أن أقول لها لا، فضربتني ضربا مبرحا في ليلتها وعلم والدي وطيب خاطري وطلب مني الصبر. وفي اليوم التالي فتحت الموضوع معي، سألتها لماذا رفضتيه لابنتك وقبلتيه لي، ولم أصدّق وهي تهجم عليّ بكل قوتها، تملّكت كل قواي دفعتها وضربتها فجاءت شقيقتي وضربتني معها، وعرف والدي ولم يتحرك، فبدأنا معارك يومية حتى تقدمت يوما ببلاغ ضدي في قسم الشرطة اتهمتني فيه بسرقة مجوهراتها، ولكن المحكمة برّأتني غير أن زوجة أبي رفضت دخولي المنزل، وعندما تعبت من المقاومة أخبرت إحدى قريبات والدي من بعيد بمشكلاتي فأخذتني عندها، وبعد شهور تمت خطبتي من ابنها الطبيب ،ولكنني تزوجت وأنا كارهة لتلك المرأة وكارهة لوالدي». وتروي ''منى'' قصة أخرى عن علاقتها بأمها، فتقول: «كرهت والدتي وأنا في التاسعة من عمري؛ لأنها كانت تفرّق بيني وبين شقيقي بشكل بشع لا يمكن أن تتخيله، رغم أن أخي يكبرني بعامين، وكانت دائما تقول لي: «أنتِ شؤم، وعلمت أن والدي عندما علم بأنني بنت لحظة ميلادي لم يكن سعيداً وعاشت معه أمي عيشة ضنكا لمعايرته لها بأن أول خلفتها وبكرها بنت. وكذلك في نفس يوم ميلادي توفيت جدتي لأمي، وبعد ميلادي مباشرة تعرضت أمي لحمى خطيرة جعلتها تصاب برعشة تشبه الشلل في إحدى قدميها. وعندما أنجبت شقيقي جاء في ظروف سهلة وكان والدي سعيدا جدا به، ومن هنا بدأت عملية التفرقة بيننا». تواصل ''منى'': «أمي لم تتركني أهنأ بلحظة حتى تذكّرني بكل المصائب التي حدثت عند ميلادي، لم أحس منها بأيّ حنان في حياتي، وعندما كبر شقيقي الذي ظل محل ترفيه وتعظيم بدرجة كبيرة، فلت من أيديهم وأصبح عاقا لوالديه يشتمهما ويضرب والدته بقسوة أمام الناس والجيران. وعندما حاولت والدتي مرة أن تؤدّبه بضربه بالعصا على ظهره، ما كان منه إلا أن ردّ عليها بالضرب فضربها وألقى بها على الأرض بقوة».