أكتوبر: شهر الإعلام والوطنية بامتياز إنجازات تعزز حصانة الصحافيين وتدعم مكانتهم في مسيرة البناء والديمقراطية «كلما ارتقى شخص في علمه ارتفع شأنه وعظمت مكانته. ومكانة الصحفي أو الإعلامي في المجتمعات واضحة لا غبار عليها فهي تحكمها مجموعة القواعد والمبادئ القانونية المحددة في التشريع والتنظيم المعمول به، ومقتضيات الواقع بخصوصيته وصراعاته ورهاناته، وكذلك الجدل القائم بهذا الخصوص حول جدوى المكاسب والضمانات المحققة على حساب الحصانة ومبادئ الاحترام”...هذا ما قاله الدكتور إدريس عطية، أستاذ محاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تبسة في تصريح ل”الشعب” تطرق خلاله إلى عدّة مواضيع ، أهمها الإعلام في الجزائر بين الأمس واليوم، الأساسيات المهمة في العمل الصحفي، معرجا على أهمية 22 أكتوبر التاريخية في سجل تاريخ الصحافة الجزائرية الحافل بالبطولات والتضحيات الجسام. @ الشعب: ما هي المكاسب التي عززت حقوق الصحفيين في الجزائر في هذا اليوم التاريخي؟ أي نظرة تقييمية لكم؟ @@ الدكتور إدريس عطية: أرى أنه يجب العودة للتاريخ قليلا، لنتحدث عن إعلاميي الثورة ودورهم وجهودهم في نشر رسالة تقرير المصير، ولعل أهم حدث على الصعيد العربي في تلك الفترة، استرجاع السيادة الوطنية وتحرير الإذاعة والتلفزيون، بحيث لا ينكر جاحد ذلك. نحن جيل اليوم لا نزال نرى أن شهر أكتوبر هو شهر الإعلام والوطنية بامتياز ، خاصة بعد ترسيم 22 اكتوبر يوما وطنيا نحتفي به كل سنة، ناهيك عن أن قانون الإعلام الأخير رقم 12-05 الصادر في 12 جانفي 2012، وبمجموع أبوابه الإثني عشر، ومنطوق مواده 133، والذي تزامن مع حزمة الإصلاحات السياسية الأولى التي باشرتها بلادنا منذ ابريل 2011، كفل بدوره العديد من الضمانات لحرية الإعلام والإعلاميين، خاصة بعد إقراره للعديد من السلطات كسلطة السمعي البصري أو سلطة الصحافة المكتوبة، إضافة إلى تأطير الصحافة الالكترونية، وتحديد المسؤولية الملقاة على عاتق الإعلاميين ومؤسساتهم، وكذا ترسيخ حقوقهم، وإنزال التجريم الجماعي في حقهم وإلغاء بعض العقوبات عنهم. مع أنه تجدر الإشارة إلى أن الجزائر كانت منذ بداية الانفتاح والتعددية السياسية، قد شرعت موازاة مع ذلك للتعددية الإعلامية، بحيث أضحت اليوم الساحة الإعلامية تحتوي على أزيد من 120 صحيفة يومية وأكثر من 30 صحيفة أسبوعية، ناهيك عن القنوات الإعلامية الخاصة والعامة والمتخصصة، وتبقى الجزائر هي البلد العربي والإفريقي الوحيد الذي يموّن الإعلام الخاص ويدعمه بشكل مطلق... إنجازات ومكاسب في الواجهة @ هل الإنجازات التي حققها القطاع تعزز حصانة الصحافيين وتدعم مكانتهم أمام الالتزامات الوطنية والمجتمعية؟ @@ أقل ما يمكن أن يقال أنه لا يمكن لأحد أن يتطاول على رجال ونساء الصحافة والأدوار الهامة التي تقوم بها مؤسسات الإعلام، من حيث مكانة الإعلام والإعلاميين في المجتمع، اعتقد أن هناك ثقافة راسخة لدى المجتمعات والشعوب تضع الإعلاميين في مكان مرموق، فالجميع يعترف بأنهم أصحاب مهنة المتاعب، خاصة أن العالم بأسره يقدر ثلاثية الوظيفة الإعلامية: الإخبارية، بالوظيفة التثقيفية والترفيهية. ومع كل هذه الإنجازات ، مثل بطاقة الصحفي المحترف وجائزة الصحفي المحترف، وكل عمليات التشجيع وضمانات الحرية، ما زال أهل القطاع في حاجة إلى أنواع أخرى من الحصانة والحماية الوطنية والدولية أمام كل هذه الالتزامات المجتمعية، حيث شاهدنا حالات اعتداء كثيرة على صحفيين ومراسلين ومراسلات في الكثير من المواقع، جراء أحداث معينة أو أجواء لا تناسبهم، فحتى في الحروب، القانون الدولي الإنساني يكفل حماية خاصة للإعلاميين، ويعطيهم فرص تغطية الحدث. اليوم في إطار الصحافة المتخصصة والاستقصائية التي تبحث دائما عن الحقيقية وإيصالها للمتلقي وكشفها بأسلوب مشوق للرأي العام، نشهد تجاوزات في حق الصحفيين، دون أن ننسى أن الإعلاميين مقيدين بأخلاقيات المهنة، والالتزام الموضوعي بالأعراف والتقاليد، وتحمل المسؤولية كاملة في نقل الخبر بصدق ونزاهة.صحافة اليوم بإمكانها أن تدق ناقوس الحرب، تخلق الصراعات والتناحرات، مثلما فعلت بعض القنوات الإعلامية، أو تلعب دورا آخر أكثر توازن وأكبر مصداقية من خلال عزف أنشودة السلام والوئام والتعايش بعقلانية أصيلة. @ ما مدى تأثير رهان السبق الصحفي على المسؤولية الاجتماعية؟ @@ السبق الصحفي لا يمكن أن يكون على حساب الأخلاق الإعلامية أو من خلال التجرد الكامل من المسؤولية الاجتماعية، ومن ثم تنحدر مهنة الإعلام من الإطار المرافق للنشاطات الوطنية إلى الصحافة الصفراء القائمة على التهريج واللامسؤولية، وتجعل من عدسة الكاميرا والميكرفون شيطانا لا يرى من الأشياء إلا قبحها، ولا تقع عدستهم إلا على شنيع الأمور... كل مؤسسة إعلامية في العالم تستطيع أن تجعل من خطها الافتتاحي والتحرري رمزا للبناء والمعالجة والكشف والتصحيح والأمل والعمل، بدل السقوط الشعبوي، الذي يهدف فقط إلى كشف أكبر عدد من المشاهدين، ليشاهدوا تمثيلياتهم الساخرة وأعمالهم الصحفية الساقطة، وترسخ التقهقر في أذهان المشاهدين لا أكثر وتزعزع الوطنية وتشرذم الفكر وتهزه. كجزائريون لا نزال ننتظر من الإعلام بأن يكون رفيقا للتنمية المحلية والتنمية ورافعا مسئولا عن التوازن المجتمعي والاجتماعي، ولسان حال ينقل الحقيقة ويتقصى مصداقيتها، وعاملا مهم في رفع الغبن ونشر الحلول وتثقيف المجتمع وتربيته، الإعلام الناجح هو من يرتقي بسلوك المواطن ويغرس فيه روح المسؤولية وينمي فيه المواطنة الفاعلة، التي تحقق السلام وتستبشر للمستقبل بكل تأن ووازنة...