اختار العديد من الشباب الجزائري مهنة عامل النظافة لكسب الرزق الحلال والابتعاد عن الكسب السريع بالطرق المحرمة والتي يعاقب عليها القانون، حيث تعرف مهنة عامل النظافة إقبالا متزايدا من طرف الشباب وهو الأمر الذي لاحظته «الشعب» خلال جولة على مستوى العديد من أحياء العاصمة رغم أن هذه المهنة كانت في السابق في خانة المحرمات والعديد ينظر إليها على أنها مهنة فيها الكثير من الإهانة خاصة أن الأمر يتعلّق بجمع قمامة الناس. كانت هذه المهنة ومنذ سنوات ملازمة لكبار السن، غير أن استحداث مؤسسات حديثة وإطلاق المشاريع التنموية على مستوى العديد من الولايات ونقص مناصب الشغل دفعت ببعض الشباب للولوج إلى عالم الشغل من بوابة عامل نظافة كونهم يعتبرونها مهنة كسائر المهن. وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في كسر ما كان يسمى ب»طابو» عامل النظافة، حيث انتشرت عبرها العديد من الفيديوهات التي تدعو مختلف فئات المجتمع إلى عدم النظر لهذا العامل بنظرة دونية وهو ما لاقى العديد من التعليقات الإيجابية من قبل رواد تلك المواقع والتي دعت في جلها إلى احترام هذه الفئة العاملة. كما أن العديد من الشباب يقبل العمل في هذه المهنة للحصول على دخل إضافي بما أن ساعات العمل محدّدة في الغالب في المساء أي بعد نهاية الدوام، وهو ما يسمح له بالايفاء بالتزاماته المهنية على أكمل وجه. وفي هذا السياق، أكد عبد الكريم الشاب العشريني الذي التقته «الشعب» استفاد من عمل بإحدى المؤسسات المكلفة برفع النفايات على مستوى العاصمة، أنه تحصّل على هذا المنصب عن طريق الوكالة العامة لتشغيل الشباب وهو يعتبر أن مهنة المنظف كغيرها من المهن الشريفة التي لا يخجل أبدا من كونه ينتمي إليها لكنه من جانب آخر أوضح أنه لاقى بعض الصعوبات في البداية حتى من أفراد عائلته ومحيطه الاجتماعي المقرب له، لكنه اعتبره أمرا طبيعيا والآن يتعاملون معه بصفة طبيعية قائلا: «أجبرتني ظروفي المادية على العمل في هذا المجال، لكن مع الوقت أيقنت أن الذي يلوث هو الذي عليه أن يخجل أما أنا فدوري هو التنظيف وأنا فخور بذلك». خطورة العمل في الطرق السريعة لا يزال أعوان النظافة يستعملون أدوات تقليدية يدوية في جمع الأتربة والأعشاب والأوساخ التي يرميها السائقون بالطرقات السريعة هي يوميات عمال يتهدّدهم يوميا خطر حوادث المرور وأمراض الحساسية. «الشعب» توقفت بعدد من الطرق السريعة والوطنية بالعاصمة لرصد واقع عمال ينتشرون يوميا على حواف الطرقات وبين ممرات الطريق السيار لإزالة الأتربة والأعشاب حفاظا على حياة آلاف السائقين من حوادث قد تكون مميتة، حيث يشتكي هؤلاء من ظروف العمل التي وصفوها بالبدائية لاعتمادها على أدوات تقليدية غالبا ما تكون قديمة ومهترئة، حيث تحدّث أحد الأعوان الذي كان يحمل رفشا بين يدين جافتين ومتشققتين بدا عليهما أثر العمل الشاق بأن عملهم الذي يدوم لساعات غالبا ما يذهب هباءً في نفس اليوم لأنهم ما إن يتعبوا في جمع وتكديس الأتربة والأوساخ التي يزيلونها من حواف الطرقات الممتدة على كيلومترات حتى تجلبها الرياح مجددا أو السرعة الجنونية لسائقين متهورين فتتسبب في إثارة زوابع من الرمال والتراب والغبار خلفهم. الحديث عن نقص وقدم أدوات العمل والمطالبة بوسائل جديدة يبقى بمثابة المطالبة بتوفير كماليات على حدّ تعبير أحد الأعوان، لأن أكثر ما يهمهم هو الحفاظ على حياتهم من حوادث المرور التي تتهدّدهم باستمرار، مؤكدا بأن عددا من زملائه تعرضوا لحوادث متفاوتة الخطورة وأكد زميله بأن بعضهم تعرضوا لحوادث سقوط من الشاحنة التي تقلهم للعمل لعدم توفرها على مقاعد آمنة ووضعيتهم حرجة. وهناك من العاملين من لم تعطه صعوبة العيش خيار إلا إقتحام مجال التنظيف، خاصة مع صعوبة التوظيف في الجزائر والتشدّد الذي عرفته سوق العمالة والتي أجبرت الكثير من الشباب وحتى الكبار في السن إلى امتهان هذا العمل في الليل ليجدوا أنفسهم في الأخير يتقاضون أجرا زهيدا لا يلبي متطلباتهم الحياتية وهو حالهم جميعا، ولكن السيد مصطفى يبدو أنه صبورا ومتحملا لقساوة الحياة وأكثر ما يؤرقه هو صعوبة تلبية متطلبات صغاره بسبب قلة أجره. وفي هذا الصدد يقول «نرجو أن ينظر في حالتنا الإجتماعية من طرف المسؤولين وتقدير مهامنا التي نقوم بها بشكل يجعلنا نساير المعيشة، فليس من المنطقي أن نعمل جاهدين ونبذل كل جهدنا العضلي من أجل المحافظة على بيئتنا من أجل أجر زهيد لا يغطي حتى مصاريف دواء وهي أكثر الأمور التي تؤرقنا وتزيد من متاعبنا في الحياة». قساوة العمل في فصل الشتاء مع حلول فصل الشتاء وبرودة الطقس تزيد مصاعب عامل النظافة فيه الذي يضطر لمزاولة عمله الممتد لساعات طويلة من جهة، وكذا ظروف صعبة للغاية وما يفاقم معاناتهم نقص وسائل الحماية، حيث يتعرّض العديد منهم لإصابات تؤدي إلى بتر أطرافهم وأصابعهم بسبب رمي بعض المواطنين لمواد صلبة على غرار المسامير والزجاج وبقايا البناء، ناهيك عن الإساءات اللفظية التي يتلفظ بها بعض المواطنين متحجّجين بتأخر مواعيد الشاحنات. وبالتالي تكدّس النفايات في الشارع وهو ما يجبر عمال النظافة على قضاء يومياتهم في دوامة غياب ثقافة النظافة عن أذهان الكثير من الجزائريين الذين لا يبذلون أي جهد للحفاظ على نظافة المحيط، وذلك من خلال قيامهم بتصرفات غير حضارية تصعّب من مهمة عمال النظافة، كإخراج النفايات خارج الأوقات التي حددت لها وكذا رميها بطريقة عشوائية وعدم إحكام ربطها مما يجعلها عرضة لنبش القطط والكلاب الضالة، أما عن إلقاء الأكياس المليئة بالقمامة من الشرفات فحدّث ولا حرج. التكفّل الصحي لعلاج أي مرض يصيبهم عمال النظافة معرضون لأمراض معدية خطيرة كالسيدا والكبد الفيروسي وبول الفئران قد يعرّض عامل النظافة إلى الموت، وبما أن عامل النظافة ينشط في محيط تغزوه النفايات فهو معرض لكل الأمراض المعدية، خاصة إذا لم يكن محميا بواسطة وسائل العمل منها الأمراض التنفسية والحساسية بأنواعها خاصة الجلدية منها بسبب المواد الكيميائية. ويبقى الأخطر هي الأمراض التي تتسبب فيها المواد الطبية التي ترمى بطريقة غير قانونية في المزابل وأحيانا ينقلها العامل عبر قارورات الدم أو حتى الحقن التي يستعملها متعاطو المخدرات الحاملون لفيروسات خطيرة كالسيدا والكبد الفيروسي وهنا يجب التذكير بالتجاوز المسكوت عنه حاليا للعيادات والمخابر الطبية التي تقدم على رمي هذه المواد الطبية بطريقة عشوائية تهربا من الضريبة التي تدفعها مقابل حرق هذه المواد في مراكز خاصة يضاف لها خطر الإصابة ب''ليبتوسبيروز» فهو خطر حقيقي مآل صاحبه الموت يتسبب فيه بول الفئران فوق النفايات، فإذا أقدم العمال بعد لمسه لهذه الأماكن على الأكل أو الشرب أو التدخين فسيموت مباشرة. والعامل قبل التحاقه بمنصبه يخضع لتكوين لمدة 15 يوما في جميع المجالات بما في ذلك الأخطار المهنية، حيث ينصح دائما بارتداء لوازم العمل وتفقد النفايات قبل حملها وحثه على الطريقة المثلى للقيام بذلك، كما أن العمال يخضعون لأنواع عديدة من اللقاحات ضد الدفتيريا والفيروس الكبدي. العمل في النظافة كمرحلة انتقالية وقفنا خلال الزيارة التي قادتنا إلى بعض احياء العاصمة وجدنا حالات كثيرة تحوّل فيها عمال النظافة الحاملون لشهادات جامعية إلى نجوم تطالب أهم المؤسسات بتوظيفهم، حيث وجدنا عمي محمدي عبد الله الذي تحدث عن ابنه الذي هاجر إلى اسبانيا. وهذا بعدما طلبته إحدى المؤسسات، حيث التحق بمؤسسة خاصة للتنظيف بعد بطالة لمدة سنتين رغم أنه بمؤهل ثلاث شهادات ليسانس وحدث وجد عملا آخر في مؤسسة أجنبية كانت تملك فرعا في الجزائر ثم قامت بإرساله للعمل في فرعها في اسبانيا. حالة أخرى لشاب آخر بحوزته شهادة ليسانس اختار العمل بالنظافة لحاجته للمال وشحّ الوظائف ليأتي الفرج بعد سنتين، حيث استدعاه بنك التنمية المحلية وهو اليوم أهم إطاراتها ليجد الوظيفة التي تناسبه بعدما كانت انطلاقته المهنية العمل في مجال النظافة. حالات أخرى التحق بها الشباب كعمال نظافة متكتمين على مؤهلاتهم العلمية وبعد اكتشاف مستواهم العلمي تم تحويلهم إلى مناصب إدارية تتلاءم وشهاداتهم، وبذلك يصبح العمل في التنظيف مرحلة انتقالية لعدد كبير من العمال الذين لم يتعالوا على نوع المهنة التي حوّلتهم بين عشية وضحاها إلى أسماء بارزة في مجالات مختلفة. عرضة للاضطرابات النفسية وأمراض جلدية في ظلّ نقص وسائل الحماية والأجر الزهيد الذي يتقاضاه عامل النظافة وكذا الإساءات اللفظية التي يتلفظ بها بعض المواطنين وقيامهم بتصرفات لا حضارية اتجاههم تجعل هذه الفئة عرضة لاضطرابات نفسية تؤثر على سلوكهم العام وحياتهم الخاصة، كما أنهم عرضة لأمراض جلدية وتنفسية وأحيانا جروح عميقة بسبب قطع الزجاج المرمية بدون أكياس وسط القمامة المنزلية للمواطنين. وذلك في ظل انعدام مستلزمات الوقاية والأمن وإن وجدت هذه الأخيرة فهي قديمة جدا لا تكاد تؤدي وظيفتها المطلوبة كمواد التطهير والتعقيم أما الأدوات المستخدمة فهي توحي بأنهم يقومون بمضاعفة القمامة بدل إزالتها من فرط قدمها واكتسائها لألوان الأوساخ كحاويات نقل القمامة مثلا، حيث يجد عشرات العمال مجبرين على التعامل يوميا مع السموم والأمراض ولا يعترضون على ذلك بل ان بعضهم يتحمل نفقات العلاج والدواء، علما أن مبلغ التعويض زهيد جدا، كل هذا لا يخفي الاساءات اللفظية التي لم يستطع بعض العمال تجاوزها بل تعداها حتى إلى أفراد عائلته، حيث يلقب بعض التلاميذ ابن عامل النظافة بلفظ غير لائق ويقومون بالضحك عليه خاصة وأن نعتهم بهذه الكلمة المتداولة في مجتمعنا لا تعبّر البتّة عن طبيعة عملهم، هذا ما يستنكره العديد من العمال الذين وان استطاعوا تجاوز مخاطر إصابات الجسدية، لكن ما يحزّ في أنفسهم هو نظرة الاحتقار التي يراها في أعين الناس.