كانت السهرة الموسيقية الأندلسية''المتوسطية'' التي نظمت بالمركز الثقافي الفرنسي فرصة للتلاقي بين فنانين وموسيقيين جزائريين وفرنسيين، جمعتهم منصة واحدة في الهواء الطلق، امتزج فيها اللحن الأندلسي الجزائري باللحن الأكستاني والبيزنطي، ومن بين هؤلاء'' ميكو مونتانارو'' الذي كان لنا لقاء معه على هامش هذه السهرة، حيث يكشف لنا نوعه الموسيقي وتراث منطقته بجنوب فرنسا وبعض الأشياء نكتشفا معا في هذا الحوار: ̄ ممكن تقديم نفسك للقراء؟ ̄ ̄ اسمي'' ميكو مونتانارو ''مؤلف موسيقي فرنسي من مقاطعة'' بروفانس ''بجنوب فرنسا، لذلك فأنا متشبع بالثقافة الأكستانية العريقة المعروفة بهذه المنطقة، موسيقاها خليط من الأنواع التقليدية الموجودة في بعض دول المتوسط، أميل كثيرا للعزف على الناي رغم أني لا اختص في نوع موسيقي محدد، أعزف على العديد من الآلات الموسيقية، لنَقُل أنني متفتح على جميع التراث الموسيقي القديم داخل فرنسا وخارجها. ̄ قلت انك متفتح على مختلف الأنواع الموسيقية، ألم تجد عوائق العزف على بعض الآلات التي ربما تتطلب نوعا من الدراسة والتعمق في استخدامها بحكم أنها تراث قديم يدرس؟ ̄ ̄ انطلاقا من كوني من الداعين لتحديث الأنواع الموسيقية، ورغبتي في عزف مختلف الآلات الموسيقية واحتكاكي المتواصل بموسيقيي دول عديدة، إضافة إلى زياراتي المتواصلة لبعض الدول المتوسطية، كل هذا سمح لي التعرف على أنواع موسيقية عديدة تعمقت فيها ومارستها لذلك، أرى أن هذه العوامل قد تكون كافية للعزف على مختلف الآلات التقليدية، خاصة وأننا نعلم أن الموسيقى التقليدية بصفة عامة وفي جميع الدول تطورت على مر العصور، إذ في كل مرة تضاف إليها آلات جديدة مع المحافظة بطبيعة الحال على الإرث أو النوع التراثي الذي تأسست عليه، فمن المجدي إذا تجديد الأنواع الموسيقية التقليدية لتتماشى مع التغيرات الحاصلة لتحافظ على جمهورها ولتكسب جمهور جديد. شخصيا وفي كل مرة ألتقي فيها بموسيقيين من دول عديدة، يستغربون من التغييرات التي استحدثها على بعض الآلات الموسيقية المعروفة بها منطقتي، ويرون في ذلك نوعا من الخروج عن الإرث الأصلي الذي قد يفقد الكثير من التميز الذي عرف به، لكني أحاول إقناعهم بأن ذلك يدخل في إطار تحديث النوع الموسيقي دون المساس بالأصل، بل وأقترح عليهم في نفس الوقت أن يستخدموا آلاتي في أنواعهم الموسيقية من باب التجديد والتبادل بين مختلف الموسيقيين. ̄ من خلال حديثك يبدو أنك سافرت كثيرا وتعرفت على العديد من الموسيقيين فماذا عن الجزائر وموسيقييها؟ ̄ ̄ أول زيارة لي للجزائر العاصمة كانت في سنة 1990، هذه الزيارة سمحت لي بلقاء أعضاء من جمعية الأندلسية السندوسية ومنهم على الخصوص إسماعيل هني وكاتب نجيب، اللذان ساهما كثيرا في تعريفي بالموسيقى العربية الأندلسية الجزائرية كنوع جديد بالنسبة لي، رغم أن موسيقى منطقتنا فيها نوع من اللحن الذي يشبه الأندلسي، واقترحت عليهم أن يكون فيه تبادل بين النوعين، في بادئ الأمر لم يتقبلا أن تدخل على اللحن الأندلسي آلات أخرى بحكم أنهم يرونه تراثا من غير المعقول إضافة أدوات جديدة قد تقضي على اللحن الأصلي المميز لهذا النوع، لكن قلت لهم أن الموسيقى الأندلسية أضيفت لها أدوات أخرى على مر السنين منذ القرن 9، وبالتالي فمن غير المبرر عدم استخدام آلات أخرى من باب التحديث واكتساب جمهور جديد، فطلبوا مني تأليف نوبة وبالفعل اجتهدت في كتابة ''توليفة شعرية ''باللغة الفرنسية بحكم أني لا أتقن العربية، قام بترجمتها'' كاتب نجيب'' للعربية حسب شكل النوبة وتعلمت من خلالها العديد من المصطلحات العربية التي لها علاقة بالنوبة الأندلسية، وبعد الانتهاء من ذلك سجلناها في شريط صوتي في فرنسا، لأبدأ بعدها في تعاملي مع السندوسية التي قامت بجولات عديدة في فرنسا قدمت العديد من الحفلات، كما كررت نفس التجربة بالمغرب مع نوبة أخرى، لكن يبقى الشيء المهم في كل هذا هو أن هذه التجربة فتحت الرغبة في خلق نوبات جديدة، فمثلا ''نور الدين سعودي'' هو يشتغل الآن على نوبة جديدة وفي المغرب أ نوبة ، وهذا ما يعطي الانطباع على أن الموسيقى الأندلسية يمكنها تمّلك وتقبل التحديث. ̄ ماذا أضافت لك هذه التجربة؟ ̄ ̄ سمحت لي التعمق في دراسة هذا النوع الموسيقي وبالتالي اكتشاف أشياء لم اعتد عليها، كما أضفت إليها آلات مختلفة تماما عن ما هو مستعمل في الموسيقى العربية الأندلسية منها آلات نوع الجاز، وعلى فكرة فانا من منطقة متفتحة على مختلف الثقافات ونملك عادات وتقاليد تشبه ثقافات العديد من دول المتوسط فمن الطبيعي إذن أن تجدني قريبا من هذا النوع الموسيقي العريق. ̄ مشاركتكم في هذه الحفلة التي حملت عنوان ''على أبواب المتوسط'' تعبر عن أشياء كثيرة انتم كفنان فرنسي كيف تنظرون إلى مثل هذه اللقاءات؟ ̄ ̄ أظن أن مثل هذه اللقاءات تعبر عن الرغبة في الحوار والتبادل الثقافي الذي يسمح بالانفتاح على الأخر، ويعطيها بعدا إنسانيا يساهم في تقبلنا لبعضنا البعض، ولقاء اليوم الذي جمع ثلاث ثقافات من خلال ثلاثة أنواع للموسيقى )الأندلسية الجزائرية، الأكستانية، البيزنطية(، أكد على أن الموسيقى بإمكانها أن تكون همزة وصل بين شعوب المتوسط، وبالمناسبة وبدون الدخول في تفاصيل ما نختلف ونشترك فيه أأكد على وجود نقاط مشتركة كثيرة بين ثقافات المتوسط كما توجد فروقا عديدة لكن الأهم في كل هذا هو أن ننمي ما نشترك فيه لنعطي قيمة لهذه الاختلافات. ̄ كلمة أخيرة أحيي كل الجزائريين من خلالكم و بالتوفيق لجريدتكم ̄ كلمة ختامية.. ̄ ̄ احيي كل الجزائريين وبالتوفيق لجريدتكم