يبدو أن موعد 31 ديسمبر القادم المحدد لإنسحاب القوات الأمريكية المتبقية في العراق وقوامها 46 ألف جندي وفقا لما نصت عليه الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بغداد وواشنطن في سنة 2008 لن تعرف التنفيذ التام، حيث تشير العديد من المؤشرات إلى أنه سيتم التمديد لبقاء 20 ألف جندي سواء وافق العراقيون أم لا. وكأن ما فعله الامريكان بالعراق من بعد تنحية صدام حسين غير كاف. وسيحاول نائب الرئيس الأمريكي جو بادن المنتظر ببغداد قريبا إقناع العراقيين ببقاء هذه القوات. قائمة العراقية تكشف المستور وكتأكيد لهذا التوجه كان مسؤولوون أمريكيون وعراقيون قد تطرقوا إلى إحتمال الإبقاء على بعض تلك القوات إلى ما بعد نهاية هذه السنة. وضمن هذا السياق كشفت يوم الأحد الماضي القائمة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي الفائز بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، والممنوع من تولي رئاسة الحكومة عن تفاهم مفترض بين بغداد وواشنطن لتمديد وجود القوات الأمريكية في العراق حتى نهاية 2016، وذلك من خلال خطة بين وزارة الخارجية العراقية وسفارة واشنطن ببغداد. وإذا كان هاني عاشور مستشار قائمة العراقية قد رجح أن توقع حكومة بلاده الخطة من غير إطلاع البرلمان والشعب العراقي على تفاصيلها، ودون أن يكشف نور المالكي رئيس الوزراء عن حقيقة جاهزية القوات العراقية، فإن تأكيد السير في هذا الاتجاه كان قد جاء يوم السبت الماضي من السفير الأمريكي نفسه في بغداد، الذي قال: إن إدارة الرئيس باراك أوباما لا تزال راغبة في الابقاء على بضعة آلاف من الجنود في العراق بعد نهاية 2011، وتشير تقارير بهذا الخصوص أن واشنطن تريد الاحتفاظ على 10 آلاف جندي. شهر جوان الأكثر دموية للعراقيين منذ سبتمبر 2010 ولعل المتتبع للشأن العراقي يلاحظ ارتفاع وتيرة العنف مع اقتراب موعد 31 ديسمبر القادم، وهو ما يعني بجلاء أن زيادة العنف مرتبط بتواجد القوات الأمريكية أو بإنسحابها من العراق، مما يعني من الناحية العملية أن هذا التصعيد تقف وراءه إما مجموعات ضغط لإجبار القوات الأمريكية على الرحيل في الموعد المحدد بالاتفاقية الأمنية، أو بالمقابل مجموعة أخرى تحاول المحافظة على الوضعية الحالية باستخدام العنف لتبرير بقاء قوات الاحتلال بالعراق. ويعتبر على الصعيد الميداني شهر جوان الأكثر دموية منذ مطلع العام الحالي بمقتل 271 شخص، إذ أوضحت أرقام وزارات الصحة والدفاع والداخلية العراقية أن 155 مدنيا قتلوا في الشهر الماضي، إضافة إلى 77 شرطي و39 عسكريا، فضلا عن اصابة 454 أخرين بجروح، بينهم 192 مدني و 150 شرطي و 112 عسكري . وتؤكد المصادر العراقية أيضا أن 25 مسلحا قتلوا واعتقل 102 آخرين، علما بأن يوم 21 جوان الماضي كان الأكثر دمويا بمقتل 26 شخصا واصابة نحو 35 آخرين في هجومين انتحاريين بسيارات مفخخة استهدفت منزل محافظ الديوانية بوسط العراق. ماي الأكثر دموية للأمريكيين منذ جوان 2008 وتعد حصيلة شهر جوان الماضي الأعلى، حيث كانت للسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والأسلحة الكاتمة للصوت التي استخدمتها الجماعات المسلحة في هجماتها وذلك منذ شهر سبتمبر 2010 عندما قتل 273 شخص. وبالمقابل كانت حصيلة شهر ماي الماضي الأكثر دموية للجيش الأمريكي منذ ثلاث سنوات بمقتل 14 عسكريا عبر كامل التراب العراقي، وذلك منذ مقتل 23 جنديا أمريكيا في شهر جوان 2008. عمليات تؤكد استمرار تصعيد العنف في جويلية وتشير مجرى الأحداث إلى أن موجة هذا العنف الموجه أو المقاومة المستهدفة لرحيل الاحتلال، سيستمر في التصاعد، ويكفي أن تدل على ذلك بتواصل العمليات في شهر جويلية الجاري بصورة يومية، ونذكر هنا على سبيل المثال العمليات المسجلة يوم السبت الماضي، المتمثلة في قيام مسلحين متنكرين في زي الشرطة بمداهمة حاجز أمني على الطريق إلى عمان ودمشق غربي الأنبار بخطف 5 من أفراد الشرطة وقتلهم فيما بعد، وقتل شرطي آخر كان يقود سيارته خارج ساعات الدوام الرسمي غربي بغداد، كما قتل مسلحون بمحافظة بابل شرطيين يعملان في التحقيقات الجنائية، وذلك في هجومين منفصلين، بينما قتل أحد عناصر مجلس الصحوة في هجوم آخر بجرف الصخر جنوب بغداد، وقتل في الموصل شرطي وأصيب آخر في هجوم بالأسلحة النارية، بينما قتل مدنيان في هجومين منفصلين بكركوك، بإستخدام عبوة ناسفة في أحدهما، وأكدت الشرطة العراقية كذلك مقتل مسلحين كانا يحاولان زرع عبوة ناسفة في داقوق بشمالي بغداد، الأمر الذي يؤكد أن العراق سيشهد المزيد من التصعيد في انتظار الحسم بالسحب الكامل للقوات الأمريكية أو التمديد لها إلى 2016. والواقع أنه بعد 8 سنوات من الغزو الأمريكي الغربي للعراق القائم على أكاذيب الرئيس بوش الأب وصقور ادارته بامتلاك نظام الرئيس صدام حسين الديكتاتوري لأسلحة الدمار الشامل، وخطره على العالم بأسره.. وغيرها من أكاذيب وزير خارجية كولن باول التي قدمها لمجلس الأمن، لم تكن كافية لتحقيق الأهداف الاجرامية الأمريكية، التي خلفت إبادة حقيقية للشعب العراقي وتخريب وتدمير البلاد عن آخرها ونهب حتى أثاره التاريخية الفريدة من نوعها في العالم. لتقضي بذلك على جميع الخدمات الصحية والتعليمية التي وضعها النظام السابق في خدمة عامة الشعب العراقي، ورغم الوعود الأمريكية أصبح إعمار العراق في خبر كان. الترتيب للاحتفاظ بالسلطة المتعاونة ببغداد بالتمديد لقوات الاحتلال ومن دون شك، فإن الكثير من الاشارات تؤكد أن ومن دون شك، التنسيق يجري على قدم وساق لتوفير الأرضية القانونية للتمديد لبقاء جزء من القوات الأمريكية بالعراق، على شاكلة “مسمار جحا”، رغم رحيل القوات الأمريكية لن يلغى الدعم الجوي، الذي سيفتح المجال أمام استعمال الطائرات بدون طيار على طراز ما يجري في باكستان وافغانستان للقضاء على ما تبقى من روح المقاومة أو أية معارضة تشكل خطرا على السلطة في بغداد المتعاونة مع الإدارة أو أية معارضة تشكل خطرا على السلطة في بغداد المتعاونة مع الإدارة الأمريكية التي ستبقى في كل الأحوال المسيرة للشأن العراقي عن بعد. وضمن هذا السياق يجري التنسيق وتوزيع للأدوار ما بين الجانب الأمريكي وداخل الطرف العراقي ذاته، فالأوساط العراقية التي صنعها الاحتلال الأمريكي لم تتردد في الإفصاح عن رغبتها في بقاء القوات الأمريكية لفترة أطول لشعورها، حسب صحيفة “نيويورك تايمز”، بأن القوات العراقية بحاجة إلى المزيد من التدريب والاستشارة من الجانب الأمريكي، رغم عدم رغبة السياسيين الاعتراف بذلك، وتنقل الصحيفة الأمريكية عن أمر القوات الخاصة العراقية اللواء فاضل البروارى قوله : “على الأمريكيين البقاء لأننا لا نسيطر على حدودنا”، ويتجاوب في هذا الطرح من الجانب الأمريكي المقدم “سكوت بروار” قائد الفريق المشترك للقوات الخاصة المسمى “جزيرة العرب”، إذ يقول: بعد 8 سنوات قضيناها في هذا البلد، نشارك العراقيين التضحية بالدم والعرق والمال جنبا إلى جنب والعمل مع بعضنا البعض، بالطبع نريد البقاء على العلاقة مع شركائنا العراقيين..! علاقة القوات الأمريكية بقائد القوات الخاصة العراقية بدأت في حرب الخليج 1991 وتشير صحيفة نيويورك تايمز في تقريرها المنشور مؤخرا بأنه رغم إعلان نهاية العمليات القتالية في العراق، فإن البلد لايزال يبدو كأنه ساحة حرب على الأقل بالنسبة لوحدات القوات الخاصة المنتشرة هنا وهناك. وتذكر أن وحدات العمليات الخاصة الأمريكية دأبت على تدريب قوات مكافحة الإرهاب الخاصة العراقية منذ بداية الحرب عام 2003، وأن أعضاء تلك الوحدات بدؤوا بتدريب اللواء البرواري على التمارين الرياضية ولايزالون إلى اليوم يقومون على تقديم الاستشارات إلى وحدته. وتقول الصحيفة الأمريكية : إن علاقة البرواري (الكردي العراقي) بالجيش الأمريكي بدأت في حرب الخليج عام 1991، واستفاد كثيرا من الحرب الأمريكية في العراق، ولكنه اليوم قلق على مصير بلاده بدون القوات الأمريكية. ويقول اللواء البرواري: “إذا بقي الأمريكيون فهم لن يقاتلوا معنا، ولكنهم سيقدمون لنا الدعم الجوي هناك الكثير من الأشياء التي لا نزال نجهلها”. وتذكر “نيويورك تايمز”، إن اللواء البرواري يسكن اليوم في أحد القصور التي كانت مملوكة لنظام صدام حسين، حيث يحتفظ بعدد من طيور النعام والحمام وبعض القردة بالاضافة إلى تمساح، ويقود من وسط ذلك القصر عمليات وحداته الخاصة التي تنطلق في الليل بمساعدة أمريكية. انفتاح الشباب على الربيع العربي قد يخلط حسابات التمديد إن التمديد لبقاء بعض القوات الأمريكية بالعراق لما بعد نهاية العام الجاري الذي يؤيده القادة العسكريون في الجانبين العراقي والأمريكي، يبقى قرارا سياسيا في النهاية، إذ يتحتم على الحكومة العراقية أن تتقدم بطلب رسمي لتعديل الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية، وينتظر بهذا الخصوص اجتماع للقيادة العراقية هذا الأسبوع لدراسة طلب بقاء جزء من القوات الأمريكية حتى 2016 وأن هذا الخيار الذي ترغب فيه الإدارة الأمريكية، حسب صحيفة “واشنطن بوست” يطرح مسألة الحماية العراقية لهذه القوات. وضمن هذا السياق، قال: “جيمس جيفري”، السفير الأمريكي في العراق، للصحفيين على هامش اجتماع له في واشنطن، إن ذلك الخيار يتطلب أن تساعدنا القوات العراقية بتأمين جنودنا والحفاظ على سلامتهم، كما عليهم وبصراحة أن يؤمنوا أنفسهم. والواقع أن إتخاذ حكومة المالكي لقرار طلب تعديل الاتفاقية الأمنية والتمديد لبقاء قوات الاحتلال لن يكون سهلا، لأنه سيكون بمثابة رهن على مستقبل العراق وسيادته مجددا، وسينعكس بالضرورة على استقراره بما يعمق الهوة بين الشعب والحكومة، ولاسيما بعد فشل المالكي في تحقيق وعده بالاستجابة للمطالب الشعبية المتصاعدة، مع الربيع العربي خلال مائة يوم المنقضية. حيث تتجدد منذ 25 فيفري الماضي المظاهرات المطالبة باسقاط الحكومة، والمنددة بدعوات التقسيم وإقامة الأقاليم على أسس طائفية وإثنية وبالقضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين والناجين للمال العام وإطلاق المعتقلين، والتي أضيفت إليها مطالب رحيل قوات الاحتلال كاملة قبل 31 ديسمبر القادم.