عازف كمان قبل كل شيء، يتحدث عن الموسيقى بشغف وحب كبير، تحصل على ماجستير بكونسرفتوارالدولة لمدينة كييف الروسية، ليعود إلى الجزائر ويشغل منصب أستاذ لآلة الكمان بالمعهد الوطني العالي للموسيقى، وبحكم خبرته وكفاءته المهنية في مجال الموسيقى وضع على رأس الاوركسترا السمفونية الوطنية في 2001، التقينا به ليحدثنا عن الدور الذي تلعبه الاوركسترا في تثمين الموسيقى السمفونية، إنه عبد القادر بوعزارة الذي كشف ل”الشعب” عن أعمال وطموحات هذه المؤسسة الفتية. بداية نود أن نعرف المكانة التي تحتلها الموسيقى في نفس عبد القادر بوعزارة؟ الموسيقى أسمى وسيلة لخدمة الثقافة وتهذيب الذوق، فهي من أقدم مقتنيات الإنسان، حيث من خلالها نعرف مدى تحضر أمة ما، كما تعد الموسيقى من أنجع الوسائل التي من خلالها يتوحد شعب دولة ما ، وبامكانها أيضا توحيد الشعوب من مختلف المناطق التي ينتشر فيها نوع محدد من الموسيقى. والموسيقى لغة البشرية جمعاء، فبواسطتها نتبادل المشاعر الإنسانية الجميلة، الرقيقة، ونعبر عن أحاسيسنا المكبوتة، أما ماذا تعني لي الموسيقى، فحبي لهذا الفن هو الذي جعلني ادخل غماره واعتمد في آدائيالموسيقي وفقا للمعايير العالمية المعمول بها في الموسيقى الكلاسيكية. من قولك نفهم أن الفرقة السمفونية الوطنية تسير وفقا للمعايير العالمية؟ أكيد فبما أننا نعمل على الموسيقى الكلاسيكية العالمية، فالفرقة السمفونية الوطنية شأنه شأن الفرق العالمية، تعتمد على الأسس التي يبنى ويسير عليها هذا الطابع الموسيقي، ونعتمد على الآلات وفقا للمعايير العالمية للموسيقى الكلاسيكية، كالكمان، والكلارينات، ولافاجون، والترومبيت، والكونتروباص، والأوبوا والتو، والترومبون وغيرها من الآلات الخاصة بالعزف الكلاسيكي. دائما نجدك تأخذ مقعدك كعازف كمان داخل الاوركسترا على الرغم من مسؤولية الإدارة؟ هذا يعود إلى طبيعتي بحيث أنني قمت بدراسات عليا في الموسيقى وكنت أستاذ جامعي أدرس هذه المادة، ورغم تعبي لاسيما المشاكل الإدارية في تسير هذه المؤسسة الفتية، إلا أنني أعود إلى طبيعتي وعندما أمسك الكمان أنسى كل معاناتي . معروف عن الجزائر ثراها بالأنواع الموسيقية عموما، الشيء الذي ساعد في انتشار أوسع للجوق السيمفوني في مناطق عديدة من الوطن؟ لا يختلف إثنان في الغنى والتنوع الذي تعرفه الموسيقى الجزائرية، والأوركسترا السيمفونية بدورها تعمل على تثمين الموسيقى السيمفونية، حيث هناك الجوق الوطني للأغنية الاندلسية والمتكون من الجوق الجهوي لولاية قسنطينة، والجوق الجهوي لولاية تلمسان بقيادة الاستاذ “رشيد قرباص”، والجوق الوطني لأغنية الشعبي بقيادة الاستاذ “زروق مقداد”. على الرغم من أن جمهوركم جمهور ذواق ونخبوي، إلا أنكم تحملون أعمال الاوركسترا إلى الكثير من الولايات الداخلية، هل تهدفون إلى إعطاء الاوركسترا طابع وطني؟ وهل تسعون إلى خلق اوركسترا في كل ولاية؟ فعلا، وهذا بمبادرة من وزارة الثقافة التي منحتنا فرصة التنقل عبر كامل مناطق الوطن، وهي من الأهداف الأكثر أهمية في برنامج عمل الاوركسترا، فمنذ 2004 ونحن نحاول أن نصل إلى المواطن الجزائري ونتقل إليه عبر كامل الولايات، فهي تحمل اسم الاوركسترا الوطنية وهي في حد ذاتها تحمل مزيجاً جميلا فعازفوها من كامل الولايات، وأيضا بالنسبة للاوركسترات الجهوية وهذا ما نقوم به، فقد شكلنا أوركسترا لبعض الولايات من الوطن، في انتظار التعميم عبر كامل الوطن، لكن المشكل المطروح هو مشكل الخلف، فمن يخلف العازفيين في الاوركسترا؟ ولهذا لابد من العناية بالشباب والمتخرجين من المدارس وهذا لن يكون إلا عبر إدماجهم في الاوركسترات الجهوية من أجل لم الشمل والتكثيف من العمل، فالموسيقى هي لغة البشرية جمعاء، ولغة الجزائر جمعاء ? ألا تسعى الفرقة السيمفونية إلى ايصال الموسيقى الجزائرية إلى العالمية، ورسم مسار لها في كبرى المحافل العالمية التي تعنى بالموسيقى العالمية؟ أقول لك أن أسمى هدف للفرقة السيمفونية هو انتشار الموسيقى الجزائرية عالميا، ويكون هذا الشيء بتظافر الجهود والعمل على الحفاظ على التراث وتدوينه وإعطائه البعد العالمي، أي إبراز القيمة الحقيقية للموسيقى الجزائرية الغنية والثرية جدا. هل هناك سياسة محددة تسيرون وفقها لايصال الفرق السيمفونية الجزائرية لمصاف العالمية؟ نحن نعمل بطريقة علمية أكاديمية، ونفتخر بتمكننا من تشكيل فرقة ذات مستوى عالمي في فترة وجيزة، تعتبر مرآة عالمية للوجه الحقيقي لموسيقانا الجزائرية التي نسعى لدمجها في هذا المزيج الذي يشكل موسيقى الشعوب، وحضاراتها بطريقة مدروسة، بعيدة عن العشوائية والارتجال، كما أن الاوركسترا السيمفونية الوطنية دعمت منهاجها باستضافة قادة اوركسترا عالميين يرافقونها عبر مختلف ولايات الوطن، وفي هذا الإطار سجلنا لقاءات تاريخية ذات مستوى رفيع. ويبقى التواصل بيننا وبين الفرق العالمية دائم ومستمر، وطبعا التواصل بجمهورنا عشاق الموسيقى الكلاسيكية تحديدا دائم أيضا وعميق، فرغم التطور والعصرنة إلا أن التراث والموسيقى الأصيلة تبقى دائما سارية في دمائنا، ومنبع عزمنا وافتخارنا، ولها جمهورها الذي لا يستغني أبدا عنها، ويطالب بها.. قلتم تواصلنا بين الفرق العالمية مستمر ودائم، حسب رأيكم هل يساعدكم هذا التعامل في إيصال الموسيقى الكلاسيكة الجزائرية إلى العالمية؟ هذا التواصل مع الفرق الأجنبية جنينا منه الكثير، ولعل أهم ثمرة، هي التفاتة الأجانب لموسيقانا التي باتت تشكل حيزا هاما من اهتمامهم، فتأثرهم بالنغمة الجزائرية أصبح له صدى واضحا في انتشارها عالميا، وتبنيها عن طريق عزفها في المحافل الدولية، فيتحقق بذلك ما يسمى بالتناغم بين الأفكار والموسيقى، شيء جميل ما حدث ويحدث بفضل هذه الوسيلة الساحرة التي تدعى الموسيقى!. ما هي الصعوبات التي واجهتكم طوال هذه السنوات في ترسيخ تقليد الأوركسترا السيمفونية لاسيما وأنها تقليد غربي؟ لا أتفق معك..ليست تقليدا غربيا، ولو عدنا إلى أصل هذه الكلمة، وإلى التاريخ نجد أن العرب أول من شارك في تطوير الموسيقى، لنذكر زرياب الذي بدأ في تدريس هذه المادة لما كانت أوروبا تعيش في غابة موحشة، والفن الأوبرالي أو البيو كانتو المعروف في ايطاليا، أول ما قام به رواده هو الذاهب إلى زرياب لدراسة هذه المادة في القرن التاسع، فما بك بالمدة الممتدة من القرن التاسع إلى القرن السابع عشر، لهذا الموسيقى كانت بالنسبة للعرب هامة ولا يمنح اسم عالم إلا للذي يكمل تحصيله العلمي بها كما هو الأمر الآن بالنسبة للإعلام الآلي الذي هو ضرورة من أجل تحصيل باقي العلوم، كانت الموسيقى واحدة من المواد الأساسية بجامعات قرطبة واشبيلية وغرناطة وغيرها من المدن الأندلسية، حتى أن الموسيقى كانت تحت آمرة الرياضيات، كانت ذات قيمة?? وحقيقة هناك موسيقى غربية وموسيقى عربية لكن لكل مقام مقال، لأن العودة إلى التاريخ تثبت تجذر العرب فيها، وقبل اختراع البيانو من طرف بارتلومو كرستفوري في بداية القرن الثامن عشر لم يكن هناك منزل في أوروبا إلا وكان يحتوي على آلة العود الشهيرة والمعروفة بعازفيها المميزين حتى في العصر الحالي مثل نصير شمة، فلما وصل البيانو بدأ العود يخرج من الساحة الموسيقية تدريجيا، آلة الكمان كذلك أيضا أصلها آلة الرباب العربية، حتى أن الايطاليين والفرنسيين والألمان أرادوا تطويرها والخروج عن أوتارها الأربعة لكن محاولاتهم كانت فاشلة وعادوا واحتفظوا بالأوتار الأربعة تماما كما آلة الرباب ? كلمة أخيرة، وماذا يتمنى بوعزارة للموسيقى الكلاسيكية الجزائرية؟ نتمنى الوصول إلى تأليف سيمفونية ذات طابع جزائري محض، وأقول إن الموسيقى تستحق أن نسهر من أجلها وخدمتها، فهي بمثابة القاطرة التي توصل الأمة إلى ركب الحضارة والتمدن، لذا يجب أن نوليه أهمية، ونعطي السيمفونية الوطنية حقها.