رافق الأوركسترا السيمفونية الوطنية دائما بتوابل موسيقية عالمية، تفوح بعبق الأصالة على آلة الكمان التي تتفنن أنامله في مداعباتها، لخلق جو تغمره الفرحة، لمن يستطيبون قطائف اللحن الرقيق، إنه المايسترو عبد القادر بوعزارة مديرالأوركستراالسيمفونية، الذي واصل جهوده الرامية لتعزيز التبادل وترقية التجارب التي خاضتها الأوركسترا منذ أن تولى إدارتها سنة 2001 مع مختلف الموسيقيين المحترفين، في هذا الحوار أثار بوعزارة العديد من القضايا التي تعنى بمستقبل مؤسسته، وهي تعيش عصرها الذهبي، رغم بعض العراقيل التي جعلته يبحث عن السبل المثلى لتجاوزها والإرتقاء بالموسيقى الكلاسيكية الجزائرية إلى مستوى الموسيقى العالمية. حاورته. سهيلة.ب/: -مسك ختام تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية كان الحفل الذي أحيته الأوركسترا السيمفونية الوطنية بالمسرح الوطني بقيادة المايسترو أمين قويدروعرف وقتها نجاحا مبهرا، ما تعليقكم سيد بوعزارة وأنتم على رأس هذه المؤسسة؟ - كان شرف لنا أن تختارنا الوزارة الوصية لإحياء حفل الاختتام الرسمي لتظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، فصخرنا كل ما بوسعنا من إمكانيات لتقديم مادة فنية ترقى إلى المستوى المطلوب، خاصة وأن من خلال الجولات التي قامت بها الأوركسترا عبر ولايات الوطن، تسنى لنا أن نتعرف إلى جمهور ذواق للموسيقى الكلاسيكية، ووفي لإعمالنا التي نمزج فيها بين الموسيقى الكلاسيكية العالمية والجزائرية العربية، وهذا ما جعلنا نسطر برنامجا متنوعا كما تابعتم وبقيادة المايسترو أمين قويدر، بالتنسيق مع الجوق الوطني الجزائري للموسيقى الأندلسية، باليه الأمل، المجموعة الصوتية للحرس الجمهوري، وجوق الموسيقي لآلة المزود للحرس الجمهوري، دون أن أنسى الشاعريين عزالدين ميهوبي وياسين أوعابد، وحمل العرض شعار "الجزائر،قصيد سيمفوني للسلام"، والحمد لله نجاح الحفل كان عن طريق تجاوب الجمهور الذي كان من مختلف الفئات، وما أسعدني كثيرا هو حضور فئة الشباب الذين غازلهم العرض الذي مزج الشعر، الرقص، والغناء وطبعا اللحن الجميل الذي كان مائة بالمائة جزائريا، أردنا أن نقول بأعلى صوت أن الجزائر واحدة موحدة بموسيقيها ومثقفيها، فأشكر بالمناسبة كل من شاركنا احتفالياتنا. - الملاحظ في السنوات الأخيرة هو عودة الأوركسترا السيمفونية الوطنية بقوة في الساحة الفنية من خلال الجولات الفنية التي احتضنتها مختلف جهات الوطن ما هو سرذلك؟ - بفضل معالي وزيرة الثقافة خليدة تومي التي أعطت لنا فرصة القيام بجولات وطنية عديدة بداية منذ سنة 2004، فكانت وجهتنا إلى أقصى الغرب – مستغانم،سيدي بلعباس، وهران.....- حتى آخر حفل أحيته الأوركسترا بمناسبة الذكرى العاشرة لانطلاقتها الفنية، حيث كان "الأوديتوريوم" للإذاعة الوطنية مسرحا لمختلف الحفلات التي أحيتها الأوركسترا بقيادة أمين قويدر، أشكر كثيرا مدير الإذاعة الوطنية السيد عز الدين ميهوبي الذي وفر لنا كل الإمكانيات لنجاح هذه المواعيد الفنية التي لمت شمل عشاق الموسيقى الكلاسيكية من الجمهور الجزائري الذواق، حيث قدم لنا عز الدين ميهوبي آلة بيانو جديدة من نوع " ياماها " خصيصا لأحد الموسيقيين الجزائريين المقيم بباريس لتنشيط الحفل، لتستعمل بعدها في مختلف الحفلات التي ستحتضنها القاعة ذاتها وهذا ما ترك لي ذكريات جميلة . - وماذا عن الأوركسترا الوطنية بعد أن توليتم إدارتها منذ سنة 2001 ؟ -الأوركسترا السيمفونية الوطنية تم تأسيسها سنة 1992 بمبادرة من وزارة الثقافة، إلا أن نشاطاتها الفنية بدأت بالفعل سنة1997 بقيادة المايسترو الراحل عبد الوهاب سليم، ومنذ سنة 2001 تسلمت إدارتها ومنذ ذلك اليوم وأنا أعمل كل ما بوسعي لتطوير هذه المؤسسة، ولتثمين الموسيقى الكلاسيكية ، وأسعى إلى يومنا لتطوير وترقية الأوركسترا، التي اتسعت فيها التركيبة الفنية للموسيقيين، وأحاول ضبط برامج للإكثار من الحفلات عبر التراب الوطني، كما نحاول تخصيص جزء لإحياء التراث الجزائري الأصيل لإدراجه ضمن قائمة الموسيقى العالمية. -المتتبع لحفلات الأوركسترا يجدكم ضمن طاقم الموسيقيين كعازف كمان على الرغم من إنشغالاتكم الإدارية، فما هي خصوصيتكم في عملكم هذا؟ -أعمل كل ما بوسعي لخلق التوازن بين ما هو مهني وفني، فأنا قبل كل شيء عازف على آلة الكمان، بعد مسيرة طويلة من الدراسة الأكاديمة بروسيا تحصلت على درجة ماجستير بكونسرفتوار الدولة لمدينة كييف، ثم درست طريقة العزف على آلة الكمان بالمعهد العالي للموسيقى وبكونسرفتوار الجزائر أسندت لي مهمة إدارة الاوركسترا، وحينها قررت تقديم إضافات نوعية في هذا المجال الذي أعشقه، وما حققته لحد الآن هو بفضل أصدقائي الموسيقيين الذين وهبوا حياتهم في سبيل النهوض بهذا المجال، وأنحني بالمناسبة أمام هؤلاء الذين أنشاؤوا هذه المؤسسة والجزائر كانت تعيش أزمتها. وأحاول تحقيق الاستمرارية وبهمة عالية في أعمال جديدة. -ماذا عن حال الموسيقى الكلاسيكية في جزائر زفت عاصمتها الثقافية العربية مؤخرا؟ -الحديث عن الموسيقى الكلاسيكية بحد ذاته فيه شجون، لأننا مررنا بمراحل متعددة ومختلفة الوزن والمعروف عن الموسيقى أولا أنها معيار تقاس به الأمم في الحضارة، وهي حب الطيب وكراهية كل ما هو غير طيب، وهي أحد وسائل إصلاح الإنسان، ولحد الآن لم تعرف الموسيقى بطريقة عميقة دقيقة متكاملة، يرجع ذلك إلى تشعب مفاهيمها. ولما نعود إلى الفلاسفة فهم الذين أعطوا لها صورتها الحقيقية، وهي التربية الموسيقية التي تنمي العقل، ونحن سرنا على هذه الطريقة، لأننا أدركنا أن كل شيء يبنى على العلم والمعرفة، وهذا ما جعلنا نعمل في إطار أكاديمي منظم، وهي أيضا لغة البشرية جمعاء تستطيع من خلالها كل الأجناس مهما كانت صفتها أن تتناول المشاعر والعواطف، هي عجيبة لكن غريبة الأطوار، ونحن نعيش عصر العولمة إن لم نحافظ على ثقافتنا "ستبتلعنا". - ماهو درو الموسيقي كمثقف فعال للتصدي لتحديات العولمة؟ -الموسيقي هي واحد من ضمائر الأمة، وهي بمثابة القاطرة التي توصلها إلى ركب الحضارة، بدون الموسيقى لا يمكن التقدم إلى الأمام، أصبحنا كمرآة تعكس حقيقة وواقع المجتمع، بعد نضال هؤلاء الموسيقيين الذين كانوا يحملون آلاتهم ويعزفون، في زمن كانت الموت تخيم عليه من حين لآخر. وهنا يحضر إلى ذهني ذلك الحفل الذي قدمناه سنة 1993 بمدينة عنابةوالجزائر كانت تعيش في أوج أزمتها، حيث دام الحفل قرابة الساعتين، وهنا كانت تعمل الفرقة في ظرف قاسي واستطعنا أن نسطر برنامجا سنويا بفضل أولئك الرجال. هل شاركت الأوركسترا السيمفونية في مهرجانات دولية؟ -نعم، سبق وأن شاركت الأوركسترا السيمفونية الوطنية في "مهرجان الموسيقى السيمفونية" بتونس وكنا أول اوركسترا عربية تشارك في هذه التظاهرة رفقة فرق أوروبية، وحققت وقتها نجاحا مميزا سمح لنا بأن نعرف بمواهبنا خارج الوطن، ومثلنا الجزائر أحسن تمثيل بشهادة المنظمين. كما شاركت في مهرجانات أخرى بفرنسا، والعراق... ماذا عن حضور الروح الشرقية في ريبرتوارالأوركسترا ؟ لعل تعاملنا أوركسترا دار الأوبرا المصرية دليل على ذلك ، كما هو مقرر في برنامجنا المسطر خلال السنة الجديدة استضافت مجموعة من الفرق الموسيقية الكلاسيكية العربية في إطار التبادل الثقافي بين البلدان العربية والجزائر، ولتقديم مادة فنية نمزج فيها بين الموسيقى الكلاسيكية العالمية الجزائرية والعربية. - بعد عشر سنوات من العطاء الفني في مجال الموسيقى الكلاسيكية هل حققت الأوركسترا أهدافها؟ -وصلنا إلى بعض الأهداف المسطرة، حيث أن الأوركسترا تتكون من قرابة ستين موسيقيا جزائريا محترفا، تكنوا في مدارس جزائرية أخرى وأجنبية، وأكثرهم من الشباب، مثلا في وهران قمنا بإنشاء أول أوركسترا جهوية ستشرع قريبا في العمل. كما يتضمن "ريبرتوار" الأوركسترا الوطنية العديد من الإنجازات السيمفونية المستوحاة من الريبرتوار العالمي لبتهوفن، موزار، تشايكوفسكس ...، و"ريبرتوار" آخر خاص بمجال الأوبرا، وقمنا مؤخرا بإصدار "سي دي" يتضمن مقاطع لروائع الموسيقى الجزائرية والعالمية. وماذا عن "سي دي" "سيمفونية الجزائر للسلام"؟ -أشكر الموزع والملحن رشيد صاولي الذي أخذ مقاطع من التراث الجزائري" وأعطاها طابع سيمفوني عالمي تتماشى و"الريبرتوار" العالمي المعروف، مثل أغنية "بختة"، "البارح" للراحل الهاشمي قروابي، "شهلة لعياني"، "أهلا وسهلا" ...، نتمنى لهذا "المزيود الأول" أن يكون حاضرا في العالم دون أي عقدة. ما هي مشاريعكم في المستقبل، وما الجديد الذي ستقدمه الأوركسترا ؟ -نعمل إنشاء الله مستقبلا على جعل في كل منطقة مدرسة موسيقية تدرس على الطريقة الأكاديمية ، ستكون وجهتنا الثانية مدينة باتنة وبعدها أوركسترا الجنوب، وبشأن برنامج 2008 سنقوم في السداسي الأول، أي إلى غاية شهر جويلية القادم باستضافة موسيقيين عرب وأجانب، وسنقوم بإعداد أوبرا عربية بالتنسيق مع أوركسترا دار الأوبرا المصرية، ونشارك في حفل باليونسكو في شهر جوان القادم، أما بمناسبة عيد الاستقلال سنحي حفلا على نفس منوال حفل الاختتام الرسمي لجزائر "عاصمة الثقافة العربية"، فضلا عن الجولات المحلية للولايات الأخرى. - الكلمة الأخيرة لك الأستاذ بوعزارة؟ -لنجعل من الثقافة إطارا لإثراء فكر الإنسان وتشبعه بالقيم الإنسانية النبيلة.