في ظلّ الديناميكية التي تعرفها البلاد نحو الانتقال الى مرحلة جديدة وهو أمر طبيعي في حياة الأمة، يبقى الاقتصاد بكافة مؤشراته البوصلة التي لا يجب الابتعاد عنها وبالتالي إدراك المخاطر والتحديات حتى لا يقع المجتمع في قبضة مخالب أزمة تنجم بالضرورة عن أي تعثر أو تعطيل لوتيرة الانتاج في كل القطاعات. يحذر خبراء مستقلون من أن التداعيات الناجمة عن عدم استقرار المجتمع وإقحام المنظومة الاقتصادية في أمواج الحراك الذي يلقي بظلاله على الساحة في ظلّ اتجاه احتياطي العملة الصعبة للانكماش في غياب بدائل مالية، سوف تضع الأمن الاقتصادي على درجة من الخطورة. وينبغي التزام الحيطة والحذر في التعاطي مع الظرف الراهن بتوخي الحد الأدنى من المسؤولية لحماية القدرات الوطنية والثروة الموجودة في كل القطاعات ومن ثمّة إعادة ترتيبها في السوق على كافة المستويات من استثمار وانتاج وتسويق وتصدير وفقا لمعايير التنافسية. إن المعركة تتطلّب توظيف كل تلك الطاقات التي أظهرها الشارع في دواليب المنظومة الاقتصادية من أجل تحسين معدلات النمو، بحيث يمكن من خلال رد الاعتبار لقيمة العمل وتكافؤ الفرص والنهوض بالكفاءات وكسر البيروقراطية والفساد الانتقال الى مصاف البلدان الناشئة. وليس المشكل في تعثر مسار وإنما في عدم ادراك الاختلالات ومعالجة مواطن الخلل، ولذلك يستوجب النظر للواقع بكل الجراة المطلوبة من أجل تجاوز الظرف بالقوة والانسجام اللازمين حتى يكون البلد مع موعد الانطلاق باتجاه النمو. في هذه الاثناء لا يحقّ لبعض المحسوبين على فئة الخبراء الذين يتسابقون على منابر التلفزيونات تسويق تصورات غير دقيقة تصور بسلبية كل ما تحقق منذ الاستقلال ومغالطة الرأي العام بأوهام لا يمكن تصديقها. حقيقة للجزائر موارد وامكانيات وطاقات لكن تتطلب أن ينخرط الجميع في استثمارها وفقا لقواعد اقتصادية واضحة ترتكز في الأساس على حرية المبادرة والنزاهة في التشخيص والمسؤولية في التحليل والصدق والاتقان في العمل. أن القوى الاقتصادية التي توجد في الساحة قادرة على تقديم البدائل إذا أدركت التحديات والتزمت بقيم التغيير التي تشكل اليوم قاسما مشتركا بين أفراد الشعب الجزائري، وابرزها نبذ الغش ورفض أي شكل من الفساد الذي يشكّل تهديدا للأمن الوطني الشامل. وبتلك الصورة التي انتزعت التقدير والاعجاب يمكن انجاز النهوض بالاقتصاد الوطني في ظل عزل كل ما من شأنه أن يشكّل خطرا على مستقبل البلاد، بحيث توفر المناعة أمام بقايا ممارسي الفساد ممن يمارسون تضخيم الفواتير والتلاعب بالصفقات والغش في النوعية وغيرها من الأفعال التي لا يمكن أن تستمر اليوم. ولا تزال للجزائر امكانيات وطاقات قادرة على صنع الفارق محليا ودوليا إذا تمّ توظيف كل تلك الإرادة القوية للإنسان في تنشيط الدورة الانتاجية انسجاما مع سلم القيم الذي برز في المشهد في صور تعاون وبذل وتضامن وصدق لخدمة الجزائر والأجيال القادمة، التي يحقّ لها أن تجد الحدّ الأدنى من شروط الكرامة والطموح للرفاهية، ولذلك يجب الحرص على دقة البوصلة الاقتصادية، لأنها تنير دروب المستقبل.