دقت مؤشرات بنك الجزائر النقدية والمالية جرس الإنذار المبكر خاصة فيما يتعلق بتآكل احتياطي الصرف بشكل يتطلب متابعة ورصد للمعطيات في المدى القريب والانتقال إلى اتخاذ الترتيبات العملية لوقف استنزاف الموارد المالية وتعويض الحجم المالي المفقود Manque à gagner) (جراء انهيار أسعار المحروقات بالتركيز على تقويم مواقع الخلل ومعالجة النقائص المسجلة ضمن ضوابط تمنع حدوث وضعيات سلبية تعيد إنتاج ندرة في السوق أو بيئة للفساد من احتكار ومضاربة قد تنجم عن تفعيل نظام رخص الاستيراد المثير للجدل. إنها مؤشرات تحتاج الى ان يتناولها كافة المتعاملين الاقتصاديين والخبراء المهتمين بالموضوعية قصد مرافقة القائمين على تنمية الاقتصاد الوطني في استدراك الموقف بالفعالية المطلوبة في إطار حوار وتبادل للتصورات، مما يؤدي إلى ابراز خيارات ممكنة الانجاز وبأقل كلفة وبأسرع ما يمكن درءا لاحتمالات تتهدد وتيرة التنمية، ومن ثمة تستدعي انخراط كافة الشركاء الذين لديهم قناعة راسخة برفع تحدي تجاوز مرحلة التبعية للمحروقات نحو ارساء اقتصاد متنوع وبديل قادر على إنتاج الثروة. ولم تعد المرحلة تحتمل مزيدا من التنظير والتحاليل بقدر ما تنتظر إحداث حالة تحوّل عميقة في التصورات لبرامج بديلة تقوم على تنمية روح المبادرة المنتجة للثروة الحقيقية ذات القوة التنافسية، وردّ الاعتبار لقيمة المال العام والخاص باعتباره من الموارد الأساسية للمجموعة الوطنية. لقد أصبحت الظروف مواتية للنهوض بالمؤسسة الاقتصادية الجزائرية (عمومية، خاصة وبالشراكة)، ولا يتطلب الأمر سوى اطلاق المبادرة باعتماد المعايير الدولية ومن أهمها تنمية الموارد البشرية وتأهيلها والدفع بالكفاءات إلى مواقع اتخاذ القرار الاقتصادي في كافة القطاعات ورد الاعتبار لمنظومة القيم. وبالفعل ما أحوج الساحة الاقتصادية والمالية الى تلك القيم التي تعطي للبلدان المتقدمة مناعة وقدرة على تجديد الروح الاقتصادية، ومن أبرز تلك القيم الخلاقة للثروة والمحصّنة لها العمل المتقن والابتكار المجدّد ومكافحة الفساد كقناعة لا تحتاج إلى مراقب إنما يتكفل بها الضمير. ولكن هل لهذه القيم المؤسسة "لأخلقة" الحياة الاقتصادية وجود في برامج التكوين وإعداد رجالات الاقتصاد والمال والأعمال؟. ويمكن توقع مدى الكسب لو يدفع المتعامل الضريبة ويصرح لدى الضمان الاجتماعي ولا يغش في البضاعة ويلتزم بالقانون الجمركي ولا يدمر أدوات الإنتاج. بلا شك لا يكفي فقط التحكم في الأرقام وإجادة تناولها وتشخيص انعكاساتها على النمو، إنما حتى تستمد التقنيات الاقتصادية روحا تؤثر في الأداء حيث تنتج الثروة كل يوم، ينبغي إحاطة الساحة الاقتصادية والمالية بمنظومة تلك القيم حتى تندرج في المسار المسطر لها في كل مواقع إنشاء الثروة في المصانع والمزارع والورشات وحيث تحرس مقدّرتا الأمة وتوظّف للأجيال في البنوك والمصارف والأسواق الداخلية والخارجية. لذلك، ألم يحن الوقت لتدرج منظومة القيم كمقياس في التكوين العالي للإطارات المؤهلة لإدارة الاقتصاد وقيادة دواليبه، فيتحصّن بها المسيّر والمحاسب والمستثمر وغيرهم ممن يقررون في مصير مقدرات الامة أمام الاغراءات وكافة ما يتعرض إليه المشهد الاقتصادي المفتوح على الأسواق الخارجية الواقعة تحت هيمنة الشركات متعددة