بينما كان الليبيون ينتظرون عقد المؤتمر الوطني الجامع الذي دعا إليه المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة لدفع العملية السياسية المتعثّرة، فاجأ اللواء المتقاعد خليفة حفتر الجميع بالتحرُّك غربا في اتجاه العاصمة طرابلس، بدافع ظاهره القضاء على الميليشيات الإرهابية كما قال، وباطنه الهيمنة على الغرب الليبي بعد أن فرض سيطرته على مجموع أراضي البلاد،وكل هذا مدفوع برغبة جامحة لم يخفها الرجل، في بلوغ سدّة الحكم التي يرى نفسه أولى بها نتيجة المكاسب التي حقّقها على الأرض،ثم الدّعم الذي يتلقاه من دول عربية وغربية تقدّمه على أنه رجل ليبيا القوي الذي يجب أن يتولى مقاليد الحكم. إن التطوّرات الخطيرة التي تشهدها ليبيا في المدّة الأخيرة، تثير الكثير من علامات الاستفهام عن السبب وراء عملية حفتر العسكرية في طرابلس، لماذا الآن بالتحديد، وهل هناك جهات تحرّكها من وراء الستار، ثم ما مدى خطورتها وانعكاسها على الوضع الأمني المتردي في البلاد؟ في الواقع ليس من السهل فهم واستيعاب ما يجري في الشقيقة ليبيا في ظلّ الفوضى العارمة التي تغرق فيها مند ثماني سنوات، لكن من المهمّ التأكيد بأنه ومنذ بروزه على الساحة السياسية الليبية عقب الإطاحة بالنظام السابق، وحفتر يسعى لأن يكون هو البديل السياسي والعسكري في البلاد، بل ويتطلّع إلى بلوغ سدّة الحكم، كما أنه لم يدّخر جهدا لتشكيل شبكة من العلاقات مع جهات داعمة، بينها دول عربية وازنة، يستمد منها قوته العسكرية وإصراره على أن يكون رئيسا. وبالنسبة للكثيرين، فإن رغبة حفتر الجامحة في بلوغ رأس السلطة بليبيا، قد تتقاطع دون قصد منه مع أهداف إقليمية وغربية، يرمي بعضها إلى وأد التغيير خوفاً من انتقاله إليها، والبعض الآخر يريد إخضاع هذا البلد النفطي بالكامل تحت سيطرته لاستنزاف ثرواته التي باتت بالفعل مشاعة للجميع. وبين طموحه السلطوي، وأطماع الدول التي تدفعه إلى تصعيد الوضع في ليبيا، يتجلّى بوضوح أن حفتر، لم ينسف المؤتمر الوطني الجامع الذي كان الليبيون يعلقون عليه الكثير من الأمل للخروج من عنق الزجاجة فقط،وإنما هو يدفع بالبلاد إلى أتون حرب أهلية ستأتي على الأخضر واليابس في ليبيا وستحرق بلهبها المنطقة كلها. لهذا على المجتمع الدولي، أن لا يدفن رأسه في الرمال كالنعام حتى لا يرى الفظائع التي ترتكب في ليبيا، بل عليه أن يتحرّك لإطفاء اللهب قبل أن يتحوّل إلى نيران حارقة، وعلى الدول التي تؤجّج الوضع من وراء الستار أن ترفع أيديها عن العبث بأمن الليبيين، فيكفي ما عاشه السوريون والعراقيون وما يعيشه اليمنيون من ويلات. ليبيا اليوم على حافة الهاوية، ودماء شعبها تسيل، فمن يوقّف النزيف قبل أن يجرف المنطقة بأسرها؟