محتالون يستهدفون المسنين لسلب أموالهم    مستحضرات التجميل تهدد سلامة الغدة الدرقية    الشروع في إنجاز سكنات "عدل 3" قريبا    الرئيس تبون جعل السكن حقّا لكل مواطن    مجلس الأمن: مجموعة "أ3+" تؤكد على ضرورة احترام سيادة سوريا وتدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار    الرابطة الأولى موبيليس - تسوية الرزنامة: شبيبة القبائل ينفرد مؤقتا بالصدارة وشباب بلوزداد يواصل سلسلة النتائج الايجابية    الوضع العالمي مؤسف.. والجزائر لا تريد زعامة ولا نفوذا في إفريقيا    تتويج مشروع إقامة 169 سكن ترقوي بتيبازة    افتتاح الملتقى الكشفي العربي السادس للأشبال بالجزائر العاصمة    عناية رئاسية لجعل المدرسة منهلا للعلوم والفكر المتوازن    شياخة: هذا ما قاله لي بيتكوفيتش واللعب مع محرز حلم تحقق    "الكاف" تواصل حقدها على كل ما هو جزائريٌّ    صيود يسجل رقما وطنيا جديدا في حوض 25 متر    رفع مذكرات إلى رئيس الجمهورية حول قضايا وطنية هامة    حملة "تخوين" شرسة ضد الحقوقي المغربي عزيز غالي    "حماس" تؤكد إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار    "الوزيعة"عادة متجذّرة بين سكان قرى سكيكدة    لقاء السنطور الفارسي بالكمان القسنطيني.. سحر الموسيقى يجمع الثقافات    تأسيس اتحاد الكاتبات الإفريقيات    حكايات عن الأمير عبد القادر ولوحاتٌ بألوان الحياة    5 مصابين في حادث مرور    دبلوماسي صحراوي: "دمقرطة المغرب" أصبحت مرتبطة بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية    نجاح الانتخابات البلدية في ليبيا خطوة نحو استقرارها    الإطاحة بعصابة تروِّج المهلوسات والكوكايين    اليوم العالمي للغة العربية: افتتاح المعرض الوطني للخط العربي بالمتحف الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بالعاصمة    الجزائر تتسلم رئاسة الدورة الجديدة لمجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب    سوناطراك: استلام مركب استخراج غاز البترول المسال بغرد الباقل خلال السداسي الأول من 2025    "اللغة العربية والتنمية" محور ملتقى دولي بالجزائر العاصمة    المالوف.. جسر نحو العالمية    مشروع جزائري يظفر بجائزة مجلس وزراء الاسكان والتعمير العرب لسنة 2024    المحكمة الدستورية تكرم الفائزين في المسابقة الوطنية لأحسن الأعمال المدرسية حول الدستور والمواطنة    هيئة وسيط الجمهورية ستباشر مطلع سنة 2025 عملية استطلاع آراء المواطنين لتقييم خدماتها    ربيقة يواصل سلسة اللقاءات الدورية مع الأسرة الثورية وفعاليات المجتمع المدني    ترشيح الجزائر للسفيرة حدادي لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يهدف لخدمة الاتحاد بكل جد وإخلاص    آفاق واعدة لتطوير العاصمة    مولوجي: علينا العمل سويا لحماية أطفالنا    95 بالمائة من المغاربة ضد التطبيع    إلغاء عدّة رحلات مِن وإلى فرنسا    عطّاف يلتقي نظيره الإثيوبي    مولى: الرئيس كان صارماً    برنامج الأغذية العالمي يعلن أن مليوني شخص في غزة يعانون من جوع حاد    الاتحاد يسحق ميموزا    حرمان النساء من الميراث حتى "لا يذهب المال إلى الغريب" !    انطلاق فعاليات "المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية" : وزير الثقافة يدعو إلى ضرورة التمسك بالثقافة والهوية والترويج لهما    تصفيات مونديال 2026 : بيتكوفيتش يشرع في التحضير لتربص مارس    اتفاقية تعاون بين كلية الصيدلة ونقابة المخابر    وفاة الفنان التشكيلي رزقي زرارتي    سوريا بين الاعتداءات الإسرائيلية والابتزاز الأمريكي    جزائريان بين أفضل الهدافين    خطيب المسجد الحرام: احذروا الاغترار بكرم الله وإمهاله    المولودية تنهزم    90 بالمائة من أطفال الجزائر مُلقّحون    الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات    التوقيع على اتفاقيات مع مؤسّسات للتعليم العالي والبحث العلمي    باتنة : تنظيم يوم تحسيسي حول الداء المزمن    الصلاة تقي من المحرّمات وتحفظ الدماء والأعراض    كيف نحبب الصلاة إلى أبنائنا؟    أمنا عائشة رضي الله عنها..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصور، واحات النخيل، والفقارات...حكاية الأساطير والحضارات المتعاقبة
الشعب تكتشف رفقة الديوان الوطني للسياحة سحر أدرار
نشر في الشعب يوم 12 - 10 - 2011

أربعة أيام لم تكن كافية لاستكشاف جمال وسحر رائعة الصحراء الجزائرية “أدرار”، تلك الولاية النائمة على قصور وبقايا حضارات كثيرة تعاقبت على المنطقة فصارت اليوم تحكي للمارين بها والوافدين إليها تاريخ آثار وكنوز لا يمكن صنع شبيه لها، ولا للطبيعة محوها بحكم صلابتها وطبيعة مكوناتها المختلطة بتربتها الحمراء اللون وماءها الباعث بالحياة.
عندما تسمع اسمها لأول وهلة، يتبادر إلى ذهنك صور الصحراء القاحلة الموحشة، لفحة الحرارة الشديدة في يوم صيفي حار...وفراغ له بداية وليس له نهاية ولكن بمجرد أن تطأ رجليك أرضها ويعانق بصرك أطرافها الممتدة حتى تنحصر تلك الصورة السوداوية وتعود إلى الوراء فاسحة المجال لواحات النخيل، الفقارات والقصور ثالوث الحياة برائعة الصحراء الجزائرية “أدرار” ولحظتها تعلو وجهك حمرة الخجل لأنك تجهل جزء من وطن كبير عرفناه فقط على خريطة صماء في كتب الجغرافيا.
الرحلة إلى ولاية أدرار، كانت في يوم مشمس ومعتدل بعاصمة البلاد، حيث لم تتجاوز حرارة يومها 27 درجة بالشمال، ركبنا طائرة الخطوط الجوية الجزائرية رفقة ممثلي الديوان الوطني للسياحة الجهة المنظمة للرحلة، وزملاء لنا من المهنة تجاوز عددهم العشرين شخصا، وبعد ساعة و45 دقيقة من التحليق على مناطق تنوعت تضاريسها بين السهول، والجبال والهضاب ومناطق مكسوة بالخضرة وأخرى قاحلة صفراء، حطينا الرحال بمطار أدرار في حدود الساعة الثانية بعد الزوال، حيث كانت الشمس باسطة أشعتها على المكان، وقبل أن تسبقنا خطواتنا إلى سلم الطائرة كانت أنظارنا تحلق يمينا وشمالا ملتهمة كل منظر يقع أمامنا...المطار ارتدى حلة جديدة وكما يبدو خضع لعملية إعادة تأهيل، حيث ما تزال آلات تسوية الأرضية جاثمة بالمكان، ورائحة الدهان الأبيض يعبق أرجاء قاعة الاستقبال.
ودعنا طائرة البوينغ 737 ، التي أقلتنا من العاصمة، وركبنا بعدها حافلة “تيوتا” الصغيرة الحجم وضعتها السلطات الولائية لولاية أدرار تحت تصرفنا طيلة أيام الرحلة، وعلى متنها تعرفنا على دليلنا السياحي “عمي بشير” الرجل الطيب الذي لم تفارق الإبتسامة وجهه السمح منذ التقانا، وراح بمجرد أن سمع شكاوينا بارتفاع درجة الحرارة حيث تجاوزت ال45 درجة يومها، يمازحنا بالقول “هذا و لاشيء بالنسبة لنا، ولكننا تعودنا وراضين بالأمر فاللّه سيدخلنا الجنة مباشرة دون عقاب بعد أن أحرقتنا حرارة الشمس في الأرض” ولكنه عاد وطمأننا بأن هذه الحرارة لن تضرنا لأنها في الأصل دواء لمن يعاني من مرض المفاصل.
وبين عين تريد أن تغفو لحظة لطرد تعب السفر، وأخرى ترفض الإستسلام للنوم حتى لا تفوت أي مشهد من الرحلة، رحنا نكمل طريقنا على أرض معبدة باتجاه فندق توات، الواقع وسط المدينة لأخذ قسط من الراحة قبل إكمال مسيرتنا وفي الطريق إليه ظهرت لنا أدرار هادئة بشوارعها وبناياتها الحمراء اللون المستمدة من لون تربتها، ذات طابع معماري أصيل يعكس ثقافة أهل الصحراء، وبين كل شارع وشارع كانت أشجار النخيل تبعث بضلالها مشكلة سدا منيعا أمام أشعة الشمس الحارقة.
نهاية العين ...أروع ما أبدعته يد الإنسان
مكوثنا بفندق توات، لم يدم طويلا إذ سرعان ما رن هاتف غرفة تقاسمتها مع زميلة لي من وكالة الأنباء الجزائرية يطالبنا المتصل بالنزول إلى بهو الفندق لمواصلة رحلة الاستكشاف...الزمان الرابعة والنصف عصرا والاتجاه منطقة تمنطيط.
على مسافة 10 كليومتر من السير، وجدنا أنفسنا وسط قصور وواحات نخيل تسحر الألباب والعقول رغم أن الجزء كبير منها تهاوى بفعل العوامل الطبيعية والمناخية ولامبالاة المسؤولين... نهاية العين وهي الترجمة الحرفية للكلمة الأمازيغية تمنطيط مثلت لقرون عدة عاصمة الولاية، وهي محورا رئيسيا بين قصور المنطقة ومحطة جد مهمة لأسواق القوافل بين تجار شمال الجزائر وبلاد السودان، استقرت بها العديد من القبائل وكونت كل قبيلة قصورها في شكل قصبات تتجاور بناياتها في شكل هندسي جذاب، لا يمكن التعرف على بدايته من نهايته إلا عند حدود الأبواب حيث لا تظهر لا نوافد ولا شرفات ويجمع بينها دروب طويلة ضيقة تحمي السكان من حرارة الشمس إذ يمنح السقف المصنوع من سعف النخيل بعض الانتعاش ولطافة الجو، جعلت السائح قديما يأتي لزيارة قصر بالمنطقة في مدة يوم غير أنه يجد نفسه قد مكث سنة كاملة وهو يكتشف عبقرية الإنسان الصحراوي الذي جمع بين اللمسات العربية الإسلامية و المحلية و الطراز السوداني الجديد، جسدها في قصور وصل عددها عدد أيام السنة.
يأتي صوت رئيس بلدية تمنطيط، من بين قصور بقت بعض أجزاءها شامخة غير متأثرة بتغيرات المناخ، والعوامل الجيولوجية يدعونا إلى إتباعه لمكتبة المنطقة ذائعة الصيت، حيث يأتيها الطلبة لحد الآن من كل فج عميق ينهلون من معارف شيوخها، ومن العلوم المخزنة في كتب ومراجع يعود تاريخها إلى 7 قرون خلت، فالمكتبة البكرية وهي أول مكتبة في منطقة توات أسسها ميمون بن أعمر في أواخر القرن التسع الهجري بلغ عدد مخطوطاتها في العدد 11 هجري إلى 3600 مخطوط ، تعرض معظمها للإهمال والضياع .
ونظرا لقيمتها العلمية شهدت تمنطيط في قديم الزمان زيارة المؤرخين والرحالة العرب والأجانب، فقد زارها ابن بطوطة أثناء رحلته سنة 1353 م و الرحالة أبو سالم العياشي سنة 1050 م و المستكشف الألماني جيرهارد رولفس سنة 1864 م ، كما ذكرها ابن خلدون وليون الإفريقي في رحلته نحو تومبوكتو.
في أحضان بوابة الواحات الحمراء
كانت الساعة التاسعة صباحا حينما حزمنا حقائبنا مودعين عاصمة ولاية أدرار على أمل الرجوع لها في نهاية الجولة، استعجلنا مدير السياحة للولاية والوفد المنظم للرحلة بصعود الحافلة لأن أمامنا مسيرة طويلة للوصول إلى تيميمون أو عاصمة القورارة، حيث تبعد ب200 كليومتر...ظهرت المباني الحديثة التي غزت شوارع وحارات أدرار بعيدة ونحن نقطع الطريق باتجاه الواحة الحمراء، كما تقلص الطريق إلى مسار واحد وضيق تكاد تمر مركبة واحدة عبره، ويخلو من أي معالم الحياة فلا نخيل ولا شجيرات ولا نباتات صحراوية غير أنها ليست منعدمة إذ كلما اقتربنا من مجمع سكني إلا وظهرت معه النخيل التي تزين مدخل المسكن أو حوشه.
مررنا بقرية، كبرتن، وأوفران وببلدية أوقروت وبين تلك المناطق كانت سطح الأرض يختلف فأحيانا تظهر رمال ذهبية اللون، وأحيانا أخرى رمادية بفعل الحجارة والصخورة المبعثرة هنا وهناك وبين سطح مستوي ومرتفع أحيانا أخرى رحنا نتابع مشاهد طريق صحراوي طويل تظهر وسطه شجيرات النخيل أحيانا، وأحيانا أخرى بقايا قصور لازالت محافظة على هندستها المعمارية الرائعة، وقبل ذلك توقفنا عند “مقهى الريح” موجودة بالقرب من نخلتين عملاقتين على جانب الطريق اتخذه أحد شباب المنطقة متجرا لبيع بعض الأكل الخفيف كالبيض والخبز، والشاي، وبات موقف استراحة للمارين وللزائرين للمنطقة.
واصلنا السير، على طريق ملتوية تزينها جبال الصخور الداكنة اللون، وفجأة ظهرت على إحدى الجانبين لافتة مكتوبا عليها تيميمون ترحب بكم وبالجهة اليسرى من مدخل المدينة بدت ساحة زاوية سيدي الحاج بلقاسم هادئة فموعد الإحتقالات بالمولد النبوي الشريف مازال بعيدا حتى تغص الساحة بالزائرين القادمين من مختلف ولايات الوطن لإحياء الذكرى العطرة.
واصلنا السير وسط مدينة تشبه سكناتها بنايات عاصمة الولاية، فاللون الأحمر الطيني منتشر بكل مكان وعلامة يد الإنسان التي تعد ارث حضاري تزين واجهة المباني في شكل هندسي جذاب، وما زاد المكان روعة أشجار النخيل الباسقة والتي ألقت بضلالها على الشوارع والحارات وبعثت بالجو بعض الانتعاش.
قطعنا الشارع الرئيسي بعجالة على أمل العودة إليه في المساء حيث يحتضن احتفالات المخلدة لليوم العالمي للسياحة المصادف ل27 سبتمبر من كل سنة، كانت التحضيرات جارية على قدم وساق، المنصة نصبت والأعلام رفعت ولحظة رؤيتنا لتلك الحركية زاد فضولنا لاكتشاف تراث المنطقة التاريخي وفلكلورها المميز الذي طالما سمعنا عنه في وسائل الإعلام وقرأنا عنه في الكتب والمجالات.
قبل ذلك كان دليلنا قد قطع بنا أشواطا في دروب القصور القديمة خلف الشارع الرئيسي لتيميمون حيث تختفي بنايات الخرسانة والطرق المعبدة لتفسح المجال لبنيات الطوب الأحمر والرمال الذهبية وواحات النخيل الغناء، التي تتغذى من مياه الفقارات منظر يعجز اللسان عن وصفه والكلمات عن إيفاء حقه، ولكن ما حز في نفوسنا وضعية القصور التي تعرضت معظمها إلى التآكل بسبب العوامل الطبيعية وإهمال الإنسان لها، وكما بدا لنا وزارة الثقافة غائبة كلية عن المنطقة وبعيدة كل البعد عن همومها ومشاكلها وإلا كيف نفسر ترك معالم تاريخية وحضارية تضيع دون اتخاذ أي خطوة لترميمها وحمايتها.
انتهى بنا الدرب الرملي، الذي زينت جانبيه القصور وواحات النخيل إلى هضبة صغيرة تتربع عليها قرية العطل جنان المالك حيث تطل على واحة غناء أبدع الإنسان في ترتيبها، جعلتنا نقف مشدوهين إلى المنظر الساحر فحينما يجتمع النخل، والقصر والماء يرسم لوحة تنبض بالحياة يأسرك منظرها ويجعلك تعيش لحظات متعة تتمنى لو تبقى ولا تنتهي.
أهل الليل تراث محلي يدخل العالمية
أعادتنا خطواتنا، إلى وسط المدينة وبالضبط إلى الساحة القريبة من ديوان الوطني للسياحة، حيث نصبت المنصة، ورفعت الأعلام إحتفالا باليوم العالمي للسياحة، الذي تزامن وذلك اليوم، ونحن نسير باتجاه المكان فوجئنا بسفينة الصحراء تتهادى وسط الطريق وقد فسح سائقو السيارات لها المكان، يظهر أنها جزء من تحضيرات العرض الذي سيقدم بالمناسبة، فيما اصطف مئات المواطنين وراء السياج ينتظرون بدأ الاحتفال وكلهم نشوة وفرح ففي مثل هذه المناسبات تنتعش الحركية بالشوارع والحارات، كيف لا والفلكلور المميز للمنطقة سيزين سماءها و يشدوا بأعذب الألحان والكلمات التي تناقلها الصحراويون جيل عن جيل.
ولعل من أبرز الموروث الثقافي الذي تناقله الصحراويين عن أجدادهم أهل الليل برز عند الزناتيين بمنطقة القورارة، وبدأ يؤدى هذا النوع الفلكلوري في الليل من قبل مجموعة من الرجال، يجتمعون في شكل دائري في وسطه سقف أباشنيو، أو المغني الرئيسي في الفرقة يرافقه باب أن تامجا، أو العازف على الناي وباب قلال أو العازف عن الطبل.
يقف أعضاء فرقة أهليل الواحد أمام الآخر ويبدأون في ترديد الغناء الذي كان يتضمن شعر الغزل والجمال ومفاتن الصحراء، ليتحول بعد دخول الإسلام إلى تهليل بذكر الله، ونعمه ومدح النبي صلى الله عليه وسلم، ومآثر الأنبياء، وقد صنف أهليل في 2005، كتراث عالمي شفوي من طرف منظمة اليونسكو، ويعمل الصحراويون لحد الآن على الحفاظ عليه حتى أن البعض صار يطلق عليه اسم الحزب الصغير.
ويختلف الكثيرون في أصل تسميت أهل الليل، فمنهم من يقول أنه اسم أطلق عليهم كون الفرقة كانت تغني في الليل بعد إطفاء الأنوار، حتى لا يري أحد الآخر استحياء من الأب أو الأخ عند إلقاء قصائد الغزل، ومنهم من يقول أن أهل الليل نسبة إلى التهليل التي كانت تؤديه الفرقة، وبين هذا وذاك يبقى أهل الليل تراث شعبي متميز يبعث الراحة في النفس ويملك العواطف والشعور.
ومن يمارس أهل الليل يشعر بنفسه يطير عندما يصل إلى درجة من الحمدلة والبسملة.
ويمارس هذا الفن في المناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف، وفي الزوايا عند إحياء ولائم الأولياء الصالحين ومع مرور الوقت أصبح يمارس في الأعراس، ويتغير نوع القصائد الملقاة بتغير المناسبات والوقت، فإذا اقتربت صلاة الفجر تبدأ القصائد الداعية للصلاة، وإذا تجاوز وقت الصلاة بدأت قصائد التهليل بالبسملة والحمدلة وذكر الله، في حين تلقى قصائد الغزل في الأعراس.
ويحكي أهل المنطقة عن سحر ودور أهل الليل في الحياة الاجتماعية حيث تساهم قصائدهم في جمع أهل المنطقة وإزالة كل الأحقاد.
خان القوافل من دعم الثورة
إلى حماية صحاري العالم
في اليوم الثالث من الرحلة، كنا على موعد مع اكتشاف قصور تيميمون الكثيرة المنتشرة هنا وهناك، ولأن كل منطقة تضم قصورا، فقد صعب علينا تحديد الوجهة الأولى غير أن العارفين بجمال وروعة الواحة الحمراء، راحوا يوجهوننا باتجاه فاتيس هذه المنطقة الصغيرة التي تحاول الحفاظ على صناعة النسيج أحد إرث الأجداد القدامى، وفي مركز الصناعات التقليدية راحت أنامل رقية، وزهراء، وفاطمة تنسج زربية اتخذت من خيوط الصوف البيضاء والسوداء مادة أولية لطرز أجمل الأشكال الهندسية التي حفظنها من الأمهات والجدات، فزربية فاتيس المشهورة برمزها المتناسقة والمتناغمة صارت تنافس الصناعات التقليدية العالمية دون عقدة أو حياء.
ساقتنا خطواتنا، بعد ذلك إلى مغارة إغزر، التي نحتها المياه بدقة مشكلة سراديب عميقة تصل إلى 30 كليومتر في بطن الجبل، وتقول الأسطورة أن هذه المنطقة الرطبة كانت عبارة عن بحر ما تزال أثاره بادية على الجبال القريبة.
ولأن الجغرافيا والتضاريس مرتبطة بالتاريخ، كان علينا التوقف عند خان القوافل بمنطقة تينركوك، الذي اتخذه التجار القادمين من الشمال إلى الجنوب معبرا لتمرير السلاح للمجاهدين إبان الاحتلال الفرنسي، الأمر الذي جعل السلطات الفرنسية يومها تهرول لبناء ثكنة عسكرية للتضييق على الثورة بالجنوب لاسيما بعد أن اندلعت العديد من المعارك تكبدت على إثرها هزائم نكراء، وقد اتخذت من هذه الثكنة مركزا للتعذيب ومراقبة كل تحركات القوافل التجارية.
وبعد خروج المستعمر، تعرضت هذه الثكنة إلى الإهمال من سنة 1962 إلى 2003، لتتحول بإنشاء منظمة صحاري العالم إلى مركز للتبادل الثقافي ما بين جميع أقليات الصحاري الموجودة في العالم على غرار التوارق، الأوزباك، المنغول وغيرهم، بهدف إعادة الاعتبار للإنسان الأول والحفاظ على الأنظمة البيئية الموجودة في الصحاري بعد أن حولها البعض إلى مركز لرمي النفايات ومكان لإجراء التجارب النووية مثلما حدث في رقان.
سحر الغروب على طريق تالة
لا يمكن لأي زائر أو سائح أن يغادر تيميمون قبل تسلق الكثبان الرملية بطريق تالة ومشاهدة غروب الشمس الساحر من أعلى قمة بها، حيث يمتزج لون الشفق الأحمر باللون الذهبي للرمال في لوحة نادرة تظهر مدى قدرة الخالق في أرضه وجمال طبيعة عذراء قلما تجد شبيها لها على أرض المعمورة.
وما إن تحط رجلك بالمكان، حتى تجد نفسك مندفعا لأعلى الكثبان الرملية المتواجدة بالمنطقة والتي يزيد علوها عن ال 150 متر، فسحرها ولونها الذهبي يجذب كمغناطيس لا يمكن مقاومته ..كنا نتسابق فيما بيننا فمن يمكن له أن يكسب التحدي ويصل قمة الجبل الرملي قبل الآخر؟، في البداية ظهرت لنا المهمة سهلة خاصة وأن سطح الرمل بدا لنا متماسكا، غير أنه سرعان ما كانت تغوص أرجلنا إلى أعلى الركبتين فيثبط الرمل سيرنا ويصعب من المهة، ولكن الإصرار على بلوغ القمة ومشاهدة غروب الشمس دفعنا للمواصلة ومؤازرة بعضنا البعض حتى أنه فيه من أعضاء الوفد من اضطر أن يمسك بيد زميله حتى يضمن عدم تفويت فرصة نادرة قد لا تكرر.
ولأننا نجهل فن تسلق الكثبان، رحنا نصعد الجيل الرملي من وسطه، حتى نبهنا أحد سكان المنطقة ودعانا إلى صعوده من أحد جانبيه وهناك ستسهل المهمة لا محال، سمعنا النصيحة واتخذنا طريق الجانب الأيمن ولكن كانت المهمة تزداد صعوبة كلما اقتربنا من القمة حيث تكثر انهيارات الرمال مع تزايد هبوب الرياح ...تمكنا من اعتلاء القمة بعد أن كادت أنفاسنا تتقطع ولحظتها اختلجنا شعور غريب جمع بين الدهشة والانتصار...ظهرت تيميمون هادئة في سفح الرمال المتراكمة كأمواج ثابتة في محيط كبير وبالجهة المقابلة كانت الشمس تودعنا بأشعتها الحمراء المتوهجة رغم المحاولات اليائسة للغيوم بكتمها.
وفي أسفل الجبل الرملي ظهر أعضاء من الوفد كنقاط صغيرة متحركة وقد افترشت المكان لاحتساء بعض كؤوس الشاي تحت ضوء الشمس الهاربة، مثلما يفعله الكثير من السياح الأوربيون في أعياد نهاية السنة حيث يرفضون تفويت فرصة إحياء عيد الميلاد بهذه المنطقة بعدما سمعوا عن جمالها الذي لا يقاوم، خاصة إذا كان تحت ضوء القمر ليلة اكتماله.
وقد حدثني زميل لي من المنطقة، أن خصوصية تيميمون جعلت الوافدين إليها لا يقتصرون على الأشخاص العاديين فحسب، وإنما تعداه إلى الشخصيات السياسية والدبلوماسية التي تفضل قضاء أيام الراحة بهذه المدينة الجميلة، خصوصا خلال أعياد نهاية السنة فكانت تيميمون محطة مهمة للأمين العام السابق للأمم المتحدة بيريز ديكويلار منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وفي السنتين الماضيتين من القرن الحالي توافد عليها ملك إسبانيا وزوجته والوزير الأول البرتغالي، وسفراء دول معتمدة لدى الجزائر، إضافة إلى أمراء الخليج الذين يستمتعون بهواية الصيد في صحرائها.
نهاية الرحلة
لأن الأيام الجميلة تمضي هي الأخرى، ولأن لكل بداية نهاية فقد انتهت جولتنا في الجنوب الغربي للوطن، لتقلنا طائرة الخطوط الداخلية عائدين إلى مطار الجزائر العاصمة وكلنا أمل في أن تسوقنا الأقدار مرة أخرى إلى رائعة الصحراء “أدرار” ولكن كسائحين وليس عاملين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.