ظلت صامدة واقفة أمام هزات الانفتاح الفوضوي للاقتصاد الذي قضى على كثير من الشركات من نفس طابعها العمومي أو الوطني، كما كانت تسمى في وقت سابق، لم تتزحزح رغبة العمال أو المسيرين والإطارات في مواصلة العمل ولم يصبهم كلل أو الملل في السعي لرفع إنتاج إحدى أقدم الصناعات التقليدية العريقة بولاية جيجل. لازالت تعمل في هدوء وصمت بعيدا عن اهتمام سكان الولاية وليست لها الصيت الذائع كباقي الصناعات الكيماوية أو الميكانيكية الأخرى، فهي حرفة وثروة أزلية حبانا الله بها. مؤسسة الكاتمية للفلين بجيجل زارتها جريدة "الشعب" بإذن من المدير العام، فوجدنا حسن الضيافة وكرم الإصغاء للأسئلة والتساؤلات التي قوبلت برحابة صدر كبيرة. أما بطاقتها الفنية، فهي شركة تأسست في الزمن الجميل للصناعة الجزائرية ساهمت ب 45 بالمئة من الصادرات، فميلاد الكاتمية للفلين بجيجل كان عام 1978، أنشات لإنتاج الفلين الطبيعي المدد وهي شركة عمومية ذات أسهم حصيلتها إيجابية منذ سنة 2001 لا يوجد بها أي عجز مالي ولا توجد لها ديون لدى مصالح الضرائب أو البنوك أو مع الضمان الاجتماعي. قدرتها تفوق ال 9000 آلاف متر مكعب في السنة وهي قابلة للارتفاع ثلاثة أضعاف في حال توفر المادة الخام، وإنتاجها من الفلين أو المواد المكملة موجهة إلى السوق الداخلية بدرجة أكبر إلى قطاع السكن، كما يتوجه إلى السوق الخارجية بالضبط إلى فرنسا، تونس، إسبانيا وإيطاليا، وعدد العاملين بهذه المؤسسة العريقة يبلغ 110 عامل منهم من يشغلون مناصب مالية دائمة ومنهم من يعملون بالنظام التعاقدي. القيمة الإجمالية الخاصة بتحويل المادة الخام، تصل إلى 25 ألف قنطار في السنة قابلة للارتفاع أيضا كلما توفرت المادة الأولية والخام. الكاتمية للفلين بجيجل من المؤسسات الوطنية التي مازالت تساهم ولو بالقسط القليل في دعم الإقتصاد الوطني و زيادة نسبة الصادرات خارج قطاع المحروقات، فهي تصدر حوالي 4500 متر مكعب، بقيمة 450 ألف أورو سنويا. وقد تحصلنا على هذه الأرقام والمعلومات المتعلقة بالبطاقة الفنية أو التعريفية لهذه المؤسسة التي تحتل المرتبة الأولى وطنيا من حيث التصنيع من السيد مسالي سعيد، الرئيس المدير العام للمؤسسة الذي استقبلنا، حيث توقف عند المشاكل والعراقيل التي تعيق تطور الإنتاج والشركة في نفس الوقت، فاعتبر أن المشكل الأول الذي تعاني منه يتمثل في نقص المادة الخام، مما يضطرها في الكثير من الأحيان إلى شرائه من ولاية الطارف التي تحتل المرتبة الأولى في الإنتاج. وعن كيفية مواجهة هذا المشكل، اعتبر السيد مسالي السعيد أن الأمر بيد مديرية الغابات التي من المفروض أن تكون قد قامت بإعداد برنامج يهدف إلى تنمية وترقية الغابات المنتجة للفلين، وما دامت كل الظروف والإمكانات المادية قد تم توفيرها من قبل وزارة الفلاحة، فما على مديرية الغابات إلا الإسراع في تنفيذ هذا البرنامج، فمن غير المعقول، حسب المتحدث أن يكون هناك عجز في المادة الخام علما أن الجزائر تتربع على 230 ألف هكتار من الغابات المنتجة للفلين، ويجب أن يتم ضبط الطريقة المثلى للتسيير الحسن لها كي نطور من عملية الإنتاج. إيقاف تصدير المادة نصف الخام .. المشكل الثاني يتمثل في تصدير المادة نصف الخام وهذا ما اعتبره المدير العام ذي انعكاسات سلبية على الشركة وعلى الاقتصاد الوطني بصفة عامة ويمكن اجتنابها والحصول على أكبر قيمة مالية من العملة الصعبة وهذا من خلال تصدير المواد المصنعة فقط، أما نصف الخام، فهي بمثابة هدايا تقدم للأروبيين، فكيف نبيعهم مادة خام أو نصف خام ونحن بحاجة إليها في حين سيكون لبيعها مصنعة النفع الأكبر للشركة وللخزينة المالية، يتساءل المتحدث. وحسبه دائما، فإن التصدير كان يشمل حتى المادة الخام ولكن بعد الطلبات العديدة المقدمة أصبح الأمر مقتصرا على نصف الخام فقط، والذي لا زال يعرقل تطور الشركة والزيادة في الإنتاج، وقد فرض هذا الأمر ما يسمى بانفتاح السوق، لكن الضعف الذي يخيم على الاقتصاد في بلادنا يحتم حماية المنتوج الوطني، كما تفعل الولاياتالمتحدة مستعملة قدرتها الاقتصادية الكبيرة. مادامت مؤسسة الكاتمية للفلين تتمتع بكامل قواها المالية ولا تعاني من أي عجز، وما دام هناك كثيرون يريدون استثمار أموالهم، فما على الدولة سوى فتح رأسمال الشركة بغية تحقيق المزيد من الأرباح بدل البقاء في مكانها الحالي منكمشة على ذاتها معتمدة على أموال الخزينة العمومية فقط وهو الخطأ الذي دفعت ثمنه غاليا العديد من المؤسسات العمومية التي بقيت تقتات على دعم الدولة، فكان مصيرها الإفلاس. فالشركة يقول السيد سعيد مسالي تمنكت من تحقيق وثبة مالية لما استثمرت 15 مليارا من أموال الدولة، فوصلت إلى 35 مليارا وكلما كان رأسمالها كبيرا كلما كانت الأرباح كبيرة ولا تنقص سوى قليل من الجرأة والتخلص من الثقل الإداري الذي يعطل عمليات الاستثمار. ربط الأجور بالإنتاج وقد وجدنا طريقة ممتازة في تحفيز العمال وحثهم على رفع القدرة الإنتجاية وتتمثل في ضرورة إنتاج 40 متر مكعب في اليوم تكافئ بالحصول بزيادة على الأجر الشهري تصل إلى 5000 دينار. أما بخصوص السوق، فقد أكد لنا المدير العام أن المؤسسة بفضل سمعتها التي اكتسبتها من خلال الجودة الكبيرة لمنتجاتها الصناعية من الفلين ومن الشرائط العازلة التي تمزج مع مادة الألومنيوم، فإنها لا تعاني أبدا من مشكل الكساد وأن عملية بيع المنتوج تتم بسهولة وفي ظروف جيدة جدا، أما عن المتعاملين، فهي تتعامل مع الديوان الوطني للتسيير العقاري بصفة أكبر رفقة شركات البناء وأيضا مع المسوقين. وبعد الزيارة التي قادتنا إلى الأجنحة وقفنا خلالها على النسبة القليلة الباقية من المادة الخام والتي تكفي لمدة أسبوع فقط، وكذلك على العتاد الذي يعود إلى سنوات الثمانينيات ولكنه لا زال يقوم بوظائف الطحن والتحويل بطريقة جيدة جدا، حدثنا المدير عن الماضي العريق لولاية جيجل مع صناعة الفلين والتي تعود إلى عام 1880 والتي انتقلت من الطابع التقليدي إلى العصري ولازالت الولاية تحتفظ بالصدارة الصناعية لهذا القطاع على المستوى الوطني وتمول 40 بالمئة من السوق المحلية، فيما تراجعت إلى المرتبة الثانية من حيث الإنتاج وتعاني غابات جيجل من نقص المسالك التي تسهل عملية القلع. وعلى صعيد آخر، اعتبر السيد سعيد مسالي أن الملتقى الدولي الثاني للبحر الأبيض المتوسط الخاص بتحسين نوعية الفلين وتطوير الغابات الذي احتضنته جامعة جيجل يومي 18 - 19 من الشهر الجاري كان فرصة لترسيخ التعاون وتبادل الخبرات بين الدول الغربية للبحر الأبيض المتوسط وهي الجزائر، المغرب، تونس، فرنسا ، إسبانيا، وإيطاليا، البرتغال وحتى الصين التي تريد دخول عالم هذه الثروة التي لا تزول، وتواجه العديد من هذه الدول نقصا حادا في المادة الخام ولا تزال الجزائر تحتفظ بالمركز الثاني في المنطقة. مؤكدا على أن الأجانب يولون اهتماما بالغا بالتعامل مع مؤسسة جيجل للفلين ودائما ما تنال الإشادة والتقدير في المعارض التي تشارك فيها بالخارج. وقد يكون من الصراحة القول أن هذه المؤسسة العمومية تجعلك تحس بمزيج من الشعور بالفخر وشيء من الأسف والأسى في نفس الوقت على قلة الشركات والمصانع المماثلة في باقي الصناعات التي تساهم في رفع الاقتصاد الوطني.