أبدت الولاياتالمتحدةالأمريكية موقفا مؤيدا للتغيير السلمي في تونس وما أفرزته الانتخابات من نتائج أوصلت حزب النهضة إلى قمة الهرم السياسي بعد حظر طويل أبقاه في سدة المعارضة بالخارج. وظهر جليا الموقف الأمريكي المعبر عنه من كاتبة الدولة للخارجية هيلاري كلينتون المزيلة لأية التباس وجدل في هذا الشأن بالتذكير الصريح أن واشنطن تقبل التحول الهادئ في تونس وتداعياته وإفرازاته. وهي ذاهبة في اتجاه الاعتراف بالواقع التونسي المتغير وما قرره التونسيون من قطيعة مع الممارسة السابقة. وقالت كلينتون أن واشنطن تتعامل مع حركة النهضة وتتعاون معها باعتبارها القوة المسيطرة في تونس والمسندة إليها مهمة التحاور والتشاور مع التشكيلات السياسية الأخرى على تعديل الدستور. وفي التوجه الأمريكي تأكيد لمبدأ يحكم السياسة الخارجية الأمريكية ويسيرها في التعامل مع القضايا الراهنة والتحرك في الدوائر الدبلوماسية والمحيط الجيوسياسي المتغير بأسرع ما يمكن فارضا تحالفات جديدة. في هذا التوجه تأكيد على ما ظلت تنادي به واشنطن على طول من أنها تتعامل مع الحركات الإسلامية المعتدلة التي تنبذ العنف والتطرف. وتقر بمبدأ الحوار مع الآخر والتعايش معه دون إقصاء وتهميش أو إزالته بلغة السلاح. وحمل خطاب الرئيس أوباما في أول خرجة له بإسطنبول هذا المضمون بالضرب على وتر المحور الإسلامي المعتدل الممتد من تيطوان إلى أفغانستان دون السقوط في المساومة مع الحركات المتطرفة التي تتمادى في استعمال السلاح وسيلة وحيدة لفرض مشروع ترى انه الأنسب والأسلم للحكم في بلدان المسلمين. وكشف الرئيس اوباما من خلال خرجته انه يفضل محور العالم الإسلامي المترامي الأطراف على المحور العربي الذي يبدو أن أغلبية تركيبات وحداته السياسية متقبلة للمشروع الأمريكي المروج له بأشكال متعددة لكن يحمل نفس المضمون: تشييد خارطة الشرق الأوسط الكبير بأية طريقة. والدليل سقوط ما يعرف بالربيع العربي جملة وتفصيلا في الخطة الأمريكية وتحويله إلى بيدق في خدمة أهدافها. يكفي فقط إلقاء نظرة على كيفية حدوث التحول في ليبيا وانحراف التغيير في مصر على أيد القيادة العسكرية لكشف ما هو الظاهر والخفي. يكفي التفحص في الضغط الممارس على سوريا للاقتناع بان كل عملية تغيير تتم بضوء اخضر أمريكي وتسير به عن بعد وقرب. على ضوء هذه المتغيرات تتحرك السياسة الأمريكية وتتعامل معها مشجعة الحركات الإسلامية المتفتحة على الآخر المقرة بالديمقراطية التعددية التي يصنعها الاقتراع الشفاف النزيه دون القبول بالانحرافات المولدة لكل أشكال التطرف والتقتيل والحرب الأهلية. من هذه الحركات التي تنتهج هذا الأسلوب المهادن المعتمد على المبدأ المقدس المتمثل في الجدل بالتي هي أحسن حزب حركة النهضة التونسية التي ظل زعيمها الشيخ راشد الغنوشي يرافع من اجل ديمقراطية تأتي عبر الصندوق الانتخابي وليس الدبابة. ديمقراطية تتجادل فيها التيارات والحساسيات مهما تنوعت وتلونت على خدمة المشروع الوطني كل حسب قناعته وتوجهاته دون الاعتقاد الراسخ انه وحده يبني البلاد ويطورها باعتباره مالك للحقيقة المطلقة!. نجح الغنوشي من منفاه بلندن في كسر الحظر المفروض عليه وكشف للتونسيين انه اقرب إليهم من خلال فكره الأكثر حضورا المروج على الدوام للتغيير السلمي دون إقصاء الآخر. وبين خارطة طريق للمستقبل في كتبه ومداخلاته عبر الفضائيات تناشد تجاوز ديمقراطية الواجهة. وكشف عن مقاربة أخرى في البناء والإنماء تلعب فيها الحركة الإسلامية على غرار التجربة التركية الدور الريادي بالدعوة للتأقلم مع الواقع وعدم القفز على تناقضاته والتشديد على أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان. وهو حينما يحل يجري حوارا مع محيطه ينتهي إلى معادلة لا يتخلى فيها عن شخصيته وتعاليمه. وهناك دوما مناطق اجتهادية في هذا الدين الذي يرفض الإكراه والرهبانية المحبذ لمبدأ التعايش والتسامح في كل الظروف. وبهذه المقاربة التي لم تعتمدها الحركات الإسلامية في جهات أخرى كسب الغنوشي قوة وثقة واعتبارا أهلته لقيادة التغيير السلمي في تونس محل اهتمام ومتابعة العالم قاطب.