منذ أن استلمت السيدة كريستيان لاغارد رئاسة صندوق النقد الدولي، سقط أداؤها في إثارة قضايا اقتصادية بأبعادها السياسية وكل أنظار خبراء هذا الصندوق مشدودة إلى الصين، على أنها الجهة التي أحدثت كل هذه التفاعلات في آليات سيرالاقتصاد العالمي. وبهذا نكون أمام توجه جديد لصندوق النقد الدولي ونعني بذلك أنه يعمل حاليا على اعتبار الصين مصدر قلق بالنسبة لسيرورة الاقتصاد العالمي الذي يقع تحت سيطرة هذه الهيئة، وكذلك عجزه عن معرفة حركية المؤشرات التي إعتاد التحكم فيها قبل أن تدخل الصين هذا المعترك المالي والتجاري. ويلاحظ بأن خبراء صندوق النقد الدولي يبعثون بوسائل أكثر سياسية عندما يطلبون من الصين بعقلنة وترشيد سياستها النقدية وتيرة حتى لا تتأثر نظيرتها في الدول الغربية الغارقة في أزمات مالية حادة، لا تستطيع تسجيل أي إقلاع مرتقب في غضون الأجال القريبة. وهذا المنطق الراهن يوحي بأن المهمة التي كانت منوطة بهذا الصندوق والمتعلقة بترقية اقتصاديات الكثير من البلدان من خلال القروض والإعانات المالية مقابل شروط تعجيزية، لم يعد لها أي أثر في خضم الصعوبات والتعقيدات الحالية الناجمة عن عمق الأزمات المالية في الكثير من مناطق العالم. ولا يستبعد أبدا التفكير في رؤية اقتصادية أخرى لخبراء صندوق النقد الدولي تكون مبنية على مبدأ إعادة الاعتبار لهيبة هذا الصندوق من خلال رفع النظرة القائمة على الهيمنة والتسلط والسير بالعديد من البلدان إلى الإفلاس والانهيار والانتحار. لأن الطفرة الصينية في المجال الاقتصادي لم تترك لهذا الصندوق أي هامش يوحي بأن له القدرة على مرافقة أي بلد، وكلما أبدت لاغارد رأيا إلا ويتبعه مباشرة كلام صادر عن أوباما تجاه الصين. وكل تلك التصريحات في الوقت الحالي ما هي إلا مخاوف من أي طارئ قد يحصل خاصة للولايات المتحدة وتجاه رغبة أوباما في توفيرالملايين من مناصب الشغل في أمريكا، لذلك فإن الفرنسية كريستيان لاغارد أدخلت الأفامي في توجه جديد، ألا وهو السعي لحماية الاقتصاد الأمريكي وتناست المهمة المخولة لها في أنها مدعوة للدفاع عن مبادئ ومقاييس المعمول بها في هذه الهيئة بعيدا عن أي خلفيات. هذا الخيار البارز لرئيسة الصندوق ولّد حقا تحفظات لدى الكثير من البلدان التي تسيّر اقتصادياتها بحذر شديد تجنبا لأي أزمة معدة سلفا أو مخطط لها في آجال متوسطة، لذلك فإن الصندوق لم يتوان في القول بأن الانكماش الاقتصادي الحالي قد يوقع بحوالي 23 مليون شخص في الفقر بسبب التباطؤ الشديد في النمو، خاصة بالنسبة للبلدان التي لم تعرف ميزانياتها أي تحسن ملحوظ وكذلك في حالة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك. والأكثر من هذا، فإن الصندوق يرى بأن الإعانات الدولية انخفضت نظرا لفرض إجراءات تقشفية في الولاياتالمتحدة وأوروبا، وما تحتاجه تلك الدول المهدّدة بالسقوط في مطب الفقر هو 27 بليون دولار، كتمويل إضافي في سنة 2012، وبالأخص في افريقيا وآسيا.. هذا المؤشر الجديد، يؤكد أن الآفاق القادمة ستكون صعبة على هذا العالم، وأن تقرير الأفامي ذكر الولاياتالمتحدة وأوروبا ولم يتناول الصين أو بلدان أخرى، فمن أين يتم الحصول على 27 بليون دولار!؟ لا نعتقد بأن هناك آليات فعالة تسمح بأن يكون هناك اقلاع اقتصادي.. بل أن الأوضاع ستزداد سوءا، وهذا تحذير من الأفامي بأن هناك 23 مليون شخص آخر سيلحقون أو يضافون إلى قوائم الفقراء، وهذا أمر خطير. على كل بلد أن يقدر حجم ما يصدرعن الأفامي من تحذيرات على أساس أنه ليس جمعية خيرية، بل يتحدث بلغة مجردة من كل إنسانية قاعدتها الأرقام ثم الأرقام. وعليه، فإن الإقرار بأن الاقتصاد العالمي مقبل على تراجع رهيب في نموه، يعطي الانطباع بأن هناك سودوية يريد الصندوق إضفاؤها على الحركية الجارية في هذا المجال، مما يحول الصندوق إلى مجرد إدارة تعمل على إعداد تقارير كارثية لا يمكن القبول بها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الصندوق فقد بريقه عندما غادره ستروس كان، وفي ظلّ هذه الأزمة الاقتصادية العالمية لا تستطيع كريستيان لاغارد، تجاوز هذا الواقع الجديد، وإنما تسيره وترافقه إلى غاية بروز بوادر إنعاش ملموسة على أكثر من صعيد، وإن كان الأمر مستبعدا في الظرف الراهن. لذلك، فإن مهمة صندوق النقد الدولي خلال الأفق القادمة ستكون قاسية جدا، لأن الأزمة أصبحت هيكلية، أي عصفت بالآليات التي كانت مصدر النموذج في التسيير كالبنوك والأسواق المالية، مما ينعكس بالسلب على كل التوابع الأخرى كمناصب الشغل والعقار والأجور.