أكد، أمس، السيد حميد طمار، وزير الإستشراف والإحصائيات، أن تداعيات الأزمة التي تعصف بأوروبا لن تؤثر مباشرة على الإقتصاد الوطني، ما لم تؤد هذه الأخيرة إلى الركود الإقتصادي الذي يعني تراجع الطلب على النفط وبالتالي تراجع الأسعار إلى مستويات متدنية. في لقاء جمع الوزير مع ممثلي بعض الهيئات الدبلوماسية والصحافة الوطنية، للتعريف بمهام الوزارة التي يشرف عليها وأهميتها في النسيج الإقتصادي وتجسيد السياسات الحكومية، أوضح طمار، أن ميزانية الدولة ومنذ سنوات لا تزال تعتمد على سعر 37 دولارا في إعدادها، على الرغم من أن الأسعار الحقيقية تتجاوزه بكثير وتصل إلى 90 دولارا في المتوسط، حيث تستغل الفارق في تغطية عجز الميزانية، سنويا، ولكن إذا تراجعت الأسعار عن هذا المستوى، فإن البرنامج الخماسي والذي قدرت له ميزانية تفوق 220 مليار دولار، سيهتز بكل تأكيد، ويصبح العجز حقيقيا، وليس صوريا، مثلما هو عليه اليوم. أما من حيث احتياطي الصرف والمقدر بأكثر من 188 مليار دولار، وهذا يعني أن الإدخار المحلي مضمون بنسبة تفوق 80٪، فإن الوزير طمار يرى بأن الإيرادات المتوفرة تضمن حماية للجزائر لسنوات أخرى قد لا تتعدى العامين فقط. بعد عام ونصف عن آخر تعديل وزاري والذي بموجبه تم إنشاء وزارة للإستشراف والإحصائيات، لم تر هذه الأخيرة النور إلا في المدة الأخيرة، رغم المهام الحساسة التي أسندت إليها والتي لخصها الوزير وبعض إطارات الوزارة خلال اللقاء في عدة محاور ترتبط بالتنمية الإجتماعية والديمغرافية وإعداد التحاليل الإقتصادية وكل التوازنات الكبرى فضلا على التدخل في إطار التخطيط العمراني وأخيرا بحث ووضع كل الطرق التنظيمية الخاصة بالنظام الإحصائي، قصد توفير بنك من المعلومات الإحصائية تضع تحت خدمة الإقتصاد الوطني بجميع قطاعاته. وفي هذا السياق، شدد الوزير على أهمية توفير الإحصائيات الدقيقة بالتنسيق مع كافة الهيئات الموجودة حاليا على غرار كتابة الدولة للإستشراف والإحصاء والديوان الوطني للإحصائيات، أو حتى المجلس الوطني الإقتصادي والإجتماعي قصد حصر الإحتياجات القطاعية وتوجيه الموارد المالية بوفرة نحوها في إطار البرامج والمشاريع التنموية في كافة المجالات. العملية تنطلق من جمع المعلومات في شكل أرقام وإحصائيات وإجراء تقييم قال عنه الوزير أنه سيتم على نحو تدريجي، يعتمد عليه لوضع الاستراتيجيات القطاعية والسياسات الحكومية في إطار استشرافي لما ستكون عليه الجزائر في 2020. هذه العملية التي تعدّ الأولى من نوعها، ولقلة خبرة الإطارات المحلية للتكفل بها، فإن الوزارة لم تر أي مانع في الاستنجاد بالخبرة الأجنبية، مفضلة »عقول« واقتصادي دولة مثل كوريا الجنوبية لتأطير عملية الاستشراف للمرحلة القادمة، التي عوض أن تمتد إلى غاية 2030، ارتأت الوزارة تقليصها بعشر سنوات كتجربة أولى. لم يتردد طمار في انتقاد دعاة الليبيرالية التي كانت توصف في بداية عشرية التسعينات بالمتوحشة، بعد أن استبعدت كل أنماط وأشكال التخطيط بحجة تعارضها مع مبدأ اقتصاد السوق مؤكدا على أن مبدأ التخطيط معتمد في أكبر اقتصاديات العالم في شكل عمليات استشراف للمستقبل وخطط دقيقة لما سيكون عليه الإقتصاد وكل سياسات التنمية على المدى المتوسط والبعيد، ولهذا فإن مهام الوزارة، كما أسهب فيها الوزير، ستعتمد على عدة معايير ومتغيرات كالتطور الديمغرافي والموارد البشرية والمحيط العام والفلاحة والتكنولوجيا وغيرها من المعطيات التي تسمح بوضع مخطط شامل للتنمية المستديمة أساسه التنسيق، كأحد أهم آليات ضبط الميزانية الإقتصادية، وإدراج تحسينات وتعديلات على بعض الأنظمة الإحصائية على غرار قانون المحاسبة الذي لا يزال بعيدا عن تلبية احتياجات التفتح الجهوي والإقليمي. وعلى الرغم من أن الوزير يرى بأن عمليات الاستشراف التي قامت بها دول صناعية كبرى لم يمنعها من الوقوع في أزمات صعبة، كما حدث في 2008 في الولاياتالمتحدةالأمريكية ويحدث حاليا في أوروبا وقد تنتشر الأزمة عالميا، إلا أنه وفي الشأن الجزائري، يبدي تفاؤلا كبيرا في أهمية وضرورة اعتماد الاستشراف لبلوغ أهداف التنمية على المديين المتوسط والطويل والذي لن يتم إلا من خلال استراتيجيات فعّالة تأخذ بعين الإعتبار الاحتياجات الملحة للمواطنين والاقتصاد على حدّ سواء.