كما أن رياح التغيير العربي هزّت أركان العديد من الأنظمة العربية وحطمتها ودفعت بالكثير الآخر على تبني سياسات إصلاحية منقذة، فإنها بالمقابل كسّرت حواجز الفرقة والخلاف بين بعض الدول الشقيقة التي رأت بأن الظرف الصعب التي تمر به الأمة العربية بحاجة إلى تقارب وتكتل لتجاوز هذه المتغيرات، التي لن يسلم منها إلا من استوعب رسالة الشعوب العربية التي تتقاطع كلها في مزيد من الحرية والعيش الكريم، وفي هذا الإطار يدخل التقارب الجزائري المغربي الذي يمنح دفئا للعلاقات الثنائية بما يسمح بذوبان جليد القطيعة المستمرة منذ عقود طويلة لأسباب وعوامل يجب تجاوزها بتغليب الحكمة والمصلحة العليا للبلدين الشقيقين، ولم يجد البلدان لتدشين عهد جديد أفضل من اجتماع وزراء الخارجية العرب قبل أسبوعين بالرباط لدراسة الرد السوري على مبادرة الجامعة العربية، إذ التقى وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي نظيره المغربي الطيب الفاسي الفهري. وكانت آخر زيارة لوزير خارجية جزائري للمغرب سنة 2004، حيث تأزّمت علاقات البلدين وحدّ كل طرف حدوده في وجه الآخر، وأطلق العنان لحملات إعلامية زادت من توسيع الشرخ وتأجيج الفرقة، ولم يكن إجتماع المسؤولين مجرد لقاء عابر أو لقاء مجاملة ومصافحات تلتقطها كاميرات الصحافة ثم يعود كل واحد إلى موضعه، بل لقد حمل لقاء الرباط، رباطا لتثمين العلاقات الثنائية وتجاوز الخلافات والاختلافات التي تعكر صفو الأجواء. وأكّد للمنتقدين بأن التقارب خطا خطوته الأولى الحقيقية ولن يكون رغبة عابرة حرّكتها خشية كل من الجزائر والمغرب كما يقولون من أن تعصف بهما رياح التغيير العربي كما فعلت بالجارين تونس وليبيا. إن الرسائل الايجابية التي بعثها إجتماع مدلسي والفاسي قبل أيام تؤكّد بأن البلدين عازمين على وضع حد لحالة الجمود التي تعرفها العلاقات الثنائية وتجاوز جميع الخلافات التي وصلت حدتها إلى درجة إغلاق الحدود، فيما يجمع الجزائر والمغرب أكبرمن أن تهزه مثل هذه الخلافات التي يجب المبادرة بحلها حلا جدريا ومنصفا، وعدم تجاوزها أو القفز عليها، لأن التطبيع لن يكون إلا تمّت تصفية العلاقات من كل منازعات واختلافات تختلقها الدعاية الإعلامية المعرضة في أغلب الأحيان. والأكيد أن العلاقات الجزائرية، المغربية ستمضي إلى الربيع المزهر بعد شتاء طويل.