وضعت الجزائر والرباط قواعد انطلاقة جديدة لتحسين العلاقات الثنائية، علاقات تظل مرهونة بتصرفات المسؤولين المغاربة ومساوماتهم بخصوص الحدود والنزاع في الصحراء لغربية، ومحاولاتهم غير البريئة للاستفادة مما يسمى ب »ثورات الشارع العربي« في انتظار الوجهة التالية للفتن المبرمجة بعد الانتهاء من نظام بشار الأسد. قراءة بسيطة في تصريحات المسؤولين في الجزائر والمغرب، والتي جاءت خصوصا بعد اللقاء الذي جمع بين وزير الخارجية مراد مدلسي ونظيره المغربي الطيب الفاسي الفهري بالرباط، على هامش الدورة الرابعة لمنتدى التعاون العربي التركي، تسمح بالاستنتاج بأن العلاقات بين البلدين تشهد فعلا نوع من الحركية ومن الدفء سيسمح ربما بتجاوز مرحلة التوتر التي عمرت طويلا، وإذا بقي هناك أي مشكل يقد يعرقل هذا المسار الجديد فهو مرتبط بطبيعة السياسة المغربية المتناقضة، والتي تستهدف الجزائر من حين لآخر لتنسف كل ما بني خلال أشهر أو سنوات. وخلافا لهذا التقارب الجزائري المغربي، تبدو العلاقات بين الجزائر وباريس مرشحة أكثر من أي وقت مضى للمزيد من التوتر على ضوء التوجه الفرنسي الرسمي نحو المزيد من الضغط على الجزائر بوسائل مختلفة، فرغم محاولات حزب الخضر طرح مشروع قانون يسمح باعتراف فرنسا بجرائم 17 أكتوبر، لا تلوح في الأفق تباشير تراجع فرنسي حقيقي عن سياسة تمجيد الاستعمار والإمعان في إهانة الجزائريين من خلال تمجيد الحركى وسفاحي الجيش الاستعماري، ويبدو جليا من خلال منع الجنسية المزدوجة، أن الحرب ضد الجالية الجزائرية والمغاربية في فرنسا قد بدأت فعلا، حرب تندرج ضمن الحرب المفتوحة التي يقوم بها ساركوزي وحزبه لكل ما يرمز إلى العرب والمغاربيين والمسلمين عامة في فرنسا. أما على الصعيد الأمني فقد شكلت أشغال الاجتماع الأول لمجموعة العمل حول تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل بقصر الأمم بالعاصمة، الذي ترأسته مناصفة الجزائر وكندا، سانحة للتأكيد على طبيعة الرهانات الأمنية بالساحل الصحراوي، واتضح من خلال مداخلات رؤساء الوفود المشاركة في الاجتماع أن هناك إرادة من قبل الأطراف المشاركة لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي وتكثيف عمليات التنسيق لمواجهة التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها المنطقة، وعلى رأسها تحدي الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وهو ما اتضح من خلال كلمة الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية عبد القادر مساهل، قرأها نيابة عنه رئيس الديوان عبد العزيز سبع، خاصة لما أكد أن الاجتماع يدل على الوعي بالأخطار التي تحيط بالمنطقة، خاصة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وهو ما جعل مساهل يحث على وجوب التعاون بين الدول المعنية بمكافحة الإرهاب، تعاون يعني أيضا دول غير إقليمية، على شرط وضع إطار تنظيمي للتنسيق بينها. بعض الشركاء غير الإقليميين بدؤوا يدركون فعلا خطورة التحديات التي تواجه دول منطقة الساحل، ويقتنعون بالوصفات التي تبنتها دول المنطقة والقائمة على استبعاد التدخل الخارجي مع ضبط أطر التعاون بين دول الساحل وشركائهم الغربيين، وهو ما اتضح من خلال مداخلة صابين نولكي، المديرة العامة للبرامج بوزارة الخارجية الكندية، ومداخلة دانيال بنجامين، المنسق العام لمكافحة الإرهاب بالولاياتالمتحدةالأمريكية، الذي تحدث عن الحاجة إلى بناء شراكة وتعاون لتعزيز القدرات في مجال مواجهة الإرهاب ومكافحة التحديات الأمنية بمنطقة الساحل، وأشاد المسؤول الأمريكي بالدور الريادي الذي تلعبه الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب. ولا يزال السلاح الليبي غير المراقب يثير مخاوف دول المنطقة ويشكل أحد المواضيع الحساسة التي يجري مناقشتها مع الدول الغربية، خصوصا الولاياتالمتحدة، وهو ما عرج عليه المشاركون في اجتماع مجموعة العمل حول مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل في اليوم الثاني من الأشغال، وصرح عبد الرزاق بارة، مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالشؤون الأمنية وقضايا حقوق الإنسان الذي نبّه إلى خطورة السلاح الليبي غير المراقب، فضلا عن التحديات الأمنية التي تعرفها منطقة الساحل خاصة بعد عمليات الاختطاف التي مست ناشطين في المجال الإنساني، فضلا عن التطور الرهيب للجريمة العابرة للحدود. لقد شدد الخبراء الذين شاركوا في اجتماع الجزائر، وفي ظل حضور ممثل عن المجلس الانتقالي الليبي، على ضرورة أن يلتزم حكام ليبيا الجدد بتوصيات الأممالمتحدة فيما يتعلق بالأسلحة والمواد ذات الصلة، وعبر المشاركون صراحة عن مخاوفهم من الكوارث الأمنية التي قد تنجر عن الكميات الكبيرة من الأسلحة والمتفجرات غير المراقبة على التراب الليبي، أو تلك التي تم تهريبها إلى دول الجوار، خاصة في ظل تأكيد أكثر من مصدر بأن كميات غير معروفة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة منها صواريخ محمولة مضادة للطائرات ومتفجرات وألغام شديدة المفعول، وربما مواد كيماوية خطيرة، قد وصلت فعلا إلى معاقل الإرهاب، وإلى أيدي بعض الحركات المتمردة في المنطقة، في إشارة إلى المتمردين التوارق في شمالي مالي والنيجر. ويعتبر اللقاء الذي جمع بالدوحة بين رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ورئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل بحضور أمير قطر، على هامش القمة الأولى لمنتدى الغاز، خطوة صريحة نحو إعادة العلاقات بين الجزائر وطرابلس إلى السكة الصحيحة، وتجاوز الخلافات التي كانت حاصلة بينها والتي غذتها تصريحات معادية ومشبوهة لقيادات في المجلس الانتقالي والمعارضة الليبية عامة تتهم الجزائر بدعم نظام العقيد القذافي. لقد سارعت الخارجية الجزائرية إلى تكذيب الأخبار التي تتحدث عن وساطة قطرية بين الجزائر وحكّام ليبيا الجدد، ويحمل هذا التكذيب أكثر من مغزى، فالجزائر ليست بحاجة إلى وساطة أحد لتحسن علاقاتها مع ليبيا، وسوف تشهد هذه العلاقات من دون شك تطورا كبيرا في المستقبل خاصة بعد تشكيل الحكومة الانتقالية في ليبيا، ويبدو أن الطرف الليبي قد أحس أخيرا بضرورة التخلي عن كل ما يسيء إلى العلاقات مع الجزائر، فالتعاون بين البلدين على الصعيد السياسي والدبلوماسي وعلى الصعيد الاقتصادي، وخصوصا على الصعيد الأمني، في ظل التحديات التي تواجه ليبيا لبسط الأمن والقضاء على فوضى السلاح وتجاوز الحرب الأهلية التي بدأت تلوح في الأفق بعد سلسلة الاشتباكات الدامية التي حصلت بين فصائل من يسمون ب »الثوار« خصوصا في الزاوية.