بإعلان وزير الخارجية المغربي، الطيب الفاسي الفهري، عن رغبة المغرب في تطبيع كامل للعلاقات مع الجزائر، وتأكيد وزير الخارجية الجزائري، مراد مدلسي، عن استعداد الجزائر للتعاون التام بين البلدين، يعود إلى الواجهة موضوع فتح الحدود بين البلدين باعتباره احد أهم الملفات جدلا في السنوات الأخيرة. حمل لقاء وزيرا خارجية المغرب والجزائر، نهاية الأسبوع، بالرباط على هامش أشغال الاجتماع الوزاري العربي، مؤشرات ايجابية على مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين والتي تشهد فتورا منذ أزيد من عقد من الزمن، حيث جاءت تصريحات وزير الخارجية المغربي، هادئة وبناءة، وتعكس في جوهرها تحولا في الخطاب المغربي تجاه الجزائر، ولعل ابرز ما حملته تصريحات الطيب الفاسي الفهري، تأكيده على رغبة المغرب في تطبيع كامل للعلاقات الثنائية مع الجزائر بعيدا عن الملفات الخلافية، وهو ما ينسجم مع الطرح الجزائر الداعي إلى فصل ملف الصحراء الغربية أصل الخلاف بين البلدين عن مجموع الملفات الثنائية التي تهم الشعبين المغربي والجزائري، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو التجاري أو الثقافي، موازاة مع ترك ملف الصحراء الغربية للنظر فيه من قبل الأممالمتحدة. والظاهر أن تصريحات الطيب الفاسي الفهري حول رغبة المغرب في تطبيع كامل للعلاقات الثنائية وقوله أن »البلدين تأخرا« في تسوية وضعية العلاقات التي يفترض حسبه أن تكون طبيعية، توحي أن السلطات المغربية قد أدركت أن الاستمرار في إقحام الجزائر في ملف الصحراء الغربية ومحاولة الثأتير على الموقف الجزائري، لن يكون في صالح المملكة المغربية التي فقدت بسبب الملفات الخلافية عمقها الاقتصادي في المغرب العربي، حيث تشير الإحصائيات الاقتصادية التي قامت بها العديد من المنظمات المهتمة، أن الاقتصاد المغربي يخسر سنويا أزيد من 4 ملايير دولار جراء غلق الحدود مع الجزائرية، فضلا عن الركوض المسجل في الدورة الاقتصادية المغربية، تجاريا وسياحيا بسبب تعطل الحركة التجارية بين البلدين. وهو ما يعني أن الظروف الاقتصادية للمغرب في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية من ابرز العوامل الرئيسية التي نجعل الرباط يراجع مواقفه تجاه الجزائر ويعيد النظر في ملف العلاقات الثنائية بين البلدين. فقي هذا السياق سبق لوزير الفلاحة المغربي أن زار الجزائر لبحث سبل ترقية وتعزيز التعاون الفلاحي والزراعي بين البلدين وهي الزيارة التي رد عليها وزير الفلاحة الجزائري إلى الرباط للمشاركة في معرض الفلاحة بالمغرب، في حين تشتغل العديد من الأفواج الثنائية المشتركة بين البلدين لدراسة عديد الملفات، أبرزها الملف الأمني الذي ترافع فيه الجزائر من اجل تعاون وتنسيق تام بين أجهزة البلدين، فضلا عن دعوتها إلى مكافحة التهريب والتجارة غير الشرعية، والمخدرات المتدفقة على الحدود وغيرها من القضايا التي تمثل أولوية ملحة بالنسبة للحكومة الجزائرية. وضمن هذا الطرح تعتقد العديد من الأوساط الرسمية في الجزائر أن الرد الجزائري على الطلب المغربي القاضي بفتح الحدود البرية بين البلدين المغلقة منذ 1994 على إثر فرض السلطات المغربية للتأشيرة على الجزائريين، مرهون بمدى تفاعل المغرب بجدية ومسؤولية مع الملفات المذكورة آنفا والعمل على تنقية الأجواء وتطهيرها من كل الرواسب التي شابتها على اثر الحملات الإعلامية المنظمة والممنهجة للإعلام المغربي تجاه الجزائر بسبب قضية الصحراء الغربية، علاوة على التزام الحكومة المغربية بفصل النزاع الصحراوي عن العلاقات الثنائية سيما وان هذا الملف مدرج ضمن اللجنة الرابعة للأمم المتحدة المكلفة بتصفية الاستعمار. ومن هذا المنظور، يرى مراقبون أن مسالة فتح الحدود البرية بين البلدين لن تكون في القريب المنظور، بل ستتحكم فيها قدرة البلدين على حلحلة الملفات الثنائية الخلافية، وبالأخص إحراز تقدم في التعاون الأمني والاقتصادي والسياسي.