لا زال الاقتصاد الجزائري يحتل موقعا غير لائق في تصنيف الهيئات الدولية التي تعتمد في قائمتها على معايير الجودة والتنافسية في فرض الوجود ليس فقط على المستوى المحلي بل العالمي، حيث الحدود تسقط باستمرار والحواجز تزول والمسافات البعيدة تتقرب بأسرع ما يمكن. وهي وضعية تعيد تشكيلها العولمة الزاحفة التي تحتل فيها القوى التنافسية التي كسبت رواجها من خلال تجربة تستند إلى المواصفات دون غيرها. ويظهر التصنيف المعد عام 2010 أن الاقتصاد الجزائري المحتل موقع ال 68 ضمن مجموعة مشكلة من 139 بلد، أن الوضعية لم تتغير. وأن أي تحسن في الأفق غير وارد في الأفق القريبة بالنظر إلى المؤشرات المسجلة التي تبقى الايجابية فيها للاقتصاد الكلي وليس الجزئي صانع النمو الحق والقيمة المضافة والعمل ما دام أنه يعتمد على أسس ثابتة وجهد الإنسان الثروة الدائمة التي لا تنضب. ومادامت الوضعية على حالها لا يتوقع حدوث تحسن في ترتيب الاقتصاد الجزائري للعام الجاري بالشكل المنتظر والغاية المنشودة. عكس هذا التوجه لا زالت المؤشرات الماكرو اقتصادية تصنع الحدث. وتشكل على الدوام القاعدة الصلبة والمرجعية في كل شيء يخص الجزائر الاقتصادية التي لم تتحرر بعد من التبعية للمحروقات. ولم تخرج من إعادة الهيكلة الطويلة وتبعاتها رغم آليات الدعم والمرافقة وحملات التحسيس بجدوى النوعية التي أنشئت من أجل جائزة وطنية تمنح سنويا لأحسن مؤسسة وأقواها تنافسية في الابتكار والتجدد والانتشار في خارطة تضيق باستمرار ولا تتسع للضعيف المنغلق على الذات الرافض التمدد. يؤكد هذا الطرح بقاء التبعية للمحروقات بنسبة عالية للغاية تقترب من 98 في المائة، والاستناد على إيرادات البترول في ضبط الميزانية وتوزيع الأغلفة المالية القطاعية واعتماد المشاريع، وهي تبعية لا تحمل الأمل الدائم في الاستقرار وتجاوز العواصف والاهتزازات الارتدادية. وتكشف بالملموس الحاجة الملحة لاعتماد البديل الأنسب الأفيد المتمثل في إقامة منظومة اقتصادية وفق المعيار الاقتصادي تلعب فيه المؤسسة الجزائرية الدور الكامل في التنافس على خلق الثروة مستندة إلى الموارد البشرية الكفأة والتجهيزات الإنتاجية المتطورة والتسيير الحديث الذي يعتمده المدير ويقره بتقاسم وظيفي مع مسؤولي المصالح كل حسب اختصاصه دون الانفراد بالقرار واحتكار السلطة الاقتصادية. وبفضل هذا النمط من التسيير تتحرر المؤسسة من الأساليب القديمة، وتبتعد عن الممارسة البليدة التي اعتمدها المسير على الدوام حتى وان كان يدرك أنها مؤدية إلى الإفلاس الحتمي. والسؤال المحير لماذا نجد هذا الترتيب يلازم الاقتصاد الجزائري لسنوات؟ وما السبيل لإحداث نقلة نوعية في بلد أعد تشريعات في غاية الأهمية لتهيئة محيط الأعمال ومرافقة المؤسسة في معركة التموقع والانتشار بالخارطة الوطنية الفضاءات الحرة المفتوحة التي لا تقبل الحدود عدا حدود النوعية في زمن لغته المشتركة “إيزو” وشهادات المطابقة والمواصفة؟ حسب متتبعي الشأن الجزائري الراصدين لموطن الضعف والقوة فيه فإن الاقتصاد الجزائري لم يتقدم عن الركب ويحتل المواقع المتأخرة بسبب بطء التسلح بالمواصفات والانغلاق على الذات دون القبول بتقاسم العمل والرأسمال مع الآخر لعدة عوامل منها الاتكالية على عنصر الحمائية وعدم الإدراك بخطر التنافسية والنظر إلى الجزائر وكأنها سوقا وحيدا له إلى أبعد المدى. فلا عجب أن نرى في عز الانفتاح ارتفاع الأصوات من المؤسسات العمومية والخاصة المطالبة بمزيد من الحمائية وفرض الرسوم على المنتوج المستورد إذا كان يصنع بالبلد. وهناك مواقف يعلن عنها متعاملون في أكثر من موقع تذهب إلى حد المطالبة بحظر استيراد كل منتوج يصنع محليا لإعطاء للاقتصاد الوطني فرصة الإقلاع والخروج من حالة الكساد والندرة المزمنة. واتخذت التدابير الجبائية والعقارية والبنكية من أجل مرافقة المؤسسة في الإنتاج الموسع الملبي للحاجيات الوطنية الملحة، مثلما قررته قمة الثلاثية، وقررت السلطات العمل ما في المستحيل من أجل تمديد التفكيك الجمركي مع الاتحاد الأوروبي إلى أفق 2020 لإعطاء للشراكة المجسدة في الميدان حالة من التوازن يحفظ المصالح الوطنية ولا يستنزفها جملة وتفصيلا. وحمل قوانين المالية والتكميلي وضبط الميزانية الكثير من الإجراءات الاغرائية للمؤسسة الجزائرية التي ينظر إليها مقررو السياسة الوطنية على أنها مصدر الثروة التي لا تنضب وليس البترول. لكن هذه الإجراءات لا بد أن ترفق بجهد إضافي من المؤسسة الجزائرية التي يتوجب عليها كسر الاتكالية والعيش الأبدي على الحمائية غير الصالحة لكل زمان ومكان خاصة في ظل تنافسية شرسة من علامات كبرى تشق طريقها نحو اعتلاء المواقع والبقاء فيها بالاتكالية المفرطة على نفسها وتجربتها الممتدة.المؤسسة الجزائرية مرغمة على الخروج من الدائرة المغلقة إلى التباري على الأجود والأنفع وفرض الوجود من خلال التسلح بروح المقاولاتية والتجديد والتنافسية بدل الاتكالية التي أسقطتها إلى الأسفل وطوقتها وغذت فيها عقلية البايلك أو العائلية. ومنها تصنيفها الدولي القار ال 86 البعيد عن الآمال والجهود المضنية لبناء منظومة اقتصادية صلبة خارج المحروقات شرط فرض الوجود.