الإستراتيجية الصناعية في الجزائر لم تولد من العدم، بل هي نتاج رصيد كان متوفرا يعود الى سنوات السبعينيات التي أقامت فيها بلادنا ما يعرف بالمركبات الضخمة كالحجار للحديد والصلب بعنابة والميكانيك بالرويبة والزجاج بجيجل والأحذية بالمدية، والالكترونيك بتيزي وزو وسيدي بلعباس، والنسيج بذراع بن خدة والبطاريات بتيارت والاتصالات بتلمسان، أجهزة الهاتف وغيرها... والإسمنت بالشلف ومفتاح هذه العينات وغيرها هي التي تشكل المنظومة الصناعية اليوم في الجزائر، مهيكلة في إطار ما يعرف بالمجمعات وهي شركات ذات الاختصاص الواحد منضوية تحت اسم معين يترجم كل تلك السلسلة من المؤسسات الهامة. ورغم ما قيل عن هذه الصناعة كالمفتاح في اليد أي أن صاحبها لا يتدخل في المشروع حتى يستلم المفتاح فقط. إلا أنها شغلت كل الشعب الجزائري آنذاك، ولم تكن هناك عاطلين عن العمل إلا الذين لا يريدون ذلك وهذا كله بفضل هذه الاستثمارات الضخمة في كامل التراب الوطني واتباع سياسة اللامركزية بمعنى اخراج التنمية عن إطارها الضيق في المدن الحضرية فقط، لذلك استفاد الريف الجزائري من هذه الصناعة. والمجال هنا ليس لإثارة قراءات معيارية وتحاليل نمطية حول الآثار المترتبة عن إقامة صناعة في الريف على حساب الفلاحة، الأمر لا يتعلق بهذا الجانب وإنما رؤية أبعاد هذا التوجه بعد أن تم التخلي عنه لسنوات طويلة وتطبيق مبدأ التصحيح الهيكلي في بداية التسعينيات وما نجم عنه من قرارات إغلاق الآلاف من المؤسسات وتسريح عمالها وإحالتهم على الصندوق الوطني للتأمين على البطالة.. أعيد فتح هذا الملف في سنوات الألفين وهذا بإثارة خيار جديد في مسار العملية التنموية الشاملة في الجزائر وكان الرهان كل الرهان أن يتم التحضير لعمل طويل المدى يكون بمثابة الانطلاقة لنظرة واقعية لاقتحام الجزائر الأسواق العالمية خاصة مع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، والانضمام لمنظمة التجارة العالمية والاتصالات مع منظمة الأممالمتحدة للتنمية، والأكثر من هذا إبراز الكفاءات والقدرات الجزائرية لما بعد مرحلة البترول والتفكير انصب على هذا الجانب خلال النقاشات المعمقة حول الهدف من الاستراتيجية الصناعية في الجزائر، على أن تكون بديلا حقيقيا وملموسا لمداخيل النفط بالنسبة للجزائر. إلا أنه الى يومنا هذا لا يوجد تناغم بين هذا الهدف والواقع ونقصد بذلك أن الاتجاه المكرّس يعمل على تشجيع نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التابعة للعائلات أصلا وطابعها خدماتي أكثر منه استراتيجي وفي مقابل ذلك فإن هذه الاستراتيجية”، تضررت كثيرا بالاستيراد، سواء بالنسبة للمواد المصنعة أونصف المصنعة التي تركب في الجزائر، بالإضافة الى الاستثمارالأجنبي في قطاعات موجودة في الجزائر هذا ما أثر على الشركات الجزائرية في إثبات وجودها على الصعيد الخارجي ونقصد الأسواق الأجنبية، هذا كله شوش على الاستراتيجية الصناعية في الجزائر، فكيف تقتحم هذه الصناعة كل تلك الأسواق في غياب أي تفاهم مع الاتحاد الأوروبي، والمنظمة العالمية للتجارة وغيرها...؟ لا يمكن قيام استراتيجية صناعية في مثل هذه الظروف الصعبة والمعقدة على المنتوج الجزائري داخليا وخارجيا، هذا من جهة ومن جهة ثانية، فإن السلطات العمومية غيرت من أساليب عملها وطرق تمويلها للمؤسسات المشكلة للنسيج الصناعي عندنا، فكل شركة لا تستطيع القيام بتمويل نفسها بنفسها يشهر إفلاسها، وفق ما ورد في مواد القانون التجاري، وهذه قاعدة ذهبية يعمل بها منذ التسعينيات ولا يتم التخلي عنها، فخزينة الدولة لا تمول المؤسسات التي هي في صحة مالية غير جيدة وتعاني من العجز المالي المتواصل.. لذلك فإن هذه الصرامة هي التي سمحت حقا بأن يحافظ على التنظيم المحكم في إدراج هذه الشركات تحت تصور واحد وهو المجمعات الصناعية.