عرفت صناعة النسيج والجلود في بلادنا تراجعا كبيرا منذ نهاية التسعينيات، تصفية للمؤسسات العمومية، تسريحا للعمال ودمارا شاملا للقطاع.. عوامل عديدة اجتمعت كلها لتعصف بهذه الشعبة الحيوية، بداية بالإنفتاح على الأسواق العالمية وفق ما يقتضيه النظام الرأسمالي، مرورا بالظروف الأمنية الصعبة التي رافقت العشرية السوداء ووصولا إلى تلك اللوبيات البراغماتية التي تخللت إداراتنا، والتي تهدف إلى خدمة جهات معينة على حساب الإقتصاد الوطني وصحة المستهلك، في ظل ضعف أجهزة الدولة وعدم صرامة القوانين المنظمة للتجارة الخارجية خسارة 200 ألف منصب شغل وتصفية مئات المؤسسات والسبب هو الإرادة السياسية قرار إعادة إحياء القطاع بأيدي الحكومة وللوقوف على بعض العوامل التي ساهمت بشكل أو بآخر في اندثار هذا القطاع في الجزائر، أجرينا هذا الحوار مع رئيس الفيدرالية الوطنية لصناعة النسيج والجلود المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للعمال الجزائريين. هل بإمكانكم توضيح الأسباب التي أدت إلى اندثار صناعة النسيج والجلود في بلادنا رغم انتعاشه في سنوات السبعينيات والثمانينيات، بحكم أنكم أمين عام الفيدرالية الوطنية لهذه الشعبة الحيوية؟ في الحقيقة كانت صناعة النسيج والجلود في الجزائر من بين أقوى الصناعات في الوطن العربي وإفريقيا عموما، إلا أنه في المرحلة الإنتقالية وانفتاح الجزائر على اقتصاد السوق كانت هناك رغبة سياسية لكسر هذه الصناعة من طرف أشخاص براغماتيين، أو كما أفضل ان أطلق عليهم "لوبيات خفية"، فضلت فسح المجال لنشاط الإستيراد الذي قضى على القطاع الصناعي عموما في الجزائر، ويكفي القول إنه في سنوات الثمانينيات كانت تنشط 127 مؤسسة عمومية في السوق الوطنية في مختلف المجالات من تفصيل، إنتاج الأفرشة، الألبسة، والملابس الرياضية، إلى جانب الأحذية والحقائب، وحاليا لم يعد يتجاوز عددها ال60 مؤسسة تتعامل مع زبون وحيد هو القطاع العسكري. أما المؤسسات الخاصة التي كانت متمركزة خاصة في ولايتي البليدة والمدية وبعض الولاياتالشرقية كتبسة وسوق أهراس، اندثرت تماما، نظرا لارتفاع تكاليف الإنتاج من جهة وغزو المنتجات المستوردة، خاصة منها الصينية، من جهة أخرى. وإذا تحدثنا عن الأسباب الحقيقية وراء اندثار هذا الفرع الحيوي، نجد أنها متعددة اجتمعت كلها للعصف بصناعة النسيج والجلود في الجزائر، بداية بوجود رغبة سياسية للقضاء على الصناعة في ظل اللاوعي من طرف المسؤولين في بداية التسعينيات خاصة مع الإنتقال إلى الرأسمالية والتطبيق الخاطئ لمبادئ اقتصاد السوق. فجهل المسؤولين بميكانيزمات هذا النظام الجديد، والقيام بإصلاحات أقل ما يقال عنها أنها حطمت الإقتصاد الوطني أدى إلى إفلاس عدد كبير من الشركات العمومية نتيجة عجز الميزانية العمومية عن تحمل نفقاتها، وهو ما نتج عنه بطبيعة الحال تسريح للعمال وانتشار الفقر والعوز في الوسط الجزائري، ولا يجب حصر سبب اندثار هذه الصناعة في الإنتقال إلى اقتصاد السوق فحسب، بل هناك أسباب عديدة ومتعددة أذكر منها الظروف الأمنية السائدة في سنوات التسعينيات، والتي ارتبطت بأعمال العنف والعمليات التخريبية التي طالت عددا من الشركات، كحرق مصنع سيدي بلعباس لإنتاج الأحذية. هذا ناهيك عن تخلي عدد من المصنعين الخواص عن نشاطهم الإنتاجي بسبب ارتفاع تكاليف الانتاج من آلات ومعدات إلى جانب ندرة المادة الأولية، كما سجلت الفيدرالية تحويل مئات من المصنعين لنشاطهم الإقتصادي من الإنتاج إلى مزاولة أنشطة التصدير والاستيراد طمعا في المكسب الوافر في ظل الرقابة والتشريع الذي يحمي الإقتصاد الوطني والمنتوج المحلي، فلا يجب تجاهل ضعف أجهزة الدولة والمواد القانونية التي من شأنها ضبط السوق وحمايتها من غزو المنتجات المستوردة على حساب المنتجات الوطنية، فوفرة تلك المنتجات بأسعار تصل في كثير من الأحيان إلى نصف أسعار المنتجات المصنعة محليا أدى إلى إفلاس المنتجين الخواص، ليس في قطاع الصناعة النسيجية فحسب بل في مختلف القطاعات الصناعية. كيف تقيّمون المنتجات المستوردة التي تلقى رواجا كبيرا في السوق الوطنية في ظل غياب المنتوج المحلي، خاصة فيما يتعلق بالألبسة والأحذية التي كانت جد مزدهرة حتى أواخر سنوات التسعينيات؟ المنتوج الوطني معروف بجودته العالية التي تؤهله لمنافسة المنتجات المستوردة، كونه يحترم شروط السلامة والأمان، وهذا ما يجعل سعره مرتفعا مقارنة مع المنتجات الآسيوية عموما والصينية خاصة، فارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية بالإضافة إلى تكاليف الانتاج والنقل والرسوم الضريبية المفروضة على المؤسسات، كلها عوامل تنعكس على السعر المقترح للزبون، إلا أن المنتجات المستوردة لا تحترم أدنى شروط السلامة والأمان ورغم ذلك نجدها بالسوق الوطنية، وهذا ما يفسر ضعف أجهزة الدولة في ممارسة الرقابة على الأسواق بما فيها وزارة التجارة، حيث من الضروري فرض رسومات جمركية على المنتجات المستوردة وإخضاعها لمراقبة مراكز الجودة لحماية المستهلك.. إلا أن هذه الإجراءات لا نجدها في بلادنا وهو ما يعرض صحة المستهلكين إلى الخطر، خاصة بعد اكتشاف بعض المواد المستخدمة في إنتاج الأحذية المستوردة من الصين التي تسبب أمراضا سرطانية، فلابد من دق ناقوس الخطر بشان مثل هذه التصرفات التي لا تضر بالإقتصاد الوطني فحسب بل بصحة المستهلك في ظل صمت المسؤولين. ورغم أننا أثرنا هذه الإشكالية أكثر من مرة إلا أن الحكومة لم تتحرك بعد في هذا الشأن، وإلى حين استفاقة مسؤولينا من سباتهم تبقى صحة المستهلك على المحك. هل لكم أن تحدثونا عن عدد المؤسسات العمومية والخاصة التي كانت تنشط في قطاع صناعة النسيج والجلود، والتي تم تصفيتها أو إفلاسها، وعن عدد مناصب الشغل التي تم فقدانها نتيجة لذلك؟ الأرقام التي كانت تصلنا منذ بداية التسعينيات وإلى غاية عام 2006 بشأن تصفية المؤسسات العمومية والخاصة الناشطة في الصناعة النسيجية هي أرقام رهيبة، يكفي أن نقول لكم إن عدد المؤسسات العمومية التي كانت تنشط في سنوات الثمانينيات كان يتجاوز 120 مؤسسة والآن لا يتجاوز عددها 60 مؤسسة تقدم خدماتها خاصة لمصالح الأمن والجيش، ولا نجد منتجاتها إلا نادرا بأسواقنا، أما عدد المناصب التي تم فقدانها في القطاع العام منذ سنة 1990 فيقدر بحوالي 40 ألف عامل، حيث كان يقدر عدد مناصب الشغل في هذا القطاع بأكثر من 55 ألف منصب لم يبق منها سوى أقل من 15 ألف منصب شغل. أما فيما يخص القطاع الخاص فالرقم هو بمثابة كارثة ووصمة عار على اقتصادنا الوطني، فبعدما كان هذا القطاع يشغل 200 ألف عامل، ما يعني 200 ألف أسرة، لم يبق بالمؤسسات التي تمكنت من الوقوف ضد التيار سوى 10 آلاف عامل، وهي أرقام كارثية بالنظر إلى انعكاسها على البينة الإجتماعية من تفشي البطالة والفقر والعوز. ولعل من بين الأسباب التي أدت إلى غلق المؤسسات الانتاجية ندرة المادة الأولية وارتفاع أسعارها، إن وجدت، إلى جانب الضرائب المفروضة على تلك المؤسسات، ما جعلها عاجزة عن الوقوف في وجه المنافسة الأجنبية، وفي الحقيقة لو توفرت الإرادة السياسية لحماية تلك المؤسسات ومناصب الشغل لما وصل قطاع النسيج إلى الحالة الكارثية التي عليها اليوم، فنقول ونعيد إن القضاء على هذا القطاع هو خيار اقتصادي بالدرجة الأولى لمسؤولين غير واعين باحتياجات السوق والبنى الأساسية للأنظمة الاقتصادية، فكان من الأجدر بناء خطط استراتيجية لحماية الصناعة قبل المغامرة والدخول في غمار الرأسمالية التي عصفت باقتصادنا الوطني وتسببت في إفلاس عدد كبير من الشركات العمومية طيلة سنوات التسعينيات. لا يمكننا الحديث عن صناعة النسيج والجلود في الجزائر دون التعريج على مؤسستي "سونيتاكس" و"سونيباك" العملاقتين، ألا ترون أن خسارة مثل هذين القطبين هما بمثابة ضربة للإقتصاد الوطني؟ مؤسستا "سونيباك" و"سونيتاكس" كانتا مجمعين قويين، ينضوي تحت لواء كل واحد منهما عدد كبير من المؤسسات، فمجمع "سونيتاكس" مثلا كان يضم نحو 7 مصانع مختصة في قطاعات مختلفة، وسبب تراجع المجمعين يكمن في عملية إعادة الهيكلة التي باشرتها الدولة في عامي 1982و1983 حيث قسمت المجمع الأخير إلى 11 وحدة إنتاجية، بهدف الإستفادة من التخصص، إلا أن هذه العملية لم تؤت ثمارها المرجوة بل تسببت في انحلالها نتيجة ضعف التسيير من جهة، وعدم تمكن الإدارة المركزية من التحكم في السلسلة الإنتاجية كنتيجة لنقص الخبرة من جهة أخرى. وفي الواقع فإن القرارات الخاطئة التي اتخذها المسؤولون بشأن إعادة هيكلة القطبين الإنتاجيين هي السبب في تراجع نشاط "سونيتاكس" وغلق "سونيباك". وماذا عن محلات ونقاط البيع الخاصة ب"سونيباك"، ماذا كان مصيرها بعد تصفية المجمع؟ في أوج انتعاش صناعة المجمعين، اهتدت الإدارة إلى إنشاء مؤسستين لتسويق منتجات كل مجمع منهما، فأنشئت مؤسسة "ديستريش" لتسويق منتجات سونيباك، ومؤسسة "اناديتكس". وبعد إعادة الهيكلة التي باشرتها الحكومة وتصفية مجمع "سونيباك" تم غلق المحلات التابعة لهما وكذا نقاط البيع، حيث كان لمؤسسة "اناديتاكس" أكثر من 120 محل عبر التراب الوطني لتسويق الأقمشة ومنتجاتها، و70 مخزنا، بينما كانت لمؤسسة "ديستريش" نحو 100 محل، اتخذت شركة تسيير مساهمات الدولة ووزارة الصناعة بشأنها قرار الغلق سنة 2007، وهو ما نعتبره خطأ استراتيجيا لأن تلك المؤسسات لا يمكنها التواصل مع زبائنها دون نقط البيع الخاصة بها، فكيف يعقل أن نتخذ قرار غلق محلات تعمل على توزيع المنتوج الوطني في الوقت الذي نسمح فيه للعلامات الأجنبية بفتح نقط بيع لها في الجزائر لتوزيع منتجاتها في السوق الوطنية التي لم يعد للمنتوج الوطني وجود فيها، بتواطؤ مع لوبيات خفية في مختلف الإدارات والهيئات العمومية.. التي لا يهمها سوى خدمة مصالحها أو مصالح شركائها سواء داخل الوطن أو خارجها. تقدمت الفيدرالية الوطنية للنسيج والجلود، خلال العام الماضي، بطلب الإستفادة من صفقة المآزر إلى الحكومة، بهدف إعادة بعث نشاط عدد من الورشات المحلية وتوفير مآزر موحدة باللونين الأزرق والوردي لتلاميذ الأطوار الثلاثة. أين وصل هذا الطلب خاصة أن الدخول الاجتماعي المنصرم عرف ندرة حقيقية في الأسواق؟ تقدمت الفيدرالية العام الماضي بطلب توفير 8.5 مليون مئزر بالنسبة لتلاميذ الطور الإبتدائي، المتوسط والثانوي، وتوفير هذه الطلبية يستوجب 20 مليون متر من القماش، وكنا مستعدين لتوفيرها بشرط تقديم وزارة التربية درجات اللونين لأن مؤسسات الإنتاج لا يمكنها المغامرة بالشروع في الإنتاج دون معرفة درجات الالوان، إلا أن الوزارة تماطلت في الكشف عنها، ليعود بعدها الوزير أبو بكر بن بوزيد ويصرح أن تلك الدرجات غير مهمة أخلط جميع الحسابات، وهو ما أتاح فرصة حقيقية لجني أرباح طائلة للمستوردين المتواطئين.. فمشكلة الصفقة هي تقنية بحتة، وللأسف لم يتم إسنادها للفيدرالية ومؤسساتها. كما اتفقنا مؤخرا مع وزارة التضامن الإجتماعي لتوفير 350 ألف مئزر إلا أن الصفقة تم إلغاؤها من طرف الوزير سعيد بركات دون إعطائنا التوضيحات اللازمة حول أسباب إلغاء الصفقة واستيرادها من الخارج؟! هل تقدمت الفيدرالية الوطنية للنسيج والجلود بمقترحات للحكومة من أجل النهوض بالقطاع وإعادة إحياء بعض المؤسسات العمومية والخاصة التي كانت في سنوات الثمانينيات والتسعينيات رائدة في مجالها؟ الفيدرالية تعمل على تحضير مقترحات لتطوير القطاع بصفة منتظمة، خاصة أنه لم يعرف أي شراكة من متعاملين اقتصاديين في الداخل أو من الخارج، بل يعاني من استمرار عمليات التصفية والغلق النهائي دون مراعاة الجانب الإقتصادي أو الإجتماعي والثروة والخبرة الكبيرة المتوفرة، كتصفية وحدة سوق أهراس، ومصنع فرندة لصناعة الأحذية بتيارت، مع تهديد وحدات أخرى تشكل النشاط الصناعي الوحيد في ولاياتها، مثلما هو شأن وحدة تسمسيلت. والمشكل لا يكمن في المؤسسات الإنتاجية بل في خيارات الدولة، كونها تعد المحرك الرئيسي لأي قطاع بفعل سلطتها الكاملة في سن القوانين، فالإشكال الحقيقي الذي يواجه قطاع صناعة النسيج والجلود يمكن في الإستيراد، حيث لبناء صناعة قوية في هذا المجال لابد من تضييق الخناق أمام المستوردين بشكل يخدم المنتوج الوطني، كما لا يجب تأثير طريقة الانفتاح على الأسواق العالمية وغياب قوانين وآليات فعالة للتحكم في التجارة الخارجية على اندثار عدد من الصناعات الوطنية، بما فيها صناعة النسيج التي واجهت منافسة شرسة من طرف المنتجات المستوردة المعروضة بأسعار جد تنافسية، ما أدى إلى إفلاس المصنعين الخواص أو تغيير نشاطاتهم إلى الإستيراد! ما هي الآليات التي ترونها من الممكن أن تساهم في انتعاش صناعة النسيج بالجزائر؟ برأيي لا بد من انتهاج مخطط عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المؤسسات ال60 المتبقية، والتي تملك زبونا وحيدا يتمثل في القطاع العسكري وشبه العسكري، من خلال اعتماد تمويل مدروس للمؤسسات الانتاجية العمومية والخاصة، مع ضرورة الأخذ بعين الإعتبار الديون، ما يعني تدخلا قويا للتطهير المالي وتكوين التقنيين والعمال، بالإضافة إلى بحث شراكة مع الخواص المهنيين الذين يمكنهم توفير إضافة إلى النشاط. وتحمّل الفدرالية الحكومة مسؤولية استمرار تردي وضعية القطاع وحرمانه من مختلف الإصلاحات الهيكلية وتدابير النجاعة الجارية، كما أن جميع المستثمرين يرون أن الفوائد المرتفعة على القروض الصناعية ترفع من كلفة الإنتاج، ما يؤدي إلى رفع سعر المنتوج المسوق للمستهلك، ناهيك عن الشروط التعجيزية التي تفرضها البنوك على المستثمرين لمنحهم قروض، فمن بين الوثائق الضرورية التي تشترط البنوك أن يتضمنها ملف الحصول على قرض سندات الطلب، فكل هذه الأمور تتسبب في نفور المصنعين من هذه الشعبة. برأيي لا بد أن تعمل الحكومة على تشجيع الخواص على الإستثمار في الصناعة النسيجية، خاصة أنها تعد من بين الصناعات المتوسطة، من خلال إعفائهم من الضرائب لمدة معينة مثلما هو معمول به في سوريا وتركيا مثلا، وتسهيل منح القروض، إلا أنه للوصول إلى هذه المرحلة لا بد من توفر الإرادة السياسية لإعادة إحياء هذه الصناعة التي تجاوزت عتبة الإحتضار إلى الأفول في ظل غزو المنتجات المستوردة. ومن بين الآليات التي من الممكن أن تساهم في انتعاش هذا القطاع أيضا، إعفاء المواد الأولية المستوردة من الخارج كالقطن، والمواد الصوفية وكذا التجهيزات من الرسوم الجبائية وتخفيض نسبها بشكل يشجع الاستثمار، ولما لا مسح ديون المستثمرين الخواص لاستئناف نشاطهم وإعادة فتح ورشاتهم، خاصة بولايتي البليدة والمدية. تحدثتهم عن مسألة استيراد المواد الأولية، ما يعني أن هذه المواد لا تنتج محليا. هل لكم أن تحدثونا عن المواد التي يتم استيرادها ولم اللجوء إلى خيار الإستيراد؟ الجزائر تستورد أكثر من 90 بالمائة من حاجياتها فيما يخص المواد الأولية المستخدمة في الصناعة النسيجية، وبالأخص القطن، المواد الصوفية والبوليستر. وتجدر الإشارة إلى أن المنتوج الوطني يتكون من نحو 70 بالمائة من المواد القطنية و30 بالمائة من البوليستر، ما يجعله يضاهي المنتجات الأوروبية في الجودة، إلا أن ارتفاع المواد الأولية في الأسواق العالمية وفرض رسوم جبائية على هذه المواد ينعكس سلبا على سعر المنتوج، ولهذا نجد المواطن يحبذ اقتناء المنتجات الصينية نظرا لانخفاض أسعارها رغم ما تحمله من مخاطر صحية، في ظل الرقابة شبه التامة من طرف المصالح الوصية. فللنهوض بالقطاع لا بد أولا من تطوير قطاع الزراعة، خاصة أن الجزائر تملك إمكانيات طبيعية تؤهلها أن تكون إحدى البلدان المنتجة للقطن وتنافس مصر والسودان وباقي الدول الإفريقية، بالإضافة إلى العمل على إنتاج المواد الصوفية من خلال اختيار أصناف الأغنام لتوفير اللحوم الحمراء والصوف. وإذا تكلمنا بلغة الأرقام، بكم يقدر الإستهلاك الوطني في مجال النسيج، وكم تبلغ نسبة التغطية المحلية لهذا الطلب؟ حسب الإحصائيات المتوفرة لدى الفيدرالية فإن الطلب الوطني على صناعة النسيج يقدر بنحو 600 مليون متر سنويا، في حين أن الإنتاج الوطني لا يتجاوز 50 مليون متر، أي ما نسبته 3 أو 4 بالمائة من الطلب السنوي. وإذا تم استغلال الطاقات الوطنية في هذا القطاع ستتمكن المؤسسات المحلية من توفير 200 مليون متر سنويا، أي ما يعني 320 بالمائة من الاحتياجات السنوية. أما نصيب القطاع من الدورة التجارية للسوق المقدرة ب120 مليار دينار سنويا لا يتجاوز 6 بالمائة فقط، وهو رقم ضئيل جدا، ما يستدعي التفاتة جادة من طرف الوزارات المعنية للاهتمام بهذا المجال الحيوي، فلابد من تخطيط برنامج طويل المدى لتطوير مختلف القطاعات الصناعية التي تعرف ركودا منذ سنوات عديدة، وذلك بالعمل على تخصيص ميزانيات وفتح معاهد تكوين لتكوين إطارات واسترجاع الخبرة. وتجدر الإشارة هنا إلى إعادة فتح تخصص "النسيج" بمعهد الصناعات الخفيفية في ولاية بومرداس، بهدف تكوين تقنيين سامين في مجال صناعة النسيج، وهو مشروع قيد الدراسة على مستوى شركة مساهمات الدولة فرع الصناعات التحويلية، ومن المنتظر إعادة فتح هذا التخصص في غضون الأشهر القليلة المقبلة، إلى جانب تخصص الصناعة الميكانيكية. كما ستجتمع اللجنة التنفيذية يوم 19 أكتوبر المقبل لدراسة الوضع الإقتصادي والإجتماعي للقطاع، وسيشارك نحو 60 عضوا نقابيا في هذا الإجتماع الذي ننتظر أن يخرج بقرارات فعالة من شأنها المساهمة في إعادة الإعتبار إلى الصناعة النسيجية الوطنية.