إعلان مقتل أبوبكر البغدادي في إدلب السورية استراتيجيا هو اعلان عن انتهاء مأمورية الرجل وانتهاء تنظيم ما يسمى الدولة (داعش) في المنطقة، وهذا أكبر مبرر للانسحاب الامريكي من سوريا، بعد التحالف الامريكي الروسي التركي وتحت مظلة روسية. رغم انه لم يتم تأكيد مقتله بعد، ومع ذلك فاعلان وفاته كانت حتمية بانتهاء دورة المحلي والاقليمي والدولي منذ سنة 2018، ووجب التذكير بالبعد الوظيفي لهذه التنظيمات ضمن السياق الدولي والثابت أن مقتله هو صفقة سياسية بين أمريكاوتركيا وبهمس روسي وعجز سوري. فالولاياتالمتحدةالامريكية كانت تريد اسقاط سوريا ومعها بقية القوى الصغيرة في المشرق العربي من أجل التفرغ لايران من جهة، من أجل ضمان ديمومة أمن اسرائيل من جهة ثانية، لكنها فشلت في ذلك لدواعي تتعلق بالقوى المتضاربة في المنطقة كالصين وروسيا وتركيا. لكن مقتل البغدادي (ان كان صحيحا) وهذا بعد فحص الحمض النووي الخاص به للتاكد من ذلك، ناهيك عن تضارب الاقوال بطريقة قتله ، فهمناك من يقول انه دمر نفسه بحزام ناسف، وهناك من يقول انه تم ضربه بصاروخ امريكي، يذكرنا هذا باعلان مقتل اسامة بن لادن بعد رميه في البحر والقضاء على دلالات مقتله. ومن ثم يمكن القول ان داعش انتهت جغرافيا من خلال مسح تواجدها في غرب العراق وشرق سوريا. * منذ 2017 حصل الإتفاق بين الروس والأمريكان على ترتيب الوضع السوري وتوزيع مراكز النفوذ بين القوات الامريكية في الشرق والروسية في الغرب، ومنح شرعية الصورة لنظام الأسد الذي لا يسيطر حتى على نصف البلاد. * إستفادت تركيا أردوغان كثيرا من دعمها للتنظيمات الارهابية وتسويقها نحو سوريا فنهبت النفط والمعامل وجعلت عملتها تحقق ارتفاعا رهيبا، ولكن سياق الحرب منح الأكراد فرصة لإنعاش حلم الدولة الكردية.. * بدأت تركيا تفقد بعضا من نفوذها الإقليمي مع تدهور شعبية اردوغان وتقهقهر نفوذه السياسي والانكماش الاقتصادي بعد الإنتخابات البلدية، جعل أردوغان يبحث عن صفقات مع الأمريكان بترحيب روسي، وجاء مقتل البغدادي هدية اردوغان لترامب الذي يعاني مصاعب المشروعية في الكونغرس. إن الولاياتالمتحدة ستجعل من الاعلان عن مقتل ابوبكر البغدادي مبرار لانسحابها من سوريا وربما من الشرق الاوسط كليا، سواء قتل فعلا البغدادي ام لا فالوضع يتكرر مثل اعلانها عن مقتل اسامة بن لادن في افريل 2011، وهذا ايذان لتغير سياستها في المنطقة، خاصة وان الولاياتالمتحدةالامريكية قد وعدت بريطانيا باعادتها الى مجال نفوذها التقليدي مجالها الحيوي في الشرق الاوسط، وهاهي امريكا ستنسحب من اجل ترك فراغها لبريطانيا لملئه من جديد في اطار سياسة بريطانية مستقلة عن المظلة الاوربية ومتحررة نوعا ما عن الغطاء الاطلسي. تنظيم ما يسمى الدولة غير قادر على التصعيد ولا حتى رد الفعل، لانه في الاساس جاء في اطار دورة جديد للفوضى الخلاقة أو بالاحرى الفوضى المنظمة كحال ما يحدث في العراق اليوم أو من خلال جبهة النصرة ذات الدعم المالي القطري والدعم اللوجستيكي التركي، فالتنظيم يدرك أنه إرهاب مصنوع والبغدادي كان مكلف بمأمورية من أجل أمن اسرئيل واليوم انتهت هذه المأمورية. والخلاصة أننا لا يجب الإستسلام لنظرية المؤامرة في المطلق، بل إن ظهور التنظيمات الجهادية هو إنتاج ذاتي للدول العربية الغارقة في التخلف الديني والاستبداد السياسي والفساد المالي، وأن بروزها وصعودها رهين التوظيف الاقليمي والدولي لإيران وتركيا واسرائيل ثم امريكا والعالم الغربي والشرقي على حد سواء.. * مقتل أبو بكر البغدادي لن يكون خاتمة التنظيم ونهايته، فالمشروع الجهادي فعل متجدد حسب الظروف المحلية والإقليمية، ربما يستفيد تنظيم القاعدة من هذه الضربة التي تلقاها داعش، وربما يشتد الصراع بينهما حول المشروعية الجهادية، ولكن هذه المنطقة العربية دخلت مرحلة الحركة والحركية الدائمة ليس اقلها ما يجري في شمال افريقا ومنطقة الساحل المجاورة وفي لبنانوالعراق والسودان واليمن واغلب دول المشرق العربي. * تنظيم داعش قد يتحول من المجال المادي الجغرافي خاصة بعد خسارته على الميدان الى تنظيم افتراضي غير مادي يتوزع في اكل اقطار العالم وتحت مسميات عديدة في شكل عنقودي لا يؤثر مقتل زعيمه على بنية تنظيمه ولا على هيكلته، وقد يستخدم طرق غير مباشرة مثل استراتيجية الذئاب المنفدة في اوربا، او الضربات التخفيزية في افريقيا او غيرها.