اتخذ مجلس الشورى لحركة مجتمع السلم «حمس» القرار المنتظر من مختلف الطبقات السياسية، وهو قرار تكشف عنه مؤشرات كثيرة تثبت بالملموس أن الحركة ذاهبة في هذا الاتجاه، ولا تحتاج إلى تخمين أو جهد تحليلي استثنائي. فقد قرر مجلس الشورى ل«حمس» في دورته الأخيرة بتعاضدية مواد البناء بزرالدة القطيعة مع التحالف الرئاسي مفضلا خوض المعركة السياسية باستقلالية دون التزامات مع الشركاء بخارطة طريق للدخول إلى الخارطة المشكلة على وقع الإصلاحات السياسية. وهي خارطة ترى «حمس» أنها جديرة باقتحامها بصفة انفرادية والتربع على قمة الهرم السياسي للشروع في تطبيق برنامج تقول انه يهدف إلى تثمين الإصلاحات وإعادة لها الوزن والاعتبار والثقل بعد أن أفرغت من مضمونها من تشكيلات تستحوذ على أغلبية المقاعد البرلمانية في إشارة واضحة إلى حزبي «الأفلان» و«الأرندي». قرار القطيعة مع التحالف بدت ملامحه ترتسم في الأفق منذ خروج رئيس «حمس» أبو جرة سلطاني على الملأ منتقدا شريكيه في التحالف بلعب دور لا يخدم إصلاحات رئيس الجمهورية في بناء ديمقراطية صلبة تتنافس فيها الأحزاب على برامج متكفلة بانشغالات المواطنين أكثر من التزامات سياسية أخرى غايتها الإبقاء على الريادة وكبح جماح التغيير في ظرف بلغ فيه الحراك العربي ببعض الوحدات الجوارية الإقليمية أوجهه ولم يعد يقبل بإدارة ظهره للتحول تحت أي ذريعة ومبرر. خروج سلطاني على الملأ بتصريحات ساخنة تنتقد التحالف وتشدد على وجود ترتيب أولوياته والتجدد والتمدد والهبوط إلى المجالس النيابية بدل الإبقاء في قمة الهرم، لم يأخذه الشركاء بالجدية ولم يعيروا له الاهتمام، قللوا من حدته في تصريحاتها واضعينها في خانة تعدد الآراء والمواقف دون السقوط في الأحادية المقيتة. وكانت خرجات سلطاني على أوجهها في التجمعات الشعبية حيث أعطى الانطباع أن «حمس» في طريق يبتعد بالتدريج عن النهج المسطر من التحالف الرئاسي لكن ليس إلى درجة إحداث القطيعة. ومع امتناع نواب الحركة تارة ومعارضتهم جهرا لقوانين الإصلاحات لا سيما النصوص التشريعية للانتخابات والأحزاب وتمثيل المرأة والتنافي حدثت نقطة اللارجوع في مسلك «حمس» ومعرتها لتبوء مكانة تعتقد أنها أهلا لها قبل غيرها بوجودها مستقلة متحررة من تبعات أية جهة سياسية والتزامات. كشف سلطاني جهرا عن هذا الموقف في الندوة المنظمة بمركز «الشعب» للدراسات الإستراتيجية معطيا قراءة مغايرة تماما للمشهد السياسي الجزائري المشكل على وقع الإصلاحات. وظل رئيس «حمس» يدافع عنه إلى أقصى درجة كلما سئل عن العلاقة مع التحالف والى أين ذاهبة الأمور في ظل متغيرات وحسابات تراجع بأسرع ما يمكن وترتيب تفرضها طوارئ. واكتمل المشهد لدى متتبع شأن «حمس» بتأكيد سلطاني الصريح انه لا يريد الترشح لعهدة ثالثة فاتحا المجال للتدويل على الممارسة السياسية عملا وليس قولا فقط منتقدا تمادي «الاتوليتارية» على مستوى التشكيلات السياسية التي يتباهى بعضها بالمطالبة بالتغيير ولا يطبقه على مستواه معيدا تجسيد الشرعية التاريخية محدثا انشقاقات وحركات تقويم وتصحيح على أكثر من صعيد. وفي قرار رفض تمديد العهدة إشارة واضحة إلى أن سلطاني وضع الرئاسيات نصب الأعين، وانه يعمل ما في الممكن من اجل انتزاع هذا المنصب غداة الترشح للانتخابات القادمة. وهناك عامل آخر يستشف من قراءة خيارات رئيس «حمس»، النشاطات الكثيفة التي دأب عليها في الآونة الأخيرة معطيا للحركة حالة التمايز والاستثناء كاشفا عن نظرة مغايرة للأحداث المتسارعة مستثمرا كل كبيرة وصغيرة مراهنة على احتلال الريادة في الاستحقاقات القادمة أسوة بما جرى في أنظمة عربية اكتسحت فيها الحركات الإسلامية الساحة السياسية واستحوذت على اكبر المقاعد وصناديق الاقتراع. فمن محاولة توسطه في النزاع الداخلي الليبي قبل الانفجار وتدخل «الناتو»، إلى زيارته للدوحة تساؤلات تطرح أي دور يلعبه ولمصلحة من يوظف ما يجري في الحراك العربي الذي برزت فيه قطر دولة ضاربة على وتر التغيير لخارطة سياسية ثبت النظام العربي فيها عجزا وتآكلت أنظمته الواحدة تلو الأخرى وسقطت تحت رياح عاتية خارجية تهب من اجل الشرق الأوسطية الجديدة!.