فرضت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نفسها خيارا استراتيجيا في الجزائر كواجهة لخلق الثروة والقيمة المضافة والعمل. وأظهرت التجربة الممارسة على مدار السنوات أنها الرافد القوي للانتعاش الاقتصادي والخروج من حالة الندرة والكساد إلى الانتاج الموسع ليس فقط لتلبية الحاجيات الوطنية الملحة بل التصدير إلى أبعد أفق وفضاء حر. ويبرز الخطاب السياسي الموجه إلى المتعاملين واصحاب المشاريع الصغرى، مدى الاهتمام بترويج المنتوج الجزائري وايصال علامته إلى الآخر ضمن مواصفات ونجاعة لا تقبل الرفض، وهي مواصفات اصبحت ضرورة حتمية وجواز سفر للمنتوج الوطني للولوج إلى المناطق الاقتصادية الحرة المفتوحة بعد امضاء الجزائر اتفاقات وعقود مع أكثر من طرف. في صدارتهم الاتحاد الأوروبي الذي يجرى معه مفاوضات من أجل تمديد أجل التفكيك الجمركي إلى أفق 2020، بدل 2017 المحددة في إطار اتفاق الشراكة المجسد في الميدان بدء من 2005. وهناك المنطقة العربية الحرة التي انخرطت فيها الجزائر في السنوات الأخيرة بعد معركة طويلة انتهت بحسم اشكاية بضاعة المنشأ، والترويج للمنتوج الأصلي والأصيل، بدل التقليد والغش في العلامة. وهناك المنطقة الافريقية التي تراهن عليها الجزائر في ضخ منتوجاتها الوطنية المتعددة، والاستفادة من تجربتها السابقة في استعادة موقعها الاقتصادي في الخارطة الافريقية. وبدأت المؤشرات الايجابية تلوح في الأفق، فاتحة المجال لتدفق السلع والخدمات الجزائرية لربوع هذه القارة التي تسعى القوى الكبرى للابقاء على احتكارها عليها واعتبارها مجرد سوق تأخذ منه، المواد الأولية بأرخص الأتمان، واغراقه بالمصنوعات المرتفعة جدا، محافظة على العلاقة المختلة على الدوام بين المركز والمحيط حسب تعبير الاقتصادي سمير أمين، وتقنين التقسيم الجغرافي السياسي شمال جنوب... على هذا الاساس وضعت الجزائر البرنامج الوطني من أجل انشاء 20 ألف مؤسسة في المخطط الخماسي، وتأهيلها بصفة تسمح لها بالتنافس اعتمادا على القدرات الذاتية دون اشكالية على الدولة. وتكشف جدية البرنامج تزويده بآليات دعم ومرافقة تسمح للمؤسسات الانتعاش في محيط مطهر من الوحدات الطفيلية التي تشكل خطرا على الاقتصادي الوطني. ويؤكد هذا، ما قررته الثلاثية في اجتماعها الأخير، من اجراءت توصي، باتخاذ التدابير العاجلة من أجل مساعدة المؤسسات الصغيرة مالكة مقومات الاقلاع على تخطي الصعوبات المالية، وهي انشطة لم تنطلق بالكيفية اللازمة لسبب أو لآخر خارج عن نطاق هذه المؤسسات. وتقضي المرافقة والمساعدة، باقامة جدولة لمديونيتها تسمح لها، بالاقلاع ثانية. وأطلعنا رشيد موساوي المدير العام لوكالة تطور المؤسسات الصغيرة في تصريح لنا مؤخرا، مسعى المؤسسة في هذا الاطار، ولعب دور في مرافقة المؤسسات التي تواجه صعوبات من أجل تزويدها بالتأهيل والمواصفة. وسجلت الوكالة على مستواها 1020 ملف مدرج ضمن برنامج التأهيل في صيغته الجديدة بدء من جانفي الماضي. وجاء هذا التجارب مع حملات التحسيس المنظمة بالملتقيات المختلفة تشدد على ضرورة كسر المؤسسة الجزائرية حالة التردد والخروج إلى الميدان بسلاح النجاعة القوة الدائمة والثروة غير الناضبة. وتحمل الصيغة الجديدة للتأهيل اشياء جديدة تعد أساسية للمؤسسة مثل الاستثمارات المادية ومعناها، التدخل عند الضرورة، لمساعدة الوحدات تقنيا وماليا، وباعتماد آليات تمويل مسيرة القروض والجباية. ويعزز هذا الجانب، ما تقرر سابقا من استثمارات غير مادية توجه للمؤسسة القابلة بشروط الاندماج في التأهيل للتسلح بالمواصفات وشهادات المطابقة ايزو. ويشمل البرنامج السابق بالخصوص مجال تنظيم دورات تكوينية للموارد البشرية تساعدها على اقتحام المواصفات بأسرع ما يمكن. بهذه الطريقة انشئت 50 ألف مؤسسة مصغرة، معظمها من طرف شباب حاملي المشاريع حسب زعيم بن ساسي رئيس المجلس الوطني الاستشاري والمؤسسات. وعلى هذا المنوال تجري التحضيرات لانشاء مؤسسات أخرى اعتمادا على التدابير والاجراءات التحفيزية في التمويل البنكي والعقار والجباية. وتضاف هذه الوحدات إلى 670 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة، تنشط في الميدان، خلقت 70 ألف منصب عمل في قطاعات استراتيجية تحتل الأولوية في المخطط الخماسي الممتد إلى أفق 2014. مقابل هذا لا يمكن التنكر لاشياء سلبية وعدم التذكير بها، والحديث عن المؤسسات التي لم تنجح في العمل وتخرج إلى الانتاج الموسع وعددها 30 ألف مؤسسة في قطاعات منتجة وغير منتجة لاسيما في التصدير والاستيراد. فشل هذه المؤسسات، جاء تطبيقا لقاعدة التنافس في السوق، وهو تنافس بقدر ما يفسح المجال لميلاد منشآت ووحدات، يسمح باختفاء أخرى أنها تجربة تأخذ من جانبها الايجابي والسلبي، والأجدر جعل من السلبي قوة انطلاق نحو الأحسن، والأفيد، يأخذ مقومات النجاعة مأخذ جد، دون السقوط في خطاب الاحباط وفقدان الأمل.