أعطى قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، النموذج الحي لكيفية إحداث النقلة النوعية في جزائر تشق طريقها نحو التطور والبناء اعتمادا على القدرات الوطنية دون اتكالية على الخارج وما تمليه من شروط واكراهات ترهن السيادة والقرار السياسي. وكشف القطاع الذي حافظ على وتيرة التطور بانتظام رغم المحيط الصعب في اغلب الأحيان، المتسم بالاختلالات، انه جدير بالاهتمام والعناية خاصة بعد النتائج المسجلة في الميدان على الدوام، في مجالات خلق الثروة والقيمة المضافة والعمل، وهي نتائج تعطي القناعة بإمكانية رفع قدرات الاقتصاد الوطني خارج المحروقات ولو بالنزر المقبول رهان السياسة الوطنية من زمان. فقد تجاوزت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العام الماضي عتبة 400 ألف مؤسسة، وفرت أزيد من مليون منصب عمل بأخذ في الحسبان رؤساء المؤسسات المصرح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي لغير الأجراء »كاسنوس «. ويحتل القطاع الخاص الأغلبية الساحقة في انتشار المؤسسات الصغيرة، في ظل تراجع العمومية إلى 666 وحدة تحت وقع الخوصصة، والرقم مرشح للنزول إلى الأسفل في السنوات الآتية بعد أن فضلت الإستراتيجية الصناعية الاهتمام بالوحدات الحساسة ذات القدرة التنافسية وفرض الوجود دون دعم كل الفروع. وما يزيد القناعة عن تكاثر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بفضل آليات التحفيز والمرافقة والتأهيل، بروز أكثر من 30 ألف مؤسسة خلال عام 2008 فقط، بمعدل سنوي 9 في المائة. وبهذا الرقم تكون وتيرة النمو المرصدة في القطاع ، والناتجة عن المشاريع الكبرى المنجزة من السلطات العمومية ، قد تجاوزت الأهداف المسطرة ضمن برنامج رئيس الجمهورية في مجال المقاولة في أفق السنة الجارية. وتحمل الآمال العريضة لتجسيد المشاريع المبرمجة للحقبة الخماسية الجارية على أحسن حال وأوفر الفرصة. وتأكد في الميدان أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تقع في دوائر وزارية متعددة من أشغال عمومية وصيد بحري وفلاحة وأنشطة أخرى تعكس ظاهرة انتشار المقاولين والحرفيين ، وتطبع الحياة الاقتصادية المتغيرة في الجزائر، في حاجة ماسة إلى علاقة تناسق وتكامل من مختلف الهيئات بعيدا عن العمل الفردي وقاعدة ''هذا ليس من اختصاص دائرتي'' . وتظهر المسألة كم هو ضروري التكفل الجماعي بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تسجل أعلى النتائج، وتساهم اكبر من غيرها في الناتج الوطني الخام إلى جانب الأشغال العمومية والفلاحة. وتظهر كم هو استعجالي التحرك الجماعي لمرافقة المؤسسات في التوسع والانتشار لإعادة الأمل في إمكانية إقلاع الاقتصاد الوطني والخروج الأبدي من حالة الندرة والكساد والتمادي في الإنتاج للسوق الوطنية فقط دون التصدير إلى ابعد الفضاءات وأكبرها. وهو تصدير ملح في ظل تلاشي الاكراهات الجمركية والجبائية بتطبيق اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والانضمام إلى المناطق التجارية الحرة آخرها المنطقة العربية في انتظار المنظمة العالمية للتجارة. لقد ركزت السياسة الوطنية لترقية قطاع المؤسسات وإحاطته بسياج من الحماية والدعم، على تكاتف جهود الدوائر الوزارية ، والخروج من عقلية العمل في دائرة الاختصاص والوصاية. وبينت أن توسيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى المهن الحرة والأشخاص الطبيعيين والقطاع شبه الفلاحي ، بفرض مزيد من التنسيق الوزاري وكسر العمل الانفرادي غير المجدي. وبهذا السعي الحثيث، والتحرك الوزاري الجماعي وفق تقاسم وظيفي محكم لا يترك المجال لأي هفوة وخلل، تتعزز المؤسسات الصغيرة والمتوسط. ويهيء لها محيط الأعمال والاستثمار للنشاط بأكبر طاقة وأقوى إمكانية، ويعرف بدقة عدد المؤسسات التي أنشئت خلال مدة زمنية محددة، والمؤسسات التي تلاشت تحت زحمة المنافسة الشرسة. وبهذه الطريقة الشفافة التي تفضي إلى مصداقية في العلاقة التكاملية بين الوزارات التي تقع في نطاقها الوحدات حاملة هذه التسمية والاختصاص، نقضي على إشكالية إحصاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ونقف عن حقيقة الأرقام الكاملة الدقيقة التي لا تقبل الشك والاختزال وترسم صورة كاملة عن المهن الحرة والأنشطة التي تتهرب من الدائرة الإحصائية للوزارة الوصية. وبهذا الأسلوب تسد الشروخ، ولا تفتح المجال على مصراعيه للجدل العقيم حول كم هو عدد المؤسسات التي أنشئت في الجزائر وبأي كيفية وهل تحمل مقومات التأهيل لمواجهة منافسة مشتدة على آخرها لا تسمح بالضعيف والذي حكم على نفسه بالموت من خلال الإنتاج إلى السوق الوطني استثناء دون القفز على المعادلة إلى التصدير بالحجم الوفير إلى مستهلكين آخرين، في عالم يتقارب بتحد صريح ، تتهاوى أمامه بعد المسافة والحدود ،عدا حدود النوعية والجودة.