وضع ركائز لقيام الدولة الجزائرية الحديثة عن طريق الدستور والميثاق الوطني، أحد رموز حركة عدم الإنحياز، لعب دورا هاما على الساحة الأفريقية والعربية، وكان أول رئيس من العالم الثالث تحدث في الأممالمتحدة عن نظام دولي جديد، كان من دعاة رفع التحدي ومقاومة الاستعمار والإمبريالية وصاحب المقولة الشهيرة وشعار للجزائر حتى الآن» نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة» ، هو الرئيس الراحل هواري بومدين الذي فقدته الجزائر والعالم العربي والإسلامي. بومدين في الذكرى ال41 لوفاته في 27 ديسمبر 1978 ما يزال في قلب كل الجزائريين ، كان يتألم لمعاناة المواطن البسيط وخاصة الفلاح، لأنه إبن فلاح عانت عائلته من ويلات الإستعمار ككل الجزائريين آنذاك، رحل نظيفا رغم كل الإنتقادات التي طالته في حياته وبعد مماته. في تصريح ل»الشعب» يؤكد الأستاذ عمار بوحوش أن بوخروبة محمز التحق بالثورة شابا تحذوه إرادة تحرير البلاد . مشيرا الى أن بومدين كان جاف الطبع، قليل الكلام، وعبوس الوجه . يقول من عايشه أن بومدين أنه كان إنسانا هادئا له ذاكرة خارقة للعادة، يسمع دون أن يعلق ولكنه يدرك أهدافه جيدا، ويقول المناضل الراحل أحمد محساس أن الرئيس الراحل كان من الشبان الذين التزموا التزام عظيم بالثورة وتعلموا في مدة قليلة، كان له اخلاق تجعله يتطور بسرعة. بالمقابل يصفه مستشاره الإعلامي محي الدين عميمور بالرجل الصلب. وقال العقيد المتقاعد وأستاذ العلوم السياسية أحمد عظيمي ، أن حياة الرجل ارتبطت بتاريخ الجزائر لفترة طويلة، حيث بدأت علاقته بالجزائر في الثورة التحريرية وبالمغرب بالذات على الحدود الجزائرية المغربية لما إلتحق هناك بالثورة، حيث قال عنه بوصوف قائد المخابرات الجزائرية أن هذا الرجل فيه شيء من الذكاء الخارق. وأبرز المؤرخ الفرنسي المتخصص في حرب الجزائر جون مونيري بأنه يتذكر أن بومدين لم يتجاوز ال 22 سنة عندما اندلعت ثورة التحرير سنة 1954 . هواري بومدين واسمه الحقيقي محمد إبراهيم بوخروبة ولد في 23 أوت 1932 بدوار بني عدي مقابل جبل دباغ بلدية مجاز عمار غرب مدينة قالمة، ابن فلاح بسيط من عائلة كبيرة العدد ومتواضعة الحال، درس القرآن في القرية التي ولد فيها، وكان عمره آنذاك 4 سنوات، وعندما بلغ سن السادسة دخل مدرسة ألمابير سنة 1938 في مدينة قالمة و تحمل المدرسة اليوم اسم مدرسة محمد عبده، وكان والده يقيم في بني عديّ ولهذا أوكل أمره إلى عائلة بني إسماعيل وذلك مقابل الفحم أو القمح أو الحطب، وهي الأشياء التي كان يحتاجها سكان المدن في ذلك الوقت . بعد ثماني سنوات من الدراسة بقالمة عاد إلى قريته في بني عدي، لقد كان بومدين يدرس في المدرسة الفرنسية، وفي نفس الوقت يلازم الكتّاب من طلوع الفجر إلى الساعة السابعة والنصف صباحا، ثمّ يذهب في الساعة الثامنة إلى المدرسة الفرنسية إلى غاية الساعة الرابعة وبعدها يتوجّه إلى الكتّاب مجدداً. في سنة 1948 ختم القرآن الكريم وأصبحَ يُدَرّس أبناء قَريتِه القرآن الكريم واللغة العربية، وفي سنة 1949 ترك محمد بوخروبة أهله مجدداً وتوجه إلى المدرسة الكتانية في مدينة قسنطينة ، وكان نظام المدرسة داخلياً وكان الطلبة يَقُومون بأعباء الطبخ والتنظيف. وفي تلك الآونة كان عمه الحاج الطيب بوخروبة قد عاد من أداء فريضة الحجّ مشيا على الأقدام، وبعد عودته ذهب إليه هواري ليقدّم له التهاني. كان هواري يسأل عمه عن كل صغيرة وكبيرة عن سفره إلى الديار المقدسة، وكان عمه يخبره عن كل التفاصيل و دقائق الأمور وكيف كان الحجاج يتهربون من الجمارك والشرطة في الحدود، وحدّثه عن الطرق التي كان يسلكها الحجّاج، وكان بومدين يسجّل كل صغيرة وكبيرة، وكان بومدين يخطط للسفر حيث أطلع ثلاثة من زملائه في المدرسة الكتانية على نيته في السفر وعرض عليهم مرافقته فرفضوا ذلك لأنهم لا يملكون جواز سفر، فأطلعهم على خريطة الهروب وقال: هذا هو جواز السفر . من تونس توجه هواري بومدين إلى مصر عبر الأراضي الليبية، وفي مصر التحق وصديقه (بن شيروف) بالجامع الأزهر حيث درس هناك وتفوق في دراسته، وقسّم وقته بين الدراسة والنضال السياسي حيث كان منخرطا في حزب الشعب الجزائري، كما كان يعمل ضمن مكتب المغرب العربي الكبير سنة 1950، وهذا المكتب أسّسه مناضلون جزائريون ومغاربة و تونسيون تعاهدوا فيما بينهم على محاربة فرنسا وأن لا يضعوا السلاح حتى تحرير الشمال الأفريقي، ومن مؤسسي هذا المكتب علال الفاسي من المغرب و صالح بن يوسف من تونس وأحمد بن بلة وآيت أحمد من الجزائر وكان هذا المكتب يهيكل طلبة المغرب العربي الذين يدرسون في الخارج . كان عبد الحفيظ بوصوف مع العربي بن مهيدي الولاية الخامسة. وفي عام 1956، غادر بن مهيدي قيادة الولاية الخامسة التاريخية للانضمام إلى المجلس الوطني للثورة الجزائرية، و في سبتمبر 1957، تولّى هواري بومدين قيادة الولاية الخامسة. مع اندلاع الثورة الجزائرية و في الفاتح من نوفمبر 1954، انضم إلى جيش التحرير الوطني في المنطقة الغربية وتطورت حياته العسكرية، ففي 1956 أشرف على تدريب وتشكيل خلايا عسكرية، وقد تلقى في مصر التدريب حيث اختير هو وعدد من رفاقه لمهمة حمل الأسلحة، 1957 أصبح منذ هذه السنة مشهورا باسمه العسكري «هواري بومدين» تاركا اسمه الأصلي بوخروبة محمد إبراهيم وتولى مسؤولية الولاية الخامسة، 1958 أصبح قائد الأركان الغربية، 1960 أشرف على تنظيم جبهة التحرير الوطني عسكريا ليصبح قائد الأركان، 1962 وزيرا للدفاع في حكومة الاستقلال، 1963 نائب رئيس المجلس الثوري. كمسؤول عسكريّ بهذا الرصيد العلمي جعله يحتل موقعا متقدما في جيش التحرير الوطني وتدرجّ في رتب قيادة الجيش . تولى رئاسة الأركان من 1960 حتى الاستقلال سنة 1962. وعيّن بعد الاستقلال وزيرا للدفاع ثم نائبا لرئيس مجلس الوزراء سنة 1963 دون أن يتخلى عن منصبه كوزير للدفاع. تولى بومدين الحكم في الجزائر بعد التصحيح الثوري في 19 جوان 1965 ، إلى غاية ديسمبر 1978 ، وكان في أول الأمر رئيسا لمجلس الثورة تم انتخابه رئيسا للجمهورية الجزائرية عام 1976. ثلاثة تحديات الزراعة، الصناعة، والثقافة بعد أن تمكن بومدين من ترتيب البيت الداخلي، شرع في تقوية الدولة وكانت أمامه ثلاثة تحديات وهي الزراعة والصناعة والثقافة، فعلى مستوى الزراعة قام بتوزيع آلاف الاراضي الفلاحية على الفلاحين الذين كان قد وفّر لهم المساكن من خلال مشروع ألف قرية سكنية للفلاحين، وقضى على معظم البيوت القصديرية والأكواخ التي كان يقطنها الفلاحون، وأمدّ الفلاحين بكل الوسائل والإمكانات التي كانوا يحتاجون إليها. إضافة إلى السياسة التنموية اهتم الرئيس بالإصلاح الاجتماع والسياسي، ووضع أسس الدولة الجزائرية، بدا بقانون التأميم، ثم وضع ميثاقا وطنيا شاركت جميع فئات الشعب فيه، وانبثق عنه دستور ،ثم انتخاب المجلس الشعبي الوطني من طرف الجماهير الواسعة. هذه الخطوط العريضة لسياسة الرجل على المستوى الداخلي، استقطب الكل لخدمة الوطن . كانت ثورة هواري بومدين الزراعية خاضعة لإستراتيجية دقيقة بدأت بالحفاظ على الأراضي الزراعية المتوفرة، وذلك بوقف التصحر وإقامة حواجز كثيفة من الأشجار أهمها السد الأخضر للفصل بين المناطق الصحراء والشمال، وقد أوكلت هذه المهمة إلى شباب الخدمة الوطنية. و تمثل الثورة الزراعية النابعة من ضرورة تاريخية و سياسية إجراء شاملا من بين العوامل المحددة للنشاط الزراعي و الحياة في المناطق الريفية وفقا للتعريف الذي أعطي لهذا المشروع آنذاك . و شكلت الثورة الزراعية بالفعل انطلاقة جديدة للفلاحة الجزائرية من شأنها أن تسمح بالوصول إلى أفق حقيقية للتنمية من خلال «عمل منسق و متواصل» تجاه العوامل البشرية و المادية التي تعيق مسار النمو. و كانت الصيغة المصادق عليها لمشروع الميثاق المتعلق بالثورة الزراعية تحمل آفاق مستقبلية كونها لم تقتصر على عمليات استصلاح و منح الأراضي فقط بل وفرت أيضا الظروف الملائمة للتنمية الريفية. وعلى صعيد الصناعة الثقيلة قام بإنشاء المصانع ومركبات ومن القطاعات التي حظيت باهتمامه قطاع الطاقة، قام هواري بومدين بتأميمه في 1971 الأمر الذي انتهى بتوتير العلاقات الفرنسية –الجزائرية، وقد أدى تأميم المحروقات في الجزائر إلى توفير سيولة نادرة للجزائر ساهمت في دعم بقية القطاعات الصناعية والزراعية. بالتوازي مع سياسة التنمية قام هواري بومدين بوضع ركائز الدولة الجزائرية، وذلك من خلال وضع الدستور و الميثاق الوطني الجزائري للدولة وساهمت القواعد الجماهيرية في إثراء الدستور و الميثاق الوطني الجزائري، رغم ما يمكن أن يقال عنهما إلا أنهما ساهما في ترتيب البيت الجزائري ووضع ركائز لقيام الدولة الجزائرية الحديثة. ومات هواري بومدين في صبيحة يوم الأربعاء 27 ديسمبر 1978 في الساعة الثالثة وثلاثين دقيقة فجراً.