أكد طبيب العيون، الروائي والفنان التشكيلي السوري محمد الحاج صالح ل”الشعب” أن الكتابات الجزائرية لها خصوصيتها في كتابة التاريخ، حيث أن الأدب يكتب التاريخ الحقيقي، في حين يكتب المؤرخون لتاريخ المنتصر، ومتمنيا عودة الثقافة العربية إلى مكانتها القديمة، حيث كان أبناؤها فاعلين وليسوا مستخدمين. هل زيارتك للجزائر جعلتك تتطلع لأول مرة على الأدب الجزائري، أم كنت على تتبع له من قبل؟ أنا على اطلاع على الأدب الجزائري من خلال بعض الروائيين أمثال الطاهر وطار رحمه الله، رشيد بوجدرة، واسيني الأعرج، وخاصة أحلام مستغانمي لأنها تعيش قريبة منا في لبنان، ومعظم مؤلفاتها ورواياتها متوفرة في بلادنا. ولكن لا اجزم أنني اعرف الكثير عن الكتاب، الأدباء والروائيين الجزائريين خارج هؤلاء الأربعة، إضافة إلى بعض القصائد التي قرأتها للشاعر أبو القاسم خمار. إلا أن صلتنا بالجزائر قد تكون صلة روحية منذ القديم، حيث اذكر انه كان ضمن برنامجنا في الثانوي قصيدة عن الجزائر. وهذه هي زيارتي الأولى للجزائر غير أنني وباكتشاف ما تخفيه من إبداع وفن، وأتمنى أن أعود إليها مرات عديدة. وكيف وجدت أدبنا باطلاعك عليه من خلال الروائيين السابق ذكرهم؟ عندما أتحدث عن الأدباء الذين ذكرتهم، وأعيدها لا اعرف الكثير عن الأدب الجزائري خارج هؤلاء، فأقول انه ومن خلال قراءاتي المتعددة لكتاباتهم فقد وجدتها متميزة. وهذه الأسماء هي مفاتيح للأدب الجزائري. أما الجلسات التي حضرتها هنا في الجزائر فهي حوارية نقدية تمحورت حول الأدب الجزائري من شعر، رواية، الشيء الذي ولد لدي الشغف للبحث واصطحاب عدد من الروايات والقصص حتى اقرأها واكتشف أكثر الأدب الجزائري وأقلامه التي لا اعرفها ولم أتعرف عليها وهم كثر. فقد شاهدت أساتذة جامعيين يقدمون تحليل نقدي، وهذا التحليل جعلني اسمع بشاعر اسمه مالك بن ديبو وآخرين، فقد جردت قائمة طويلة لكتاب، أدباء وشعراء حتى ابحث عن مؤلفاتهم وبالتالي الغوص في الأدب الجزائري، مع اكتشاف خباياه. هل الروايات التي تصطحبها معك لكتاب من الجيل الماضي، أم شباب؟ تعرفت على الكثير من الأدباء والكتاب الشباب وطبعا حتى الكبار، وسوف اقرأ للشباب كما اقرأ للكبار، وسأجعل هذه التجربة التي فاتتني وهنا اقصد الاحتكاك بالكتاب الجزائريين، فرصة ثمينة للتعرف أكثر والتقرب من الواقع الجزائري، لان الأدب يحمل الصورة الحقيقية للمجتمعات. وقد لاحظت أن الشعب الجزائري متدين ومحافظ، الشيء الذي زادني شغفا لاكتشافه والغوص في خباياه من خلال كتابات أبنائه. من خلال كلامك، يتبين انك لأول مرة تحتك مع جزائريين، ورغم اطلاعك السابق على أدبهم إلا انك تجهل الكثيرعن الجزائر؟ ليس كذلك، فسوريا لها الفخر أن استضافت شخصية جزائرية فذة تمثلت في الأمير عبد القادر، التي كتب عنها واسيني الأعرج، وبقراءتي لروايته وجدت بعض الظلم لهذه الشخصية العظيمة، حيث جعل واسيني الأعرج في روايته الأمير عبد القادر يعتذر للفرنسيين، وفي الحقيقة هو لم يعتذر وبقي مرفوع الرأس والهامة، وبقي رمزا، حيث عرفنا هذه الشخصية في سوريا منذ الطور الابتدائي. لنعرج على النقد، كيف ترى النقد في الأدب العربي؟ النقد حول الكتابات الأدبية، الروائية والقصصية مهم جدا، وأنا أرى أن دول المغرب العربي خاصة الجزائر والمغرب لها خاصية مميزة في النقد. الروايات المتميزة هي التي تأخذ حيزا كبيرا من النقد، وهذا هو شأن رواية الأمير عبد القادر التي أخذت حيزا كبيرا من النقاش في اللقاء والأعمال النقدية، إضافة إلى بعض الروايات المعتمدة على التاريخ. والشيء الذي لاحظت أن هناك نقد جميل في الجزائر. قلت الرواية المعتمدة عل التاريخ، كيف وجدتها في الجزائر؟ الأدب الجزائري بشكل عام له خصوصيته في كتابة التاريخ، فالأدب يكتب التاريخ الحقيقي، أما التاريخ فهو يكتب التاريخ المنتصر. يقال أن وقع الكلمة اكبر من وقع الرصاص، ففي خضم هذه التحولات والأزمات التي تتخبط فيها الأمة العربية، أين هو المثقف منها وما دوره في تحقيق الإصلاحات، وما هي العوائق التي يجدها أمامه؟ دور المثقفون مهم دائما في صنع الثورات وفي تحريك الشعوب، فهم صناع الثورات ويحملها أناس آخرون. فالمثقف العربي له دور فاعل في معالجة ما يجري في العالم العربي، وأنا بدوري أميل إلى العقلية، أي استخدام العقل في مثل هذه الصراعات، والمفكر والعقل يميل نحو الإصلاح، وأنا أؤمن بشيء اسمه الدولة المدنية الديمقراطية، التي تتحقق فيها الحرة والعدالة لجميع المواطنين دون استثناء، وفي الدولة المدنية الديمقراطية حرية الكلمة في المقدمة الأولى. وفي هذا الصدد أقول أن للمثقف دور مهم في مثل هذه الأوضاع، وهو يقوم به، وربما هناك شيء اسمه مثقفو السلطة ، وهم الذي ينحازون للسلطة دائما، وعموما عندما نقول مثقف فعلي فنقصد ذلك الذي ينحاز للشعب وللقيم والأخلاق والذي يعمل على رفع الظلم. نفهم من كلامك أن المثقف العربي يقوم بدوره كما يلزم ولا يجد أمامه ما يعرقل رسالته النبيلة؟ أقول أن المثقفين يقومون بدورهم قدر الإمكان، خاصة بوجود الانترنيت، فسابقا كان من الصعب جدا وبسبب عدم وجود الانترنيت نكتب على الصحف والمجلات الداخلية، أما اللجوء إلى الكتابات خارج البلد فيكون ناجم عن ضرر للمثقف، واليوم على الانترنيت التواصل الثقافي أصبح أوسع واكبر، خاصة شريحة العشرينيات والثلاثينيات وهي الفاعلة في المجتمع. هل الكاتب في سوريا يكتب بحرية؟ الكاتب داخل سوريا ليست له الحرية المطلقة في الكتابة، وعلى الانترنيت والتكنولوجيا الحديثة فالكاتب مهما كانت ميولاته أو توجهاته يكتب ما يشاء ولمن يشاء. ألا ترى أن هذا الشيء يقلص من إنتاج الكتب والمطبوعات؟ ليس كل ما يكتب يطبع، فنحن نكتب ما نشاء واخص بالذكر الروايات والقصص الصغيرة والشعر، فالرقابة ضعيفة جدا عليها، حيث عادة ما تقيم هذه الأعمال على أساس الجودة، بمعنى هل هذا العمل يرقى لان يكون أدبا أو ثقافة أو علما، وإذا نزلنا إلى الواقع نجد أن عدد الكتب التي تطبع ضئيل جدا، حيث نجد مئات الكتب تقدم في السنة للطبع، إلا أن اتحاد الكتاب ينعم بالنشر على كتابين أو ثلاثة على أكثر الحدود. في رأيك ما هي الأسباب؟ السبب ليس الناحية السياسية أو شيء آخر، لكن الجودة هي العامل المتحكم في الطباعة، أحيانا إذا كان هناك تطرف ضد الرموز سواء كانت دينية أو سياسية، فهناك شيء ما اسمه رأس الهرم، لا يجوز أن يشتم بأي حال من الأحوال، إضافة إلى الرموز الدينية، ماعدا هذا فكل شيء مسموح، وان تعلق بالسياسة فلا يكون بشكل مباشر وصريح. فنادرا ما نسمع أن هناك رواية منعت من النشر، وإذا كان ذلك فتيقنوا انه يكون لها رصيد عال من الطباعة خارج سوريا، أو بالسوق السوداء ثم توزع. أما الحرية في الكتابة عبر صفحات الجرائد والمجلات فهي محدودة ، غير أنها بدأت في سوريا في الأشهر الأخيرة تأخذ منحى آخر، حيث نكتب وننتقد ما نشاء دون الوصول إلى رأس الهرم. قلت أن للانترنيت دورا كبيرا في نشر ما منع من الطبع، ألا ترى أن هذه الوسيلة بقدر ما هي نعمة، نقمة تساعد في ابتعاد القارئ عن المطبوع؟ هذا الكلام ربما صحيح بنسبة ما وخاطئ بنسبة أخرى، لان شبكة التواصل الاجتماعي قد تسمح لمستعمله أن يقرأ عدد من المقالات والمواضيع المختلف التي يتطلع عليها عدد كبير من القراء في زمن وجيز، وبالتالي فأرى أن الانترنيت ترفع نسبة المقروئية وليس العكس. رغم التكنولوجيا الحديثة، والفعاليات وكبرى المهرجانات التي تنظم في مختلف الدول العربية، إلا أن الهوة بين المثقف العربي وأخيه في بلد آخر تبقى موجودة، فهل فعلا هذه التظاهرات تقوم بدورها أم تبقى مجرد بروتوكول؟ لن أقول هذا، بل أجد هناك تكامل، ففي المغرب اهتمام كبير بالنقد حكم المغاربة قريبين إلى المدارس الغربية، والجزائر الرواية فيها متطورة، تونس تهتم بالقصة، موريتانيا رائدة في الشعر، وسوريا ناجحة في الشعر والرواية بحكم قدمها فيها، لذلك أؤكد أن هناك تكامل بين الدول العربية. فهذه الفعاليات تسمح باللقاء واحتكاك المثقفين. كلمة أخيرة؟ اعتقد أن هناك تطور، فعندنا ثقافة قديمة تراكمية، وهي أساس تراثي كبير، المستعمر ربما قضى على تراثنا فترة من الزمن، غير أن ثقافتنا تستيقظ، وبالتالي أصبحنا نستفيد من تراثنا القديم للارتقاء إلى المستقبل، وأنا شخصيا لدي نظرة متفائلة، حيث أن الثقافة ستؤدي دورها في ربط الشعوب العربية، للالتحاق بالركب الحضاري، والعودة إلى أصلنا حيث كان المثقفون العرب في القديم فاعلين وليسوا مستخدمين.