مناضلة وشاعرة جاءت من أيام ثورة الكفاح المجيدة، التي كابد فيها الشعب الويلات في سبيل الحرية، وما تلبث أن تعود بمن تحدثه إلى تلك الأيام، تستعرض ما تحفل به ذاكرتها من أحداث، ويزيدك إحساسا بما ترويه صوتها الذي يردد أناشيد وطنية وثورية، تكتبها وتلحنها، من وحي ما يجول بخاطرها عن حبيبتها الجزائر. الشاعرة “فاطمة الزهراء سليمي” في حوار مع “الشعب”. بداية، كيف تحب المجاهدة والشاعرة “فاطمة الزهراء سليمي” أن تقدم نفسها للقارئ؟ أنا امرأة جزائرية الأصل والموطن، علوية الجذور، ولدت في بيت كان ملتقى للمناضلين و العلماء والمشايخ، من أم أرضعتني النضال في حليبها، وأب قدم ماله وأولاده ونفسه فداء لأرضه، تربيت على القرآن والحديث وحب الوطن، كتبت ولا أزال أكتب لبلادي شعرا بألحانه حتى لقبت ب”مجنونة الجزائر”. هل للشاعرة دواوين شعرية أخرى غير “أناشيد وأشعار من الثورة المسلحة”، الذي صدر سنة 1982م؟ أصدرت لي “دار الأوطان للنشر والتوزيع”-وعلى نفقتي الخاصة- نسخة أخرى من هذا الكتاب سنة 2010م، والذي يحمل أشعارا إضافية لم يتضمنها إصدار 1982م، ولدي المزيد من الأشعار، بعضها عن أولادي، وبعضها عن التجارب التي عشتها في حياتي، وأغلبها عن الوطن، لكنها لم تنشر ومنها ما أحفظه ولم يدون إلى الآن. أيام حرب الاستقلال، كانت الغيرة على الوطن، حب الحرية، ومختلف الأحداث التي عشتها ملهمك في الكتابة، اليوم من أين تستلهمين أشعارك؟ اليوم عندما أرى أي اعوجاج ، أكتب وعندما أرى أو أعيش موقفا سواء كان حزينا أو سعيدا، أكتب، مثلما حدث معي في فرنسا عندما رأيت عجوزا في حالة سيئة بعد أن تخلى عنها أبناؤها، تأثرت وتذكرت أمي، وكتبت قصيدة باللغة الفرنسية عن حب الأم، بالإضافة إلى حب الوطن الذي كان ولا زال ملهمي في الكتابة. أي أشعارك أحب إليك، ولماذا؟ هل تستطيع الأم أن تختار بين أولادها، قصائدي مثل أولادي لا أستطيع أن أفضل إحداها عن الأخرى، فكل قصيدة ترتبط عندي بحدث أو ذكرى معينة لها وقعها الخاص على نفسي، ويتجلى ذلك من خلال الأشعار التي نشرت، فقد أرفقت كل قصيدة بالمناسبة التي قلتها فيها والتي تعكس موقعها من قلبي. هل لديك من الشعر ما تم تأديته كأغاني؟ عندي قصيدة بعنوان “لما لا لا يا خالة” غنتها الفنانة التبسية “ثلجة”، أما البقية فرددها المجاهدون على الحدود الجزائريةالتونسية بما فيهم “أحمد راشدي” الذي لا زال يطلب أناشيدي إلى اليوم، وأنشدها الأطفال في المدارس، وبعضها وصل حتى تونس ومصر. * تفجرت موهبتك في ظل الأحداث التي عشتها، هل ترين أن الشاعر لابد أن يولد أو يعيش في ظروف خاصة لتظهر موهبته؟ ربما الأمر يختلف من شخص لآخر، لكن بالنسبة لي نعم، فكل أشعاري جاءت تحت تأثير الأحداث و المواقف أو المشاهد التي تواجهني في الحياة، فهي التي تمس مشاعري، وتلهم فكري، وتحرك قلمي. هل فكرتي سيدة “فاطمة” في كتابة قصة حياتك، والتي تتضمن تأريخا لثورة الجزائر، بحكم مشاركتك وأسرتك في وقائع كثيرة وتعاملك مع شخصيات مهمة في تاريخ الجزائر؟ نعم هذه الفكرة مطروحة لدي، أريد أن أكتب عن حياتي منذ الطفولة، وكيف بدأت قصتي مع الأناشيد الثورية، والأغاني الوطنية، أريد أن أكتب عن الجو العلمي والنضالي الذي كان يسود بيتنا، وعن الآلام التي عشتها عندما استشهد أبي وأخي الصغير تحت وطأة التعذيب، والصعوبات التي واجهتنا ونحن نخبئ الأسلحة والرسائل، كلها أحداث تستحق التوثيق، لكن نظرا لظروفي الصحية أجد صعوبة حتى في حمل القلم، لذلك سألجأ للمسجلة وأترك تسجيلاتي لمن يكتبها. إبان الثورة ناضلت في معركة الحرية، وبعد الاستقلال كيف كان نضالك في معركة البناء؟ أيام الثورة شاركت في النضال، وجسمي يحمل أوسمة تشهد على ذلك، لكن كل ذلك النضال كان جهادا أصغر، وبعد الاستقلال جاء الجهاد الأكبر، وهو جهاد البناء، وأنا خرجت من المرحلة الأولى بنفسية محطمة، فقدت أغلى الناس لدي، ذقت الويلات،و ضحيت بكل أحلامي وطموحاتي، لذا قررت أن أركز على أسرتي لأن الأبناء أمانة في أعناقنا وبتربيتهم نحن نساهم في بناء جيل جديد من أبناء الجزائر، يحمل المشعل عنا ويواصل الدرب الذي بدأناه. قال “مفدي زكريا”: لم أجد شعرا وطنيا حساسا كالذي تكتبه فاطمة الزهراء سليمي”، وأنا أسألك عن أكثر شعر وطني حساس وجدته في الثورة أو في كتابات جيل ما بعد الاستقلال؟ في طفولتي كنت أهتم بالأناشيد، أتأثر، بها وأحفظها دون أن أعرف قائلها مثل “موطني”،”حيو الشمال”، وكذلك “فداء الجزائر” وكل أشعار “مفدي زكريا”، وأكثر قصيدة حركت مشاعري هي قصيدة “فوق الروابي الغافية” التي غنتها “وردة الجزائرية”. سيدة “فاطمة” بالنسبة لك ولأمثالك من المناضلين خاصة من جمعوا بين العمل النضالي، والإبداع الأدبي، هل تحضون بحقكم من التغطية الصحفية والإعلامية؟ أذكر أيام الثورة، حيث قدمت “مريم روبيل” صحفية “جمال عبد الناصر” خصيصا لمقابلتي ومواكبة نشاطي، وأخذت معها إلى مصر أناشيدي وصوري وأنا أخيط الأعلام، وهناك أيضا مجلة “الأصيل” التي كانت تتذكرني في كل مرة، عدى ذلك لا أحد يهتم، رغم أنهم يعرفونني مجاهدة وشاعرة، ابنة شهيد وزوجة مجاهد، لكنهم مقصرون جدا في حقي، إلا من رحم ربي. بما أن السيدة “فاطمة” ثورية، تعشق الحرية، هل كتبت أو فكرت في الكتابة لثورات الربيع العربي؟ بصراحة لم أكتب شيئا لثورة غير ثورة بلادي، ولا لبلد غير حبيبتي الجزائر. كيف ترين علاقة أجيال اليوم بتاريخ الجزائر، والعلم الوطني؟ القليل من أجيال اليوم من يعي فعلا تاريخ الجزائر، وكل ما يعرفونه بعض التواريخ وأسماء بعض الشخصيات، وليس لديهم حرارة اتجاه العلم، وهذه مسؤولية الأسرة، المدرسة، والإعلام، لأنهم المعنيون بتلقين الأطفال دينهم وتاريخ بلادهم، وزرع حب الوطن فيهم، بالأنشودة الرقيقة والمعاملة اللينة. في الختام، ما هي رسالة “فاطمة الزهراء سليمي” إلى هذا الجيل ؟ حافظوا على هذا الوطن ولا تتركوه للغير، كونوا شامخين رافعين الرأس واسعي الجبين، كونوا أحرارا ولا تكونوا أّّذلاء، كونوا أمناء مخلصين للوطن، ولا تطمعوا فيما يغركم به الغير فتصبحوا لهم أذلاء، فما يغرونكم به لمعان يبهر العيون هنيهة ثم يذهب ويترك أصحاب الهنيهات، و السلام عليكم يا أبناء الجزائر.