تستحضر المجاهدة زهرة سليمي زمالي سيرتها الأدبية، التي تعد انعكاسا لمشوارها النضالي الذي صقلته الحرب التحريرية المجيدة، فمن خلال قصائدها الوطنية الملتزمة، تحاول تسجيل هذا التاريخ الذي ساهمت في بنائه كغيرها من الجزائريين، إضافة إلى إيصاله بالكلمة المعبرة الصادقة إلى أجيال لم تر ساحة المعارك ولم تقابل قوافل الشهداء. كيف تستحضرين مشوارك في الشعر وهل هو مرتبط دائما بنضالك؟ الشعر والثورة عندي متلازمان، فكل ما عشته كقضية وطنية جسدته أشعاري، لقد تشبعت بمبادئ الوطنية منذ صغري من خلال الكشافة الإسلامية، إذ كنت دائمة الاحتكاك بهذا التنظيم من خلال المناسبات الفنية والسياسية، فكنت أحضر المناسبات العائلية مثلا كالأعراس بالعاصمة حيث كانت تحضر الكشافة ببرنامجها الإنشادي ذي الطابع السياسي والثوري، فتربى بداخلي إحساس عجيب أكبر مني، تنامى مع الأيام ليظهر في أشعار تتغنى كلها بأمجاد وطني. هل ساعدتك الدراسة في صقل هذه الهواية أم أنك اكتفيت بإلقائها عفويا؟ كنا نعيش تحت السيطرة الاستعمارية وهذا يعني تجريدنا نحن الجزائريون من كل حقوقنا المشروعة، بما فيها حقوق التعليم وحق الاحتفاظ بالهوية الوطنية والإسلامية، لكننا كنا بالمرصاد ونتشبث بأي طريق يوصلنا إلى العلم، شخصيا درست الى سن ال12 سنة وتوقفت عن الذهاب إلى المدرسة بعد مرض والدتي، وهذا التعليم له نصيب في صقل موهبتي وإدراك أشياء جسدتها فنيا. حدثينا عن نضالك السياسي آنذاك؟ كان بدافع حبي وغيرتي على وطني المسلوب الحرية، لقد فتحت عينيّ في عائلة تتعاطى النضال والسياسة تماما كما تتنفس الهواء، لذلك فوالدي سقط شهيد أثناء ثورة نوفمبر وكذلك أخي الأصغر. كان بيتنا مقرا لاجتماعات المجاهدين السرية وكنت أكلف حينها بالحراسة من داخل البيت ومن خارجه، أتذكر بعض الرجال الذين آواهم بيتنا، منهم الراحلون رحمهم الله العربي التبسي والعربي بن مهيدي ومحمد الشبوكي الذي كان يستمع لأشعاري وأنا أقرأها عليه ويشجعني على الاستمرار. أتذكر أيضا والدي الشهيد الذي سخر حياته وتجارته لخدمة الثورة، كان يلزمنا رحمه الله نحن أهل بيته بخياطة الملابس للمجاهدين، إضافة إلى إنجاز ورشة خياطة، خاصة في شتاء السنوات الأولى للثورة 55 و56 حيث كان الدعم للثورة متواضعا. من يستمع لأشعارك يجد خصوصية ما تجاه مظاهرات 11 ديسمبر، أليس كذلك؟ تغنيت بأمجاد الجزائر وبكل مناسبة مجيدة، لكن أحداث 11 ديسمبر لها وقع خاص، باعتباري انتفضت فيها كغيري من الجزائريين وخرجت أهتف مثلهم في الشارع حاملة العلم الوطني، ومما قلت :
"يا علم بلادي الجميلة يا رمز الحياة فيك أمانينا وفيك كل المكرومات"
ما سر علاقتك بالعلم الوطني؟ علاقتي بالعلم الوطني إضافة إلى كونها انتماء ونضال، تجسدت من خلال الخياطة، فقد أتقنت هذه المهنة أثناء الثورة.. علما أنني أخطت المئات منها وأرسلتها إلى المجاهدين في كل مدينة ودشرة وجبل، وكانت لي علاقات طيبة مع المجاهدين في كل أرجاء الوطن وعلاقتي الطيبة ببعضهم امتدت الى إعجابهم بأشعاري الوطنية، وفي هذا المقام أتذكر الراحل مفدي زكريا الذي شجعني. وفور الاعلان عن الاستقلال في 5 جويلية 1962 قدمت 700 علم للاحتفالات. كيف كانت علاقتك بزوجك وهل شاركك هذا الإبداع؟ علاقة جد وثيقة، فعلى الرغم من اشتغاله بالسلك الدبلوماسي، إلا أنه اهتم بي وبإبداعي وكان يشجعني ويحثني على الكتابة، لكني كنت أحس بنوع من الغربة والحنين الى وطني عندما كنت أرافقه في مهامه خارج الوطن ولم أكن أستطيع تقديم أي نشاط خاص بي في الساحة الثقافية والفنية الوطنية، ومع ذلك فقد أحييت من خلال شعري كل المناسبات السعيدة والحزينة بعزيمة وصدق، وكانت كل قصائدي تنطق لحنا. هل سبق وأن طبعت أشعارك؟ طبعت أشعاري في كتاب يحوي 60 صفحة صدر سنة 1982، وكل محتواه أحفظه عن ظهر قلب وأتمنى أن تعاد طباعته ليطلع الجمهور عليه، خاصة من الشباب، خصوصا وأنه يضم وقائع تاريخية هامة تساعد في كتابة تاريخ الثورة، كما أتمنى أن لا يبقى كتابي عن "الأناشيد الوطنية" هو الوحيد فقد أفكر في طبع كتاب آخر. ماهي أعز شهادة تعتزين بها في مجال إبداعك؟ لا شك أنها شهادة الراحل مفدي زكريا، عندما قال عني، لم أجد شعرا وطنيا حساسا كالذي تكتبه فاطمة الزهراء سليمي، واعتبر ذلك وساما، ناهيك عن وقع هذا التشجيع على نفسي حينها، إذ لم أكف عن كتابة الشعر عن الثورة والمجاهدين.