قدرات هائلة تتوفر عليها الجزائر لجعل السياحة موردا اقتصاديا وتنمويا بإمكانه أن ينافس بمداخيل تناهز تلك التي يتم تحصيلها من المحروقات، لكن بالرغم من إجماع واضح على هذه الحقيقة، إلا أن الإقلاع بالقطاع لا يزال لم يكتمل. ومن الطبيعي أن يطرح السؤال حول السبب إن كان يرتبط بالتطبيقات العملية للخيارات المقررة أم يتعلق بالإستراتيجية نفسها ليس على مستوى الخطاب وإنما على مستوى وضوح الرؤية الصحيحة لمسار قطاع لا يرتكز على معطيات بيروقراطية جامدة، بل على احترافية تبدأ من الاتصال الأول مع الزبون. يقف قطاع السياحة على عتبة بوابة مرحلة ما بعد البترول التي بقدر ما تتأخر في التجسيد على الأرض بقدر ما تضيع فرص مواكبة وتيرة تقلبات النظام الاقتصادي العالمي. الذي ينتظر من هذا القطاع أن يتوصل إلى الانتشار في الاتجاهين، الأول وظيفي احترافي منتج للقيمة المضافة، والثاني هيكلي من حيث استيعاب الفعل السياحي بما في ذلك الموارد البشرية التي يعول عليها في حسم مسألة التنافسية وجذب الطلب الذي توفره السوق السياحية العالمية والإقليمية. المعطيات التي تتعلق بالسياحة في بلادنا تؤكد توفر أوراق رابحة سواء على مستوى الجغرافيا والتنوع من امتداد للساحل البحري على طول 12 كلم بشواطئ لا تزال أغلبها عذراء، وصحراء جذابة إلى جانب مواقع أثرية تاريخية ودينية ومحطات للمياه المعدنية، أو على مستوى الموروث الثقافي الذي تفتقر له بلدان كبرى ما يجعل الجزائر بالفعل سوقا سياحية بامتياز ومن ثمة يمكن تصنيفها قطبا إقليميا يضمن وتيرة العمل السياحي على مدار السنة. شكلت قلة الفنادق وقدمها أحد الأسباب الظاهرة وراء تدني الإقبال ولذلك يراهن حاليا على الانتهاء من حوالي 70 مشروعا استثماريا للقطاع الخاص لزيادة طاقة الاستيعاب الفندقي ومن ثمة إرساء دعائم ملائمة في مستوى الطلب الذي ترتفع درجته باستمرار وفقا للطلب النوعي للزبائن. في البلدان التي تستثمر جيدا في السياحة تباع الابتسامة وخدمة السائح بموارد تفوق تصدير المحروقات، وهو ما ينبغي أن يدفع إلى تفكيك عقدة السياحة في الجزائر وإنهاء حالة عدم التطابق والانسجام بين ما هو ممكن التحقيق في زمن قياسي وما هو موجود على الواقع من اختلالات ونقائص لم يعد مقبولا أن تكون مبررا في المستقبل. الأمر على ما يبدو أصبح يرتبط بشكل واضح بمدى نضج واكتمال مختلف جوانب الإستراتيجية لقطاع السياحة إن كانت موجودة بالمفهوم السوي لمصطلح إستراتيجية، وهو أمر يتجاوز إطار القطاع المعني نفسه ليدمج أكثر من طرف معني بالمسألة.