الحركية الحزبية ستعود مع اختفاء الوباء اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية رضوان بوهيدل، الحجر الصحي الشامل أنجع الحلول للحد من انتشار وباء كورونا، لافتا إلى أن الإجراءات المتخذة خطوة مهمة، إلا أنها غير كافية. وبرأيه، فإن الطبقة السياسية ستعود مع بداية اختفاء الوباء وتدّعي حينها بأنها كانت أول من بادر. - صنف الكثيرون «كوفيد-19» في خانة حرب بيولوجية، ما مدى صحة هذا الطرح؟ بالفعل، من الواضح جليا أننا وصلنا إلى ما كان يعرف في الماضي القريب بالحروب المستقبلية، لنعيشها اليوم بكل تجلياتها، حيث نشاهد انهيار قوى كبرى، أمام فيروس لا يرى بالعين المجردة، في وقت كانت تنادي سابقا بالتضامن والأمن الإنساني من خلال إرسال جيوشها خارج أراضيها من أجل المساعدة. اليوم، فيروس كورونا قلب كل المعادلات والمفاهيم في العلاقات الدولية، وأعاد خلط مفهوم ميزان القوى، الذي بدوره أعاد مفهوم القوة إلى محددات ومعايير جديدة بعيدة عن القوى الاقتصادية والعسكرية، خاصة وأن كبرى الدول الاقتصادية والعسكرية تقف مكتوفة الأيدي أمام تعاظم تفشي الفوباء، لكن ومهما قيل وسيقال حول الحرب البيولوجية ونظريات المؤامرة، يبقى كل هذا عقيما، وغير مجد، خاصة بعد سقوط العديد من التفسيرات لانتشار الفيروس ومَن وراءه، لأن اليوم كورونا لم يفرق بين الأخضر واليابس، والجميع منشغل في محاولات الحد من انتشاره وتقليص الخسائر، أو بمعنى آخر الخروج منه في أقرب الآجال بأقل الأضرار والتي تبدو منذ البداية فادحة.
- ما هو تأثير كورونا على العلاقات الدولية اليوم؟ الأكيد أن تداعيات فيروس كورونا على العلاقات الدولية قد بدأت بالفعل، والعالم لايزال يعيش تجليات الأزمة، وهي في مسار تصاعدي متسارع، فعلى سبيل المثال بدأت تتقوى نداءات اليمين المتطرف في أنحاء العالم، لاسيما في أوروبا وهم من طالبوا مرارا بغلق الحدود أمام اللاجئين والمهاجرين، ليجدوا اليوم مبررهم من خلال فيروس كورونا للعودة إلى الساحة السياسية في المستقبل. ترتيب موازين القوى العالمية والإقليمية ما بعد كورونا، وإعادة النظر في عدد من التكتلات الذي فشلت أمام هذه الفيروس، بداية من هيئة الأمم ومجلسها للأمن ومكوناته، إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي اللذين تخليا عن أعضائه في ظل الأزمة، في وقت لجأ بعض هؤلاء الأعضاء إلى أطراف أخرى كانت تبدو معادية، على غرار روسيا والصين وكوبا، كما سنشهد نظاما اقتصاديا مغايرا لما كان ما قبل كورونا، في ظل غياب قيادة وزعامة عالمية، من خلال نظام دولي جديد. - كيف تتوقع أن تكون الجزائر بعد انتهاء كورونا؟ الجزائر جزء من العالم والمجتمع الدولي، وتتحمل ما يصيبها. لكن الهدف اليوم هو كيفية الخروج بأقل الأضرار والاستفادة من أخطاء الغير ومن أخطائنا، واستدراك كل التأخيرات في اتخاذ القرارات، والتمشي مع مستجدات الوضع عالميا، وضرورة إعادة النظر في التحالفات الاستراتيجية مستقبلا، وتفعيل الدبلوماسية بما يخدم مصالحنا في قادم الأيام. فالجزائر يجب أن تتحضّر للتأقلم مع أي نظام دولي جديد، لاسيما في شقه الاقتصادي، والعمل على التعلم من الأزمة، كونها آخر مرحلة بعد انحسارها، بحول الله. - كيف تقيّمون تعامل الطبقة السياسية مع انتشار الوباء؟ الطبقة السياسية في الجزائر، لا حول ولا قوة لها، منذ سنوات عديدة. فما تعيشه بلادنا اليوم من أزمة ليست الأولى، ولم يكن للطبقة السياسية دور في إيجاد الحلول، حتى لو كانت الأزمات ذات طابع سياسي محض، فالسبات الذي تعيشه الأحزاب لا يمكن الخروج منه إلا عند الاستحقاقات الانتخابية المختفة، ومحاولات إعادة التموقع، فلا موالاة ولا معارضة ظهرت أو ستظهر إلا عند بداية انقضاء الوباء وعودة الحياة إلى طبيعتها، وبنفس الخطابات الشعبوية، التي تدعي كل مرة أنهم كانوا أول من بادر بكل شيء. @ هل الإجراءات التي اتخذتها الدولة كافية لمواجهة كوفيد-19، وماذا تقترحون؟ @@ الإجراءات المتخذة من طرف الدولة لغاية اليوم للحد من وباء كورونا، خطوة مهمة وضرورية قبل الانتقال إلى مراحل أخرى محتملة كالحجر الصحي الشامل، والذي يستدعي تآزر مجهودات الجميع، والامتثال للتعليمات، التي جاءت لتخدم الصالح العام. فالحجر الكلي أو الشامل يحتاج إلى تفهم من طرف المواطن، وإلى إمكانات لوجيستيكية لتطبيقه، فأي خرق للحجر عواقبه وخيمة، وهو ما نشاهده في الشوارع ومن تجمعات بالأسواق ونقاط بيع المواد الأساسية وغيرها... وهو ينبئ بكارثة إن لم نسرع في عملية الحجر الكلي والشامل باستخدام كل الوسائل الممكنة. @ في الوقت الذي بادر فيه مواطنون إلى التضامن مع العائلات المعوزة، أعيب على رجال مال وأعمال الانخراط في العملية، ما رأيكم؟ @@ المساعدة لا تحتاج إلى إشهارات وإعلانات. اليوم يبحث عن البهرجة الإعلامية، من خلال نشر لصور المساعدات للمناطق المنكوبة. كما أن المساعدات لا تحتاج إلى تفاوض مع السلطة، فكل من يمكن أن يقدم شيئا فليفعل دون تضخيم إعلامي للأمر. فكثيرة هي تلك القوافل التي وصلت البليدة مثلا دون تغطية إعلامية، ويجب الذهاب إلى ردع عدد من الممارسات التي يتم من خلالها احتقار المواطن والمس بكرامته. @ كيف يجب التعامل مع الوضع الراهن؟ @@ الوضع الراهن يحتاج إلى تسريع اتخاذ القرارات بالحجر الكلي، مهما بلغت الخسائر. وفرض حظر للتجوال، كونه الحل الوحيد للحد من تفاقم انتشار الأوضاع أكثر، لغاية الساعة، في ظل غياب أي لقاح. وهذا لن يكون إلا بتكاتف الجهود والتفهم من جميع الأطراف. بالإضافة إلى أهمية العملية التواصلية أثناء الأزمة، لأن الطبيعة تخشى الفراغ، وأثناء الأزمة لا يجب ترك المجال لتداول الشائعات والأخبار المغلوطة، للحد من تهويل الوضع والتعامل مع الحقيقة.