لم يصدق السياسيون الأمريكيون بأن ضحايا فيروس كورونا في الصين توقف عند سقف 3312 شخص وأن المصابين قدروا ب81.554 حالة، معتقدين بأن العدد تجاوز هذا الحد، استنادا إلى مصادرهم، التي أرادت فتح جبهة نزاع جديدة مع هذا البلد، في سياق غير موات بتاتا، لا يصلح العودة للحرب الكلامية حول الموتى والذين تعرضوا للعدوى، مثلما كان سائدا من قبل بخصوص المفاوضات التجارية والحقوق الجمركية وإلحاق الضرر المعنوي بشركة «هواوي» للاتصالات، بأنها ذات نشاطات «جوسسة»، محاولة من ترامب وصقور البيت الأبيض محاصرتها عالميا وتقويف زحفها التنافسي في أسواقهم الداخلية الأمريكية. هذه المحاولة اليائسة ولدت ميتة، بالرغم من أن «مهندسيها» أرادوا لها أن تكون امتدادا طبيعيا لما شرعوا فيه من مضايقات اقتصادية حيال الصين في قالب آخر وبشكل مخالف أكثر ضراوة من ناحية المساس بسمعة وكرامة البلد على الصعيد الدولي، وهم على دراية تامة وإدراك كامل بالاحترام الذي تحظى به لدى جميع البلدان وبالخصوص سياستها الخارجية المتوازنة المبنية على تقدير سيادة الشعوب وعدم التدخل في شؤونهم. سقوط إدعاء الفيروس المناطقي فما هي الخلفيات الكامنة وراء تلك الحملة السياسية المسعورة ضد الصين، المغلفة بطابع الوباء الفتاك كوفيد-19؟ ما كان يبحث عنه ترامب هو ربح معركة الرأي العام الأمريكي واصطفاف المؤسسات واللوبيات الى صفّه. علما أنه سعي لكسب الوقت لا أكثر ولا أقل، لإخفاء تداعيات هجوم الفيروس على بلاده في كل لحظة، بدليل أن الرئيس الأمريكي أطلق عليه اسم «الفيروس الصيني»، أما وزير خارجيته «بومبيو» فوصفه ب» فيروس ووهان» وهذا التلاقي أو التقاطع في الخطاب لدليل واضح على تقاسم الأدوار وتوزيع المهام من أجل إيهام الجميع بأن الصين مصدر هذا الوباء بمفهوم الطابع الجغرافي والمناطقي الضيق. وعلى غرار ما أوردناه سالفا، لماذا يصر الأمريكيون على أن الصينيين أخفوا الحقائق بخصوص عدد الوفيات والإصابات؟ هل لديهم الأرقام الصحيحة؟ وإن كان الأمر كذلك فإلى ماذا يستندون؟ هل الى علب بقايا الجثث المحروقة؟ إنها حقا الأسئلة التي لا تنتهي إذا خضنا في ثناياها، نظرا لما كان يريده الأمريكيون في تلك اللحظة. والرد المفحم الصادر عن الصين بقي عالقا في أذهان الناس، عندما تم الكشف أن الوفد الأمريكي المشارك في الألعاب العسكرية بووهان، هو الذي نقل الفيروس بحكم إقامته بالقرب من سوق السمك والحيوانات طيلة فترة وجوده بتلك المنطقة. وهكذا تلقف العالم هذا الخبر بذهول أمام صمت أمريكي رهيب، لم ينف ما صدر عن الناطق باسم الخارجية الصنيية إلى غاية يومنا هذا. وفي زمن قياسي، غيّر ترامب مسار تناول ملف «كورونا فيروس» بعد أن أدركه في مقر عمله وطلب منه الأطباء القيام بالاختبارات للتأكد من عدم الإصابة ولم يعد الكلام عن وباء في الصين بل في أمريكا، ذاتها. هذا التحوّل الجذري في إدارة مثل هذا الحدث الثقيل، كشف أن فريقا من كبار مستشاري وموظفي البيت الأبيض كانوا على خطإ. لماذا؟ لأنهم بدلا من دعوة ترامب إلى تقدير حجم الخطر الداهم، أدخلوه في نقاش بيزنطي وحوار عقيم. في تلك اللحظات بالذات، سجل الصينيون تقدما مثيرا في التعامل مع الوباء، وانقلبت المعادلة رأسا على عقب بتغير الخطاب الأمريكي من توجيه رسائل سياسية إلى الآخر في الخارج الى الاهتمام بالداخل ووصل الأمر بترامب ومن معه إلى الحديث عن وضع الكامة أم لا، وأجهزة التنفس والغلق والحجر الصحي، سماها بالإقامة الجبرية وتفاصيل دقيقة لم ينتظر أحد أن يتطرق لها في لقاءاته اليومية مع الصحافة عند الانتهاء من تقييم الوضع خلال 24 ساعة في الولاياتالمتحدة، كونها لا تطرح على ذلك المستوى العالي، لكن غياب النظرة الثاقبة والاستشراف البعيد الممزوج بالجانب البناء، أدى لكل هذه الاختلالات الراهنة والقرارات المهزوزة. قرارات ترامب... غير دقيقة لابد من التمعن جيدا في القرار الذي أعلنه القائم بأعمال وزير البحرية الأمريكي توماس مودلي، بإقالة قائد حاملة الطائرات «تيودور روزفلت» الضابط بريت كرويزر، من مهامه... بعد أن طالب بإجراءات صارمة لحماية الطاقم العامل والمقدر بحوالي 5000 بحار. كما أن هناك قرارات لجأ إليها ترامب، لكنها لم تجد الأرضية اللازمة للتطبيق، منها توفير 30 ألف جهاز تنفس لمدينة نيويورك فقط، داعيا شركة «جنرال موتوزر» و»بوينغ» وغيرهما من المؤسسات الأمريكي العملاقة لإنتاجها، غير أن هذه الشركات لا تصغي إلى السياسيين وإنما تعمل وفق دفاتر شروط ومخططات عمل واضحة سنوية داخليا وخارجيا، عبارة عن التزامات وعقود صارمة لا يمكنها إدراج أجهزة التنفس في نشاطها الإنتاجي الجاري، مما يحدث لها خللا في سلسلة خدماتها. ما كان يراهن عليه ترامب داخليا لم ينله، في خضم التزايد القياسي لعدد الوفيات والإصابات، مراجعا حساباته الواقعية بالالتفات إلى الصين قصد مساعدته في هذه الظروف الصعبة. وهذا فعلا ماحصل، بتوجه طائرة محملة بكل اللوازم الطبية إلى الولاياتالمتحدة. وبالتوازي فإن الصين لم تشكك أبدا في الأرقام المتفاوتة التي تصدر عن جامعة جونز هوبكينز حول عدوى الفيروس في أوساط الأمريكيين، ولم تقل بأن هناك «فيروس أمريكي» «أو فيروس نيويوركي»، إنما الشغل الشاغل هو القضاء على هذا الوباء وتوقيف تفشيه. وبالرغم من كل هذا، فأن ترامب بعث برسائل مشفرة الى الوكالة المركزية الأمريكية مفادها، أنها لم ترفع له أو لم تزوده بالمعلومات اللازمة أو بالأحرى الموثقة التي تسمح له بأن يتحدث من موقع إثبات الذات في التحاور مع المعنيين بملف فيروس كورونا، بدليل أنه لما سئل عن الأرقام المتداولة، قال إنه ليس محاسبا. وفي مقابل ذلك، فان مسؤولي هذا الجهاز يردون بطريقة غير مباشرة على ترامب، على أنهم أحاطوه علما بهذا الملف في شهر جانفي، غير أنه قلل وهوّن من خطورته. واليوم تتأرجح قضية المسؤولية بين الطرفين، كما تدرج أيضا مسألة الثقة التي يقرأ لها ترامب ألف حساب في تعامله مع كل المؤسسات الأمريكية... بعد أن دخل معها في صراع حاد عند توليه مقاليد الحكم، مزيحا كل من اعترض بداية عهدته. هكذا خرجت الصين منتصرة وبأقل الأضرار من معركتها ضد كورونا، خاضتها لوحدها وبإمكاناتها أمام أعين العالم، وسيّرتها بكفاءة عالية من ناحية المعلوماتية دون تهويل أو تضخيم، لتنهض بقوة لمساعدة سكان المعمورة.