نزل الروائي الجزائري عبد الوهاب عيساوي، نهاية الأسبوع الفارط، ضيفا «افتراضيا» على معرض أبوظبي الدولي للكتاب، حيت نشط عيساوي لقاءً بالتحاضر المرئي، تحدّث فيه عن روايته «الديوان الإسبرطي»، التي نشرتها «دار ميم» وفازت مؤخرا بالجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر العربية»، كما تطرق إلى مواضيع عديدة على غرار اللغة، والرواية التاريخية، وكيف تسهم هذه الأخيرة في محاولات الإجابة عن الأسئلة الراهنة. كانت رواية «الديوان الإسبرطي» (منشورات ميم)، الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية، الموضوع الرئيسي للجلسة الافتراضية التي نشطها الروائي الجزائري عبد الوهاب عيساوي، في إطار فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب. وبعد أن قدّم بلال أورفلي، مدير الحوار، نبذة عن سيرة عيساوي الأدبية ومساره الحافل بالألقاب على جدّته وحداثته تناول عيساوي موضوع روايته الأخيرة، التي عالجت حقبة مفصلية في تاريخ الجزائر المعاصر، وهي بدايات الاحتلال الفرنسي، وطبيعة العلاقات والتجاذبات بين مختلف الفاعلين في الساحة الجزائرية في تلك الفترة. واعتبر عيساوي أن من بين المعيقات التي واجهها حين كتابته هذه الرواية، البحث في بعض التفاصيل والوثائق التاريخية، فالوثائق حسبه غير متوفرة، خاصة تلك المتعلقة بالفترة العثمانية، والتي أتلفت بعد أن أحرق الاحتلال الفرنسي الأرشيف والخرائط، ما دفع الكاتب إلى الاعتماد على «خرائط متخيلة رسمها بعض المؤرخين». ولسنا ندري ما إذا كان الكاتب قد نقّب في الرصيد الوثائقي عن تلك الفترة المتوفر بالأرشيف التركي (على سبيل المثال لا الحصر)، وهو ما فرضته طبيعة العلاقة بين الجزائر العثمانية والباب العالي، وما ترتّب عن ذلك من مراسلات ووثائق. ومنذ روايته «سييرا دي مويرتي»، التي تطرق فيها إلى الجمهوريين الإسبان في معتقل بالجزائر عقب الحرب الأهلية الإسبانية، وهي الرواية التي افتكّ بها جائزة آسيا جبّار للرواية سنة 2015، منذ تلك التجربة، ركّز عيساوي اهتمامه على الثيمة التاريخية في نصوصه، وهو ما تكرّر في «الديوان الإسبرطي». وفي حديثه عن الرواية التاريخية، اعتبر عيساوي أن هنالك أسئلة كثيرة متعلّقة بالماضي يعيد الحاضر طرحها، خصوصا وأن الرواية التاريخية لا ترمي إلى سرد التاريخ في حدّ ذاته، بل هي «مجموعة من الأسئلة الراهنة تبحث عن الومضات الأولى التي ظهرت فيها هذه الأسئلة، بمعنى البحث عن نمط كيف تتشكل الدولة الحديثة، وذلك بالعودة إلى بداية القرن العشرين والحادي والعشرين»، يقول عيساوي، مضيفا: «لذلك نرى في «الديوان الإسبرطي» الكثير من الأسئلة التي نعيشها هنا في الجزائر، أسئلة تتعلق باللغة أو بالانتماءات أو الاشتراكات الثقافية.. هذه الدولة التي تقف على حضارتي الشرق والغرب، وأنا حاولت نقل هذه الأسئلة في الرواية». هذه المكونات الثقافية ووجهات النظر المختلفة، في نظر الروائي، لم تمنع الجزائريين من أن يشتركوا جميعا في الوطنية وأن يكونوا جميعا أبناء الجزائر، فهذه الأخيرة «بلد يسع الجميع».. ووصف عيساوي التنوع الثقافي الذي تزخر به البلاد بكونها «كيمياء متعددة»، نجد فيها البعد الأفريقي، والإسلامي، والأمازيغي، مؤكّدا على ضرورة الاحترام المتبادل. وفي خضمّ حديثه، لم يُخفِ عيساوي، المهندس في مجال الإلكتروميكانيكا، تفرغه الكامل للكتابة خلال العامين الماضيين. ولم يأتِ حبّه للكتابة من فراغ، حيث أشار عيساوي إلى كُتّاب استلهم منهم، على غرار عبد الحميد بن هدوقة، وواسيني الأعرج، وعبد الرحمن منيف. كما ركّز عيساوي على أهمّية اللغة وأثر التراث على جمالياتها، وأشار إلى علاقته هو بالتراث، من الجاحظ، وأبي حيان التوحيدي، إلى قدماء الشعراء، وحبّه للمدونات السردية الصوفية، واعتبر أن على الكاتب أن يكون ذا معرفة جيدة بالتراث، إذ «لا يمكن أن تكتب باللغة وليس لك علاقة حميمة معها». وفي هذا الصدد، شدّد عيساوي على ضرورة أن يولي الكُتّاب اللغة بالغ اهتمامهم، وغنى اللغة العربية مكّنها من أن تستخدم في كتابة العلوم من طب وكيمياء، وهو ما نجده في أعمال مثل كتاب الشفاء لابن سينا. ودائما في سياق حديثه عن اللغات، كشف عيساوي عن تلقّيه عروضاً لترجمة روايته «الديوان الإسبرطي» إلى لغات شرقية مثل الهندية والأوردو، إلى جانب اللغات الأوروبية، وكان ذلك مفاجئا له، يقول، إلا أنه ذكّر بوجود صلات ثقافية تربط المجتمعات بعضها ببعض. ولعلّ هذه الآفاق الجديدة هي ما دفع عيساوي إلى القول إن جائزة «بوكر» في نسختها العربية «لا تتوقف عند الفوز بل هي بداية لانطلاقة ثانية للكاتب والنص». كما اعتبرها متميّزة عن غيرها من الجوائز، سواء من حيث طريقة التحكيم أو المصاحبة الإعلامية.