بقدر التخوف من عزوف الجزائريين عن أداء حقهم وواجبهم الانتخابي، بقدر إقبالهم أمس على مراكز الاقتراع في الساعات الأولى من انطلاق العملية، ولدى اقتراب »الشعب« من البعض منهم للاستفسار عن أسباب الإقبال غير المنتظر أكد لنا مجموعة من الشباب والشيوخ وحتى النساء اللواتي رافقن أزواجهن بأنه نتيجة خطاب رئيس الجمهورية الذي ألقاه من ولاية سطيف. أثر الخطاب الذي وجهه القاضي الأول في البلاد للشعب الجزائري من قسنطينة بشكل مباشر على نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية أمس، واستنادا إلى الناخبين الذين لم يفوتوا الفرصة، فان الإقبال بقوة على مراكز التصويت والمشاركة يأتي استجابة لنداء الرئيس بوتفليقة، تأكيدا منهم لمساندته في خطوة الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها قبل سنة. في الوقت الذي توقعت فيه كل أطراف العملية الانتخابية أو على الأقل تخوفت من العزوف الانتخابي ومقاطعة الموعد، سجلت مراكز الانتخاب إقبالا أقل ما يقال عنه »غير متوقع«، خاصة وأن الحملة الانتخابية وصفت بالفاترة تحمل وعودا لا تمت للواقع بصلة منبثقة عن برامج هشة، وإذا كانت المواعيد الانتخابية السابقة تميزت أساسا بمشاركة الناخبين من فئة الطاعنين في السن في الفترة الصباحية، فان تشريعيات 2012 سجلت حضور كل الفئات مثلما هو الشأن بالنسبة لمركز ابن رشد بدرارية على سبيل المثال. ولأن التصويت لأداء الواجب والحق الانتخابي يتم بطريقة آلية، فان الناخبين الذين اقتربنا منهم استغربوا السؤال عن دوافع التنقل إلى مركز الاقتراع والتصويت، لكنهم بالمقابل أكدوا بأن التصويت خيار شخصي البعض منهم رفض الإفصاح عن الرقم والحزب الذي اختاره، فيما لم يجد آخرون حرجا في الإفصاح عن القائمة التي اختاروها من بين 36 قائمة. واذا كانت القوائم وعلى كثرتها على عكس كل الاستحقاقات التشريعية التي جرت في عهد التعددية السياسية في الجزائر، تبدو كثيرة وتعرقل العملية، فإن الناخب لم يثر هذا الإشكال، وعلى الأغلب فان السبب في أنه حدد خياره مسبقا من خلال متابعته الحملة الانتخابية أو المشاركة في النشاط الجواري الذي أفرد له المرشحون حيزا هاما في عملهم الميداني في محاولة منهم لكسب أو استعادة ثقة الناخب بعدما رد على التنصل من التزاماتهم وعدم الوفاء بوعودهم على طريقته الخاصة معاقبا الطبقة السياسية عموما من خلال العزوف عن المشاركة بالنسب التي اعتاد عليها في تشريعيات 2007. وفي كلام وجهه إلى الشباب قال أحد الناخبين »أدعو الشباب الجزائري إلى تجنب القنوط واليأس«، موضحا في نفس السياق بأن العزوف كخيار ليس حلا للمشاكل، مشددا على ضرورة عدم تفويت أي موعد انتخابي لأن الانتخاب أبسط واجب يؤديه المواطن من أجل الجزائر، وذهبت سيدة رافقت زوجها في نفس الاتجاه، مؤكدة بأنها ولدى حديثها مع أبنائها دعتهم إلى المشاركة حتى وإن وضعوا ورقة بيضاء في الصندوق لأن الانتخاب واجب وحق وخيار الورقة البيضاء برأيها أحسن بكثير من خيار العزوف. ولأن عدد القوائم بالعاصمة ناهزت 36 قائمة، فإن عملية التصويت استلزمت وقتا أكبر الأمر الذي أدى إلى تشكل طوابير طويلة، لكن الأمر لم يخلط عليهم الأمور على حد تعبيرهم لأنهم اعتمدوا أساسا على الأرقام التي كررها قادة التشكيلات السياسية المشاركة والمرشحين مرارا في الحملة الانتخابية من خلال التدخلات في وسائل الإعلام السمعية البصرية وفي التجمعات الشعبية ومن خلال الملصقات.