يرى البروفسور صالح فلاحي أن هناك أصنافا من الثقافات المتباينة من مجتمع إلى آخر، وهذا التباين هو بمثابة عملية جذب لطرف ما لاستقراء ما للطرف الآخر. وهذا يؤدي إلى تفعيل تصورات تتبلور في مخيلة الفرد ليجسدها في أنشطة متميزة يطلق على البعض منها السياحة. وانطلاقا من هذه التصورات، يمكن أن يتساءل المرء: هل توجد سياسة سياحية؟ وهل هناك إرادة جادة لتطويرها؟ أوليست السياحة قطاع لا يقل أهمية عن غيره من القطاعات؟ ألا يعتبر غياب الثقافة السياحية في المجتمع الجزائري من المشكلات العويصة التي يستوجب التركيز عليها إذا ما أريد إرساء أسس حقيقية لضمان فعالية هذا القطاع ونجاعته؟ يؤكد البروفسور صالح فلاحي من جامعة باتنة أن الجزائر تتوفر على إمكانات سياحية هائلة. فبالإضافة إلى تنوع التضاريس من الشريط الساحلي الممتد إلى نحو 1200 كلم إلى السلاسل الجبلية الخلابة إلى الصحراء الشاسعة وما تزخر به كل منطقة من معالم سياحية متنوعة صنف معظمها ضمن التراث الثقافي العالمي، فللجزائر أيضا كما يضيف تراث تاريخي عريق استطاع أن يتحدى الأحقاب المتعاقبة كالكهوف والأضرحة والرسوم على الصخور وهذه تعود إلى عهود ما قبل التاريخ. كما تتوفر الجزائر على آثار إسلامية تعود جميعها إلى الفترة السابقة لدخول الإستدمار الفرنسي الجزائر، وتتجلى في المساجد والأبراج والقلاع والقصور والزوايا وكلها تعتبر آية في الفن المعماري الإسلامي وتعد في الوقت ذاته معالم ذّات أبعاد حضارية. وانطلاقا من هذه المعالم وغيرها، هناك شروط يستوجب توفرها لترقية السياحة في بلادنا، من ذلك توفير الظروف الملائمة التي تجعل السائح يشعر بالراحة والأمان وتحقيق الأهداف التي رسمها في مخيلته. ويمكن توضيح بعضا من هذه الشروط على النحو الآتي: أولا: الهياكل السياحية والتي تعتبر من بين الأولويات التي لا غنى عنها لترقية السياحة وتطويرها وجعل الاستفادة منها أمرا ممكنا، وفي الدول المتقدمة تدرج هذه الهياكل ضمن صنفين متمايزين: 1 الصنف الأول ويتمثل في المركبات السياحية الضخمة وما تحتويه من التجهيزات ووسائل النقل والاتصال ومرافق رياضية وترفيهية. إن هذه الهياكل ونظرا لضخامتها وارتفاع تكاليف إنشائها غالبا ما تتواجد في المدن الحضرية ذات الكثافة السكانية لإمكانية التوافد عليها من طرف أكبر قدر من الزوار الميسورين من الأثرياء والتجار ورجال الأعمال. 2 أما النوع الثاني فيتمثل في الهياكل الأقل تكلفة مثل الموتيلات أو مساكن منفصلة يراعى في بنائها خفض التكاليف، كما هو الحال في السياحة الجبلية، ومن ثم إمكانية جذب السائح ليستفيد منها بأسعار تكاد تكون في متناول السواد الأعظم من السياح. غير أن تدني الأسعار المفترض وهو مطلب عام لا ينبغي ان يكون على حساب نوعية الخدمات التي تقدم للسائح. وهذا النوع من الهياكل يتلاءم مع المناطق الداخلية حيث يقل السكان والسياح أيضا. ثانيا: الأمن، فمن البديهي حسب الدكتور فلاحي أن السائح يحتاج إلى ضمان أمنه وسلامة حياته من أي مساس مادي أو معنوي سواء أكان هذا صادرا من طرف القائمين على تسيير المرافق السياحية أو من عامة الناس، وحتى يزدهر النشاط السياحي، يتطلب توافر الأمن بمفهومه الواسع ليشمل تجنب حتى الأمراض. إن أي إخلال بهذا الشرط سيؤدي حتما إلى إلحاق أضرار مادية ومعنوية بليغة بالسياحة كتقليص مدة الإقامة المقررة سلفا أو عدم الرجوع إلى هذا المرفق ثانية، أو اللجوء إلى الانتقام بإعطاء صورة مشوهة لأقربائه والمتعاملين معه. وهكذا تطعن السياحة بطرق مباشر وغير مباشرة. وتوفير الأمن للسائح يستوجب التزود بقدر كبير من الثقافة السياحية الغائبة عن مجتمعنا، ومتى توفرت هذه الأخيرة فإن أي فرد وفي أي موقع يتواجد فيه يكون على قدر من الوعي بالنتائج السلبية التي ستنجم عن السلوك السلبي تجاه السياح محليين كانوا أم أجانب. ومع أن القطاع السياحي تزداد أهميته وحيويته على اعتبار أنه يدر مبالغ مالية هامة على خزائن الدول التي أدركت أهمية هذا القطاع وطورته، إلا أن عدم الاهتمام به جعل مساهمة هذا القطاع في التنمية الاقتصادية غير ذي أهمية من حيث الإيرادات المالية مقارنة بدول الجوار (تونس والمغرب). لقد أفادت منظمة السياحة العالمية خلال سنة 2009 بأن الجزائر تحصلت على إيرادات من السياحة قدرها 267 مليون دولار، في حين كانت إيرادات تونس 700 . 2 مليار دولار، والمغرب 500 . 6 مليار دولار. ويمكن أن يتساءل المرء ثانية عن الأسباب الحقيقية التي أبقت القطاع السياحي في الجزائر في مؤخرة القاطرة بالرغم مما تملكه من الإمكانات المالية. إن المتأمل في السياسات المتعاقبة، إن جاز لنا تسميتها سياسات، منذ استعادة الجزائر سيادتها من المحتل الفرنسي، حسب ذات المتحدث دائما يستخلص مكامن الضعف في عدد من العوامل يمكن ذكر البعض منها فيما يلي: 1 لقد كان للنهج الاشتراكي خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين أثره الواضح على وتيرة الاستثمارات المحلية والأجنبية في القطاع السياحي نتيجة المخاوف المصطنعة والأطروحات الخاطئة الممكن إجمالها في أن السياح يهددون قيم المجتمع وعليه، فإن البلد في غنى عن ما ينفقه هؤلاء الأجانب من العملة الصعبة. وتحمل القطاع العام المهمة. 2 وانطلاقا من هذا التصور، لم يحظ القطاع السياحي بالعناية الاستراتيجية بنفس قوة تلك العناية التي حظي به القطاع الصناعي، مثلا. وما يثار بين الفينة والأخرى مثل المشروع الأول لسنة 2010 والمشروع الثاني لآفاق 2013 على أنها من ضمن المشاريع التي أعدتها وزارة السياحة للنهوض بهذا القطاع، ولا يزال النظر في دقة المؤشرات مسألة مطلوبة. 3 إن الهياكل السياحية وإن هي متواضعة من حيث عددها ونوعيتها إذا ما قورنت بما لغيرنا في المنطقة على الأقل، إلا أن المعضلة الكبرى تكمن في الإنسان ومدى تقبله ووعيه لدور السياحة في ترقية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وإذا كان العامل الأول قد اختفى من الساحة وتم حفظه في أرشيف الأدبيات الاقتصادية، وحل محله اقتصاد السوق والانفتاح على العالم الخارجي، وفتحت الأبواب على مصارعها للاستثمار الأجنبي، إلا أن كل هذا لم يكن كافيا للانطلاقة الفعلية لهذا القطاع، ولم تكن الجهود المبذولة على قلتها كافية أيضا لغرس الثقافة السياحية في المجتمع الجزائري، وهي مهمة شاقة تستغرق زمنا طويلا، فمتى الانطلاق يا يتساءل الخبير الاقتصادي صالح فلاحي ؟.