يرى المحلّل السياسي علي ربيج، أنه لا حلّ لأزمة أذربيجانوأرمينيا التي تحوّلت هذه الأيام إلى مواجهة عسكرية ساخنة، سوى الاحتكام إلى القوانين الدولية عبر قنوات الأممالمتحدة وقراراتها طالما أن النزاع له علاقة بالحدود وهو جزء من معادلة إقليمية معقدة في منطقة القوقاز تعود إلى مخلفات الحرب الباردة، مشيرا إلى أن الخلافات والصراعات الإيديولوجية والاستراتيجيات العسكرية بين دول وفواعل المنطقة، هو ما يدفع إلى استمرار هذا النزاع الذي يشبه النزاع القائم في الصحراء الغربية، وكذا القضية الفلسطينية. منذ تفكك الاتحاد السوفياتي وتحوّل جمهورياته إلى دول مستقلة، بداية تسعينيات القرن الماضي، برز بين أذربيجانوأرمينيا خلاف حاد حول إقليم ناغورني قرباخ الذي تحوّل إلى نزاع عسكري خطير هذه الأيام، باعتقادكم ما سبب هذا الخلاف ولماذا استعصى حلّه؟ علي ربيج: الصراع أو النزاع بين أذربيجانوأرمينيا، جزءا من معادلة إقليمية معقدة في منطقة القوقاز، ومن مخلفات الحرب الباردة، حيث يطالب سكان إقليم ناغورني قرباخ وهم من أصول أرمينية، بالاستقلال عن جمهورية أذربيجان والانضمام إلى أرمينيا، ما جعل السلطات الأذربيجانية تتعامل بمنطق القوة العسكرية ضدهم رافضة أي مشروع انفصالي يطالبون به، لكن سكان هذا الإقليم قرّروا الاستنجاد بدولة أرمينيا، الشيء الذي تسبب في دخول الدولتين في حرب مباشرة، انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار، سنة 1994، رعته الأممالمتحدة، لكن حالة الانسداد وعدم التوصل إلى تسوية نهائية أبقت الخلاف قائما، ليلتهب النزاع بين الحين والآخر، وما يجعل الأزمة تتعقد هو التدخل الأجنبي، فقد وقفت تركيا إلى جانب أذربيجان، بينما تحالف الأرمن مع روسيا. * أذربيجان تؤكد أحقيّتها في الإقليم المتنازع عليه، لأنه يقع داخل جغرافيتها وتؤكد وجود قرارات أممية تدعم موقفها، لكن أرمينيا ترى نفسها الأحق بضم ناغورني كرباخ لأن سكانه من الأرمن.. ** أصل النزاع يكمن في الأرض أو الإقليم، وكما يعلم الجميع فإن واحدة من الأشياء التي تعقّد صفوة العلاقات الدولية بنسبة 70 بالمائة من الحروب منذ معاهدة وستفاليا، سنة 1648 إلى يومنا هذا تعود إلى الحدود وعدم اعتراف دول الجوار يبعضها البعض، وهو ما ينذر في أغلب الأحيان باندلاع الأزمات والمواجهات العسكرية. من الناحية القانونية، يبدو أن أذربيجان لها الأحقية، لأن هذا الإقليم يقع داخل ترابها، وهي تعتقد بأن سكانه ذوي الأغلبية الأرمينية يخوضون حركة انفصالية بمطالبتهم الالتحاق بأرمينيا، لهذا فهي ترى أن تحرّكها العسكري شرعي لوقف هذه الحركة الانفصالية وتصر على رفض التنازل عن أية قطعة من ترابها طالما أن مطالبها قانونية ووفق الشرعية الأممية، وهو ما يجعلها في موقع قوة على جميع الأصعدة مقارنة بأرمينيا. في 1994 تم توقيع معاهدة وقف إطلاق النار بين أرمينياوأذربيجان، لكن النزاع عاد بحدّة إلى الواجهة، فما الأسباب التي حرّكت الميّاه الراكدة؟ حقيقية، قرار وقف إطلاق النار كان سنة 1994 وقد تزامن تقريبا مع انتهاء الحرب الباردة وتفكّك الاتحاد السوفياتي وضعف الأرمن، فأرمينيا التي تشكلت كجمهورية مستقلة مثل أذربيجان وغيرها بعد انهيار المعسكر الشرقي، لم تجد إمكانية لمواصلة الحرب مع أذربيجان التي كانت مدعومة من قبل عدة دول على غرار تركيا، لهذا رضخت للأمر الواقع وقبلت بوقف إطلاق النار، بعد أن تكبّدت خسائر مادية وبشرية معتبرة، ليطفو الصراع من جديد مؤخرا، لكن أتوّقع هذه المرة أن الأزمة لن تتوقف في القوقاز فحسب، بل ستشمل مناطق أخرى وكأن عقارب الساعة تعود بنا إلى الوراء ليفسح المجال للنزاعات العرقية التي لها أبعاد لاسيما على مستوى الحدود، لأن أغلب الدول لا تملك قرارها بيدها، خاصة بعد دخولها في تحالفات وهذه التحالفات تفرض عليها اتخاذ بعض المواقف لصالح هذا الحليف سواء التركي مع أذربيجان أو الحليف الروسي مع أرمينيا. * التدّخلات الخارجية في الغالب، هي ما يؤجج الخلافات ويحول دون حلول لها، كيف تقرأون التدخلات الخارجية في نزاع كرباخ؟ ** أعتقد أنه من بين التدخلات الخارجية نجد الدور الروسي الذي تسعى من خلاله موسكو للضغط على تركيا أساسا، لأن الجميع يعلم أن بين الطرفين ملفات عالقة على غرار الملف السوري واللّيبي إلى جانب قضية البحر الأبيض المتوسط. بحسب اعتقادي الحروب بالنيابة أو بالوكالة أصبحت توظّف للضغط على الأطراف والفواعل المتدخّلة مباشرة في الأزمات عبر العالم، لهذا نجد التدخل الخارجي في نزاع كرباخ هذه الأيام يؤدي دورا كبيرا، مع العلم أن الأممالمتحدة قادرة على تسوية هذه النزاعات ولكن الأبعاد الطاقوية والاقتصادية كالغاز والبترول الموجودة ضمن الأجندة السياسية الروسية والتركية هو الذي حرّك هذه الحرب. * ماذا عن الأخبار التي تتحدث عن نقل إرهابيين من سوريا لتأجيج النزاع الذي يهزّ منطقة القوقاز؟ ** مسألة وجود مرتزقة أو مقاتلين من دول أخرى لتأجيج الحرب بين أذربيجانوأرمينيا أمر وارد، لأننا شهدنا ذلك في سوريا وليبيا واليمن، اليوم نتوّقع نقل هؤلاء الإرهابيين الذين يلقّبون بالمقاتلين الأجانب إلى هذا الإقليم، سواء من طرف روسيا أو تركيا أو غيرهما، وهناك حديث عن نقل الأتراك لمسلّحين من سوريا واليمن وليبيا إلى هذه المنطقة ليقاتلوا إلى جانب القوات الأذرية ضمن أجندة أنقرة مما سيزيد الأمور تعقيدا. أعتقد أن الوتيرة المتصاعدة لنقل المقاتلين لتأجيج نزاع كراباخ، يرمي أيضا لتفادي بعض الدول المجازفة بجيوشها، حيث أصبحت تدفع الأموال إلى الشركات الأمنية الخاصة لتؤدي دور الجيوش الكلاسيكية التقليدية، وبهذا تقلّل من الخسائر البشرية، لكن في المقابل قد تخسر ماديا. بالإضافة إلى أن هذه الحرب ستمكن القوّات الروسية والتركية من استعمال وتجريب كل أنواع الأسلحة في ظل التطوّر الهائل الذي تشهده ترسانتهما من طائرات بمختلف أنواعها وصورايخ عن بعد، وهو نوع من استعراض العضلات بين الطرفين في المنطقة. * هل تعتقدون أن مجموعة «مينيسك» قادرة على تسوية هذا النزاع المستمر منذ ثلاثة عقود؟ ** أعتقد بأن مجموعة «مينسيك» لديها القدرة على تسوية هذا النزاع، إن سُمح لها، مع العلم أنها حاولت ذلك في عدة مناسبات، لكنها فشلت، لكن السؤال المطروح: هل تقبل الأطراف المتحاربة الاحتكام إلى هذه المجموعة، بل أكثر من هذا، هل تملك هذه المجموعة الآليات من الاتفاقيات الموّقعة بينها بما يسمى الدفاع المشترك، لوقف الاقتتال الذي ينشب بين أعضائها. في الغالب، الأمر يتجاوز هذه المجموعة وكذلك الأممالمتحدة طالما أن الحل بيد موسكووأنقرة، وفي حال قبل الطرفان الروسي والتركي الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفتح قنوات الاتصال، يمكن حل هذه الأزمة ووقف إطلاق النار، لكن هذا الأمر مستبعد حاليا سوى في حالة واحدة، وهو تدخل الأممالمتحدة عن طريق المحاكم الدولية التي تفض في مثل هذا النوع من النزاعات الحدودية والقانونية في نفس الوقت، وعندما تصدر هذه المحاكم حكما يصبح القرار إلزاميا للأطراف المتنازعة، وبالتالي يتم غلق هذا الملف الذي لا أتصوّر أنه سيبقى مفتوحا لأن هناك إرادة دولية وإقليمية في منطقة القوقاز، لكي يستمر هذا النزاع والرفع من وتيرة التسلّح بين أذربيجانوأرمينيا، كذلك يبقى كورقة ضغط للأطراف الفاعلة في تلك المنطقة، على غرار إيرانوتركياوروسيا، لهذا استبعد الوصول إلى حل لهذا النزاع الذي استمر لعدة عقود. * ما تصوّركم لتطوّرات المواجهة العسكرية الأرمينية الأذرية، وهل تتوّقعون حلا قريبا؟ ** لا أتوّقع أن تجد الأطراف المتنازعة الحل إلاّ من خلال اللّجوء إلى القانون عبر قنوات الأممالمتحدة طالما أن النزاع ذا طابع حدودي، وكما يعلم الجميع أن مثل هذا النوع من النزاعات يستفتى فيه أهل القانون والخبراء في العلاقات الدولية ممن يؤكدون أحقية أذربيجان أو أرمينيا في هذا الإقليم، لكن تبقى الخلافات والصراعات الإيديولوجية والاستراتيجيات العسكرية بين الدول والفواعل في تلك المنطقة، هي من تفضّل استمرار هذا النزاع الذي يشبه نزاع الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية. * كلمة أخيرة ** هكذا هي العلاقات الدولية والعلاقات بين الدول، بين سِلم وتعاون وبين حرب ومواجهة، ونزاع كارباخ هو فصل من فصول التصادم بين المصالح في منطقة القوقاز، وكما هو ظاهر، فإن تركيا تريد من خلال الخلاف الأرميني - الأذربيجاني أن تعبر إلى أوروبا لكي تنقل الغاز والطاقة وتجعل القارة العجوز تعتمد بشكل كبير عليها، وهذا من بين الطموحات المستقبلية لأنقرة في المنطقة، لكن هذا الطموح يصطدم مع أهداف روسيا التي تسعى هي الأخرى الى قطع الطريق أمام تركيا نحو أوروبا خاصة فيما يتعلق بتزويدها بالغاز، ما يمنح النزاع طابع حرب مصالح بامتياز وفي حال اتفق الأطراف سيتم إنهاء هذا الموضوع .