بلغت الوضع الوبائي مرحلة صعبة جدا تدعو للقلق، لدرجة أن المرضى ينتظرون في طوابير في أروقة المستشفيات وفي سياراتهم، والمستفيد من التكفل والعلاج المرضى الأكثر حظا للشفاء بمنطق التفضيل، هذا الأمر أجبر عليه الطاقم الطبي بعدما استفحل الفيروس بعد ارتفاع منحنى العدوى، تشخيص قدمه الدكتور إلياس مرابط رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية في حوار خص به «الشعب». «الشعب»: بعد التصاعد الكبير في المنحنى الوبائي، نحن في أي مرحلة من الوضعية الوبائية الآن؟ الدكتور مرابط: نحن في وضعية وبائية لم نخرج منها ولازلنا في تبعات الموجة الأولى، الوضعية صعبة جدا ومقلقة الآن ونخشى أن تخرج الأمور عن السيطرة بسبب التسيير غير المبني على معطيات ومعلومات دقيقة حول الوباء والمناطق التي تمثل بؤرا لانتشار الفيروس. كيف هي وضعية المؤسسات الاستشفائية في ظل الوضع الذي وصفته بالصعب جدا؟ نفدت طاقة استيعاب المستشفيات وكل الأسرّة مشغولة، وكل المؤسسات الاستشفائية جندت بجميع طواقمها الطبية للتكفل ب»كوفيد-19». والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل تكاد الأمور تخرج عن نطاقها، إذا علمنا أن طوابير من المصابين ب»كورونا» ينتظرون دورهم في العلاج بأروقة المستشفيات وآخرون ينتظرون في سياراتهم. هذا الوضع مع الأسف، جعل الطاقم الطبي مضطرا لأن «يفضل مريضا عن مريض آخر»، بعبارة أخرى يتم التكفل بالحالات التي تكون حظوظ الشفاء لها أكبر. أعتقد أن بلدنا بلغ الآن مستوى بلدان أخرى كإيطاليا وإسبانيا، بالرغم من أننا لم نصل بعد إلى الكارثة، ولكن إذا استمررنا في هذا الوضع ستكون الأرقام مضروبة في 10. بدون تحريات ميدانية لا يمكن كسر منحنى الوباء تشخيصك للوضعية الصحية يجعلنا نتساءل، إلى أين نتجه وما هو العمل للتقليل من الإصابات وكسر سلسلة العدوى الوبائية؟ لا يمكن كسر سلسلة العدوى إلا من خلال إجراء التحريات الوبائية وتشخيص ميداني دقيق، يترجم حقيقة الوضع الوبائي وبالسرعة اللازمة، لأن التشخيص الحالي يعطي نتائج بعد أسبوع أو 10 أيام، ولا يفيد بشيء من الناحية الوبائية. كما أن الأطقم الطبية تعمل بوسائل شبه منعدمة، لا وجود للسترات الواقية، والقناع الخاص الذي يوضع على الأنف والفم وحتى الرأس، بالإضافة إلى عدم توفر حامية الوجه والعينين، وتعد كلها وسائل ضرورية جدا للعمل والتكفل بحالات «كوفيد». لتدارك الوضع، لابد أن نعمل على محاور مختلفة، أبرزها التحسيس والتوعية. هذا المحور، الذي لن أتوقف على التأكيد عليه، والذي لابد أن يكون حسب المستوى المطلوب. وأعتقد أن خطاب الطمأنينة الذي قدمه المسئولون، ساهم بشكل كبير في حالة التراخي. بالإضافة إلى أن الكثير من المواطنين غير مقتنعين، بالرغم من أن حالات الوفيات التي تسجل يوميا وقد عرفت منحنى تصاعديا، يدعو للقلق خلال الأيام القليلة الماضية. لابد كذلك أن تعود الجماعات المحلية إلى الميدان، ويبقى الحل في الوقاية ثم الوقاية، التي أساسها الالتزام بالتدابير الصحية من خلال وضع الكمامة والنظافة باستمرار، لأن 90 بالمائة من الوقاية من كورونا تتحقق من خلال الالتزام بذلك، ولابد من اللجوء إلى الجانب الردعي، لأنه مهم جدا لحمل الأشخاص على تطبيق الإجراءات الصحية. لم يطبق حجر صحي في الجزائر وإنما حظر للتجوال هل يمكن إجراء حجر كلي وغلق المؤسسات التربوية في ظل تنامي مخاوف الأولياء على أبنائهم بعد ارتفاع حالات الإصابة ب»كوفيد-19»؟ لا يمكن أن نتحدث عن حجر صحي في ظل غياب المعلومات حول انتشار الوباء وأين تتواجد بؤره. وأذكر في هذا الإطار، أن النقابة قد راسلت كتابيا المسئول الأول على القطاع والوزير الأول، كما رفعت تقريرا لرئاسة الجمهورية، تضمن انتقادات واقتراحات لتصويبها. واعتقد أن ما طبق على أساس أنه حجر صحي هو عبارة عن «حظر للتجول لا غير». كما لا يمكن إجراء حجر إلا بعد وضع خارطة وبائية، يتم من خلالها تحديد الأماكن التي توجد بها بؤر الوباء ليتم تطبيق هذا الإجراء عليها كليا وعزلها عن المناطق الأخرى. كما لابد من منع دخول وخروج المناطق التي لم تسجل بها إصابات حتى لا تعود العدوى إليها. ويمكن أن تستعمل المدارس كمنابر للتحسيس بخطورة الوباء، من خلال توعية الأطفال والمراهقين أنهم يمكن أن يكونوا حاملين للفيروس وينقلونه إلى عائلاتهم بدون أن يشعروا بذلك، وعلى المسجد أن يقوم بدوره في هذا المجال. وماذا عن اللجنة معنية بالتحري ومتابعة التحقيقات الوبائية، حول حالات الإصابة ب»كورونا» المؤكدة أو المشتبه به؟ هل كان عليها أن تضع مثل هذه الخرائط الوبائية التي ذكرتها؟ لم نر لها وجودا في الميدان، وقد انتظرنا نتائج تحرياتها لنستفيد منهم في تسيير الوضعية الوبائية. وأعتقد أنها أخفقت في أداء المهمة المنوطة بها، كنا ننتظر أن تصدر عنها تقارير وتخبرنا بالوضعية الوبائية أو عن العراقيل التي تواجهها للقيام بالتحريات التي أوكلت إليها. وأجدد تأكيدي انه لا يمكن تسيير هذه الوضعية بدون تحريات وتحقيقات ميدانية. وأشير كذلك، أنه تم إقصاء لكثير من الخبراء والشركاء الاجتماعيين، فالمسئولون يفكرون على مستوى ضيق، وقد تكلمنا عن هذا الموضوع وراسلنا وزير القطاع كتابيا، بالإضافة إلى الوزير الأول ورئاسة الجمهورية. وطالبنا بأن تنشأ خلايا على المستوى الولائي، حتى تكون هناك معلومات شاملة عن كل القطر الوطني. كما أن الخلايا التي تنشط حاليا هي الخلايا الأمنية وهي موجودة من قبل، لكنها في الغالب ليس لها صورة كافية عن الوضعية الوبائية. كل المستشفيات جندت للتكفل بحالات كورونا، ما هو مصير المرضى الآخرين؟ هناك عدد كبير من المرضى ينتظرون التكفل بهم خارج كورونا، لكن مع الأسف عدد منهم فارق الحياة وهناك من تدهورت حالتهم الصحية. ولا أرى أن التكفل بكوفيد -019 يكون من خلال تجنيد كل المصالح على مستوى جميع المستشفيات، لا يعقل – مثلا – غلق مستشفى آيت إيدير بالقطار في وجه المرضى ليتم تحويله إلى مصلحة للتكفل بالفيروس المستجد. أريد أن أختم الحوار بهذا السؤال، كم فقد القطاع من المهنيين بسبب الجائحة؟ يوجد حاليا أكثر من 8000 حالة إصابة بفيروس كورونا في أوساط المهنيين، وأزيد من 132 حالة وفاة، 100 من الطاقم الطبي، ناهيك عن الوضعية السيكولوجية للعاملين في القطاع وحالة التعب الشديد، بعدما ألغيت كل العطل. وأعتقد أن الأمر لا يمكن أن يستمر هكذا، لابد من تفهم من قبل المسيرين للمؤسسات الاستشفائية، يمكن على سبيل المثال إعطاء عطلة 10 أيام أو 15 يوما، وهو أمر ممكن، خاصة وأن بعض المستشفيات طبقت ذلك، لتجديد الطاقة لطاقمها الطبي.